18 مايو 2022 م

العنف الأسري

العنف الأسري

العنف ضد الرفق واليسر والسهولة، ويشمل كل فعل ونمط سلوكي يلحق الأذى بالنفس أو بالغير؛ سواء كان حسيًّا أو معنويًا، مباشرًا أو غير مباشر، ظاهرًا أو مستترًا، باللفظ أو الفعل.

وقد ازدادت وتيرة العنف في المجتمعات المعاصرة، وكان للأسرة نصيب من ذلك؛ حيث يغلب اتخاذ العنف وسيلة من قِبل أطرافها لتنفيس الغضب والانتقام وتفريغ الصراعات والانفعالات في الطرف الآخر؛ سواء كان زوجة أو أولادًا أو العكس.

ويعد العنف من الأمور التي أجمع العقلاء فضلًا عن أهل الأديان على تحريمها، ولا علاقة لها بتعاليم الإسلام؛ فقد حث الشرع الشريف على اتباع الرفق ووسائل اليسر في معالجة الأخطاء، من خلال دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفق في الأمر كله؛ فقال: «إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إلا شانَه» "صحيح مسلم".

والتكاليف كلها داخلة في منطقة الرفق عند قيام المسلم بها وعند عدم قدرته عليها يخفف عنه، فكان الرفق والتخفيف أساسًا في منطق التشريع.

وتتعارض ممارسة العنف داخل الأسرة مع مقاصد هذه الحياة الخاصة في طبيعتها حيث مبناها على السكن والمودة والرحمة؛ بحيث تكون المرأة سكنًا للرجل ويكون الرجل سكنًا للمرأة، بموجب عقد بينهما يضمن قيام العلاقة بينهما على سبيل التقابل، على الثقة والحب؛ حتى إذا ما أنعم الله عليهما بالأولاد انصرف اهتمامهما بالتراضي والاتفاق على حسن تربيتهم وتنشئتهم؛ حتى يكونوا قرة عين لهما، ويكون الوالدان أيضًا قدوة صالحة للأولاد في الوفاق والمودة والإخلاص؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

وهو مضاد أيضًا لمقتضيات معيار الخيرية في الأزواج الذي أقامه النبي صلى الله عليه وسلم على حسن المعاملة والتلطف والاجتهاد في المعاشرة بالمعروف، وتجنب كل ما يتضمن إساءة أو أذية لأي فرد في الأسرة خاصة الزوجة؛ سواء على الجانب المعنوي أو البدني، وسواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي» "سنن الترمذي".

كما جعل الشرع الشريف المرأة أحق بالرحمة من غيرها؛ لاحتياجها في كثير من الأحيان إلى الرقة واللطافة ومراعاة المشاعر؛ ولذلك قال لأنجشة وهو يحدو: «ويحكَ يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ» متفق عليه.

أما ما ورد من ذكر ضرب النساء في القرآن الكريم فهو في موضع واحد في قوله تعالى: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: 34]، وقد ورد على سبيل الاستيعاب لكل الحالات التي تحتاج إلى تنوع في العلاج وبدائل مختلفة، لا على أنه فرض واجب في كل حالة، والتشريعات الناجعة هي التي تستوعب كل حالات الأفراد الداخلة في مضمونها ومشتملاتها، ومع هذا ينبغي استحضار النموذج النبوي في فهمنا لهذه الآية الكريمة، فهو لم يضرب أحدًا قط بيده صلى الله عليه وسلم؛ لا زوجًا ولا خادمًا ولا أحدًا من الناس إلا أن يكون في ميدان الحرب؛ كما وردت الرواية بذلك، والضرب الوارد في الآية إنما هو أمر رمزي يعبر عن اتخاذ موقف من مخالفة اجتماعية وقعت من المرأة في وقت ما، يأتي في مرحلة تالية حتمًا للوعظ والهجر الوارد في الآية، وإرشاده صلى الله عليه وسلم أن يكون بعود سواك يؤكد هذه الرمزية، وأرى أن المصير إلى الضرب ليس من شيم الرجال الكُمَّل، والرجولة بعيدة منه، والرمزية التي ذكرناها تشير إلى ذلك.

وبذلك فالعنف الأسرى يُهدِّد نسق الأسرة بإعاقة مسيرتها وحركتها نحو الاستقرار والأمان والشعور بالمودة والسكينة، ومن ثَمَّ تحويلها لتكون موطنًا للخوف والرعب ونشر الروح العدوانية، بل ويسهم في انتشار ثقافة غريبة في المجتمعات والبلدان الإسلاميَّة مكان قيم الرفق والسماحة في سائر المعاملات والعلاقات، فضلًا عن الأسرة ذات الطبيعة الخاصة القائمة على المعاشرة بالمعروف والمعاملة بالحسنى.

****

 

أودع الله تعالى في الإنسان فطرة طبيعية تُولِّد بين كلا نوعيه -الذكر والأنثى- مَيْلًا إلى الآخَر؛ ومن ثَمَّ كان الرباط المخصوص والميثاق الغليظ الذى ينظِّم حياتهما معًا، حتى يكون أحدهما للآخر بمنزلة جُزئِه وبعضِه المُتَمِّم لوجودِه، ومن أجل المحافظة على الإنسان واستمرار نوعه، وتوفير حواضن اجتماعية يحقق فيها حاجاته الطبيعية.


تُمثِّل الأسرةُ نواة المجتمع الإنساني الأصليَّة التي تضمن استمرارَه في الوجود، من وقت أن ظهرت في شكلها الأوَّل بين أبينا آدم وأمِّنا حواء عليهما السلام؛ كما في قوله تعالى لهما على سبيل الامتنان: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: 35].


تُعدُّ النصيحة من أفضل وسائل الإرشاد والتوجيه بين الزوجين نحو ما ينبغي فعله من أحد الطرفين تجاه الآخر، خاصةً أن الحياة الزوجية لا تخلو من التعرض للمواقف والهزات المهددة لاستقرار بناء هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ وتكامل أدوار ومسئوليات أفرادها، سواء كان ذلك نتيجة فتور التواصل والتفاعل بين الزوجين، أو قصور الأداء للأدوار والمسئوليات، أو عدم تشبع الاحتياجات بصورة ملائمة لهما.


تحتل قضية تجديد الخطاب الديني الأولوية في معالجة الحالة الدينية في الأمة في عصرها الحاضر حتى تعود إلى سيرتها الأولي، انطلاقًا من سنة الله تعالى الجارية؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» "سنن أبي داود" (ص: 291).


قرر الإسلامُ كرامة المرأة وأعلى شأن الأنثى إلى أرفع مقام، وعصم بالزواج البشريةَ من استغلال الغرائز واتِّباع الشهوات؛ لأنه عقد غليظ في حقيقة أمره ليس من مقصودِه تمتع الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل فحسب، بل المقصود منه إلى جانب ذلك المحافظةُ على الإنسان وتحقيقُ التناسل وبقاء النوع الإنساني، ويكون به الأنس والسكن الروحي والنفسي وفرح النفس وسط شدائد الحياة ومتاعبها؛ كما ورد في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 21 يونيو 2025 م
الفجر
4 :8
الشروق
5 :54
الظهر
12 : 57
العصر
4:32
المغرب
7 : 59
العشاء
9 :33