11 مايو 2022 م

تنظيم الأسرة.. تنظيم النسل وقضية الرزق

تنظيم الأسرة.. تنظيم النسل وقضية الرزق

يتناول بعض الباحثين قضية تنظيم النسل بصورة معكوسة؛ حيث يتوهم أنها تتعارض مع قضية الرزق، مع استشهادٍ ببعض النصوص الشرعيَّة المحرِّمة لقتل الأولاد من أجل الفقر والعجز عن الاكتساب؛ كما في قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: 151].

وهو فهم مغلوط؛ لأن الغرض من وسائل تنظيم النسل المتنوعة هو منع تكوين الجنين أصلًا؛ فالجنين لا يتكون إذا ما تم استخدام وسيلة تنظيم النسل، وكل ذلك من قدر الله تعالى؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في شأن العزل –وهو من وسائل تنظيم النسل-: «مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ» "متفقٌ عليه".

نعم، إن الرزق شامل لجميع خلق الله تعالى ولا يأخذ أحدٌ رزق غيره؛ لأن الله تعالى قد بثَّ الأرزاق وقدَّرها للخلق جميعًا بعلمه المحيط بهم، ومع ذلك سهَّل على كل مخلوق الوصول إليها وحثَّ على اكتسابها من خلال الحركة وبذل الجهد والسعي والعلم والعمل؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [تبارك: 15].

ولا شك أن كثرة الأولاد تتطلب مجهودًا أكبر في التربية والمتابعة مع تحمل الأعباء المالية المناسبة لمثلهم في أسرتهم ومجتمعاتهم، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ في دعائه من "جهد البلاء"، وهو قلة المال وكثرة العيال كما فسره ابن عمر رضي الله عنهما، كذلك ورد في مأثورات الصحابة والتابعين رضي الله عنهم التحذير من كثرة العيال خاصة في حالة عدم توفر المال وضيق الأرزاق؛ فقد ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه في بعض خطبه في أهل مصر: "يا معشر الناس، إياي وخِلَالًا أربعًا، فإنهن يدعون إلى النَّصَب بعد الراحة وإلى الضيق بعد السعة وإلى المذلة بعد العزة: إياك وكثرة العيال، وإخفاض الحال، والتضييع للمال، والقيل بعد القال، في غير درك ولا نوال" "شرح مشكل الآثار".

وهي معاني مجتمعة تكشف الخلل الحاصل لدى البعض في محاولاتهم التركيز على إظهار أن الإسلام يدعو إلى كثرة النسل وزيادة الذرية؛ لأنها تؤكد على أن المراد هو وجود الذرية الصالحة والولد الطيب بطريقة مناسبة لاستطاعة الوالدين وقدرة المجتمع والدولة على تلبية الاحتياجات المطلوبة، ومن ثَمَّ فإذا أدت كثرة الإنجاب إلى زيادة الأعباء وفقدان القدرة والاستطاعة على تلبية ذلك فإنها تدخل ضمن المنهيات الشرعية؛ حيث يقول تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: 233].

بل العكس في هذه الحالات وفي ظل الظروف والتحديات الراهنة التي تواجه الفرد والمجتمع والدولة هو الصحيح؛ فقد ورد في الحديث أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «التَّدْبِيرُ نِصْفُ الْعَيْشِ، وَالتَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَالْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ، وَقِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ» "مسند القضاعي"، وقيل لحكيم بن حزام: ما المال يا أبا خالد؟ فقال: "قلة العيال" "مستدرك الحاكم على الصحيحين".

فلا تعارض بين تنظيم النسل مع قضية الرزق، فالعلاقة بينهما مطردة لا عكسية؛ فإن الله تعالى قد أمر بالمحافظة على المال والرزق بعدم إضاعته فيما لا يفيد الإنسان أو مجتمعه، أو يكون وسيلة لإجهاد نفسه أو التسبب بإحداث ما فيه ضرر وتحمل ما هو فوق الطاقة والمقدرة.

ولهذا أمر الشرع بالاكتساب والعمل بأنواعه ومجالاته المتعددة التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير، وتضمن له ولوطنه الكرامة والعزة، بما يعود على أولادنا الذين هم أمانة غالية في أعناقنا ما يغنيهم ويسترهم ويلبي متطلباتهم، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» "متفقٌ عليه".

****

 الجمعة 10 جمادى الأولى 1442هـ، الموافق 25 ديسمبر 2020م

 

مر على زواجهما خمسة عشر عامًا، وعاشا معًا رحلة الحياة بحلوها ومرها، وسعدا بأطفالهما يكبران أمام أعينهما يومًا بعد يوم، ثم حدث الزلزال الذي قلب الحياة رأسًا على عقب؛ إذ لاحظت منذ عدة شهور تغيرًا ما في تصرفاته وتعاملاته معها، إذ أصبح لديه شيء من الغموض لم تعتدْه منه، بجانب بعض الفتور في علاقتهما بوجهٍ عام، وكثرة أسفاره بلا سبب مقبول، وتهربه من البيت كلما سنحت الفرصة، واختلائه بتليفونه المحمول أكثر من المعتاد، وحرصه على أن يكون في جيبه وأخذه معه في الحمام، أو الحديث بصوت هامس، أو الذهاب للبلكونة لإتمام المكالمات.


تُعدُّ النصيحة من أفضل وسائل الإرشاد والتوجيه بين الزوجين نحو ما ينبغي فعله من أحد الطرفين تجاه الآخر، خاصةً أن الحياة الزوجية لا تخلو من التعرض للمواقف والهزات المهددة لاستقرار بناء هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ وتكامل أدوار ومسئوليات أفرادها، سواء كان ذلك نتيجة فتور التواصل والتفاعل بين الزوجين، أو قصور الأداء للأدوار والمسئوليات، أو عدم تشبع الاحتياجات بصورة ملائمة لهما.


تحيط بالحياة الأسرية بين الزوجين تحديات جسام ومواقف متتالية تحتاج إلى التفاف كِلَا الزوجين حول أنفسهما بسلامة ونقاء قلب، فيمسك كل طرف بالآخر لمواجهة هذه الصعاب جنبًا إلى جنب بما يحقق سعادتهما، ويؤكد نجاح الاختيار لكل منهما في شريك الحياة المناسب.


هيأ الشرع الشريف ودعا إلى إيجاد الأجواء الصحيحة بين أفراد الأسرة من خلال دعم اتصالها الاجتماعي والعاطفي عبر ضرورة إقامة العلاقات الإيجابية مع الأقارب التي تمثل الإطار الاجتماعي لها، وإلا كان إطارًا منتجًا للتحديات والمشكلات الأسرية.


أقر الشرع الشريف مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة باعتباره حقًّا لهما، وحثهما على الانطلاق منه في تفاصيل حياتهما الأسرية، كما أطلق حرية كلٍّ منهما في التصرف في ماله؛ فقد جاء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بمِاله مِن والدِه ووَلَدِه والناسِ أَجمَعِينَ» "سنن الدارقطني".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 22 يونيو 2025 م
الفجر
4 :8
الشروق
5 :54
الظهر
12 : 57
العصر
4:33
المغرب
8 : 0
العشاء
9 :33