15 مارس 2020 م

عفة النفس

عفة النفس

الإسلام دين المثالية والنزاهة والكمال الإنساني، يأخذ بيد الإنسان لتحصيل الفضائل والوقوف على منطقة الكمال من قواه الإنسانية -العقلية والشهوية والغضبية- فيكون محصلًا لأسمى مكارم الأخلاق، وقد قيل إنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، لأن الأمر بالعرف غاية الحكمة التي هي منطقة الكمال في القوة العقلية، والإعراض عن الجاهلين غاية الشجاعة التي هي منطقة الكمال في القوة الغضبية، وأخذ العفو غاية العفة التي هي منطقة الكمال في القوة الشهوية، فالجامع بين أمهات كمالات الإنسان الثلاث: الحكمة والشجاعة والعفة.
والعفة في الأصل معنى يقوم بالنفس وتظهر آثاره في سلوك الإنسان، والمعنى الجامع لعفة النفس هو ترفعها عما ليس لها، وزهدها فيه، وإعراضها عنه، وتكون النفس في أسمى حالات العفة إن لم تلتفت إليه أصلًا بحيث يكون عندها كالعدم، سواء وجد الداعي إليه أو لم يوجد.
وأكثر الأحوال التي يحتاج فيها الإنسان لعفة النفس حال الاحتياج؛ إذ يدعوه ذلك للتطلع إلى ما ليس عنده، والسعي في الحصول عليه من أيسر الطرق، ويكون ذلك بالتعدي أو السؤال.. ولذلك تواترت النصوص على الأمر بالتخلق بالعفة، وتدريب النفس على هذا الخلق الكريم حتى يكون وقاية للإنسان من الوقوع في شراك الاحتياج.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنا المثل في ذلك مع الصحابي الجليل حكيم بن حزام رضي الله عنه، حيث قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأعطاني ثم سألته، فأعطاني ثم قال لي: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى»، قال حكيم رضي الله عنه: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حتى أفارق الدنيا -أي: لا أنقص مال أحد بالطلب منه-، فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا رضي الله عنه ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئًا، وفعل مثل ذلك مع عمر رضي الله عنه، وظل كذلك حتى توفي رضي الله عنه.
ولما جاءه صلى الله عليه وآله وسلم ناس من الأنصار وسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما قال: «وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ» متفق عليه.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عفة النفس بقوله عن المال «فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ» أي رضيت نفسه بما معه، ولم تطلب المزيد، ولم تتطلع إلى ما ليس عنده.. وأشار أيضًا إليها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «مَنْ يَسْتَعْفِفْ» لأن معناه يأمر نفسه بالعفاف ويروضها عليه.
وهذه الأحاديث وإن كانت واردة في شأن المال، فإنها تشمل عفة النفس عن كل ما سوى المال مما تتوق إليه.. ولا يخفى أن المجتمعات التي تتمسك بالعفة، مجتمعات مثالية تخلو من الجرائم التي هي ثمرة طمع الإنسان فيما ليس عنده؛ وما وقائع الاغتصاب والزنا والسرقة والنهب وشهادة الزور وغيرها إلا سقوط في مهاوي الطمع، والعفة هي خير علاج يقي الإنسان من السقوط في هذه المهاوي.
المراجع:
• "شرح صحيح الإمام مسلم" للإمام النووي.
• "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للحافظ بدر الدين العيني.
• "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر.
 

النفس الإنسانية جُبِلَتْ على الأَثَرَةِ والشعور بالكمال، والميل إلى اللَّذائذ والشَّهوات، وسبيلُ نجاة الإنسان أن يقاومَ ما بها من نوازع للشر، ويهذِّبها حتى يستغلَّ ما فيها من إمكانات من أجل دفعها لفعل الخير. والطباع التي جُبِلَتْ عليها النفس من الأَثَرَةِ والميل إلى تحصيل الشهوات وغيرها؛ تدفعها كثيرًا إلى الغضب والحرص والاندفاع بالقول والعمل للإساءة للغير، ما لم يكن هناك حاجزٌ لها من تربيةٍ أو دينٍ أو ظروفٍ تمنع أو تقلِّل من هذا الاندفاع.


إفشاءُ الأسرارِ من السُّلوكيات الخطيرة التي تؤدي إلى فسادٍ عريضٍ في المجتمعات، حين يَأتَمن المرءُ أخاه على سرٍّ له؛ ليتبيَّنَ وجهَ الصَّوابِ في معضلةٍ تواجهُه، أو لمواجهةِ ضائِقَةٍ تمرُّ بِه، أو للتَّعامل مع أمرٍ طارئٍ تعرَّض له، فحين يتم إفشاء هذا السر قد يتعرَّض صاحبه لضررٍ أو أذى أو معاناةٍ، وقد يترتب على إفشاء الأسرار فسادُ ذاتِ البَينِ، ووقوع الشِّقاق والخلاف بين الناس وإثارةِ الأحقاد والضغائن في نفوسهم عندما يطَّلعون على سِرٍّ كان خافيًا عنهم.


الشجاعة خلق عظيم من الأخلاق التي حَضَّ الإسلام على التحلِّي بها، وتربية النفس عليها. والشجاعة هي الثبات ورباطة الجأش عند وقوع المخاوف، والشجاع شخص جريء مقدام، ينصر الحق وينتصر له، ولا يهاب الباطل. ولقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل قدوة في هذا الخلق العظيم، فعن البراء رضي الله عنه قال: "وَكَانَ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ يُتَّقَى بِهِ - يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الشُّجَاعَ الَّذِي يُحَاذِي بِهِ" أخرجه ابن أبي عاصم في "الجهاد"، أي إن المعركة إذا حميت واشتد القتال كانوا يحتمون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


مَنَحَ الله الإنسانَ نعمًا شتى لا تحصى، ومِنْ شُكْرِ الله على نِعَمِه استخدامها فيما أمر به، وإمساكها عن ما نهى عنه، واللسان من هذه النعم العظيمة، التي يعبر بها الإنسان عن نفسه وأفكاره وأحواله المختلفة، فبه ينطق بكلمة الإيمان


لا ينبغي للمسلم أن يكون جُلَّ همِّه أن يسعى لتحصيل لذائذ الدنيا والتَّمتُّع بما فيها من شهوات، بل عليه أن يكتفيَ من المتع التي أحلَّها الله له بالقدر المعقول والمشروع الذي به يتحقَّقُ ما يحتاجه من الضرورات


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 18 يونيو 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :54
الظهر
12 : 56
العصر
4:32
المغرب
7 : 59
العشاء
9 :32