18 مايو 2022 م

حق الإنجاب وتنظيم النسل

حق الإنجاب وتنظيم النسل

خلق الله تعالى البشرية من أصل واحد وهو آدم عليه السلام، ثم أخرج منه زوجته حواء عليها السلام، ثم بثَّ منهما كل أفراد الإنسان عبر سلاسل متصلة ومتعاقبة ينتمي كل فرع إلى أصل فوقه؛ كما في قولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: 1].

والإنجاب مطلب وجُودِيٌّ لاستمرار بقاء جنس الإنسان، لذا رغب الشرع الشريف البشر في الذرية؛ لما فيها من زينة ومنافع؛ كما في قولِه تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالزواج وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: «تزوجوا الودود الولود، إني مُكاثِرٌ الأنبياء يوم القيامة» "مسند أحمد".

والمتأمل في النصوص الشرعيَّة التي تحث عموم الناس على الزواج والتكاثر يجد أنها تشترط لذلك الاستطاعة البدنية والمالية من أجل القيام بأعباء الأسرة ومسئولياتها، ومن ذلك إحسان تربية الأبناء خُلُقيًّا وبدنيًّا وثقافيًّا، مع توفر ما هم في حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية، وإلا فهو مأمورٌ شرعًا بالصبر والاستعفاف حتى تتهيأ له الظروف وتتوافر الإمكانات؛ كما في قولِه تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: 33]، بل أرشده صلى الله عليه وسلم بالمداومة على الصوم للتغلب على شهواته ودواعي طبيعته؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» "متفقٌ عليه".

 كما اتبع الزوجان -على المستوى الفردي وعبر العصور- عدة وسائل وإجراءات من شأنها تباعد مدد الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان حتى تتحسن ظروف الأسرة ومستواها المعيشي، أو للمحافظة على صحة الأم وحياتها من أضرار كثرة الحمل وتكرار الولادة والرضاع، ومن ثَمَّ يتمكنان من رعاية أبنائهما رعاية متكاملة دون مشقة أو احتياج غير كريم، وهو ما يعرف في عصرنا بـ"تنظيم النسل"، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ [البقرة: 233].

ولا يكون فاعل ذلك متدخلًا في قدر الله تعالى أو معترضًا عليه؛ لأنه من باب الأخذ بالأسباب، فقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمال الصحابة لوسائل تنظيم النسل المتاحة في عصرهم وفق معارفهم الطبية؛ حيث سأله أحد الصحابة عن شيء من هذا -كما في الصحيح-؟ فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى العَزْل؛ وهو: إخراج النطفة بعيدًا عن الرحم عند الشعور بنزولها في أثناء المعاشرة الزوجية؛ وذلك لمنع التقاء ماء الزوج بماء الزوجة، وقال صلى الله عليه وسلم: «سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»، وفيه دلالة على أنه لا تعارض بين الأخذ بالأسباب العادية وبين جريان الأقدار ووقوعها، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

هذا على المستوى الفردي، أَمَّا على مستوى الدولة فلا مانع من اتخاذها ما تراه من وسائل وتدابير لتنظيم عملية النسل وترغيب الناس فيه؛ فإنه ليس منعًا من الإنجاب مطلقًا، فالمحظور هو المنع المطلق، وهذا ليس منه، وإنما هو طلبُ الدولة الحياةَ الكريمة لشعوبها، وحرصٌ منها على الموازنة بين المواردِ وعدد السكان الذين ينتفعون بهذه الموارد، وهؤلاء يُطالِبون الحكومات بتقديم الخدمات اللازمة لهم في أمور المعيشة المختلفة، والتي تؤثر عليها بالضرورة الزيادةُ في عدد السكان.

إنَّ الإسلام لا يقصد من الإنجاب مجرد وجود نسل كثير لا قيمة له ولا وزن، إنما يريد نسلًا قويًّا صالحًا؛ عَقْلًا، وخلقًا، وروحًا، وقد ورد في كلام الصحابة رضى الله عنهم التحذير من كثرة العيال خاصة عند عدم توافر وسائل التربية الصالحة لهم.

****

 

أودع الله تعالى في الإنسان فطرة طبيعية تُولِّد بين كلا نوعيه -الذكر والأنثى- مَيْلًا إلى الآخَر؛ ومن ثَمَّ كان الرباط المخصوص والميثاق الغليظ الذى ينظِّم حياتهما معًا، حتى يكون أحدهما للآخر بمنزلة جُزئِه وبعضِه المُتَمِّم لوجودِه، ومن أجل المحافظة على الإنسان واستمرار نوعه، وتوفير حواضن اجتماعية يحقق فيها حاجاته الطبيعية.


أرشد الله تعالى كلًّا من الزوجين إلى ضرورة زيادة مساحة التفاهم والتشاور ومد جسور التواصل ودعم مسيرة التراحم والتوافق الزوجي بينهما؛ انطلاقًا من مسئولية كل واحد منهما في الأسرة التي وردت في التوجيه النبوي الشريف في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» متفقٌ عليه.


يُعَدُّ التعاون الصادق المثمر من أقوى دعائم الحياة الاجتماعية السليمة، بل إنه يحتل أولوية في المبادئ الأسرية الملحوظة في مفهوم الزواج قبل أن يكون واقعًا؛ حيث يقتضي الاجتماع الحاصل بقيام الزوجية التعاون بين الجانبين بالقدر الذي تقوم به حياتهما معًا مع الإبقاء على سعادتهما واستمرارها، فضلًا عن تقرير الحقوق والواجبات وتوزيعها.


تُعدُّ النصيحة من أفضل وسائل الإرشاد والتوجيه بين الزوجين نحو ما ينبغي فعله من أحد الطرفين تجاه الآخر، خاصةً أن الحياة الزوجية لا تخلو من التعرض للمواقف والهزات المهددة لاستقرار بناء هذه الحياة ذات الميثاق الغليظ وتكامل أدوار ومسئوليات أفرادها، سواء كان ذلك نتيجة فتور التواصل والتفاعل بين الزوجين، أو قصور الأداء للأدوار والمسئوليات، أو عدم تشبع الاحتياجات بصورة ملائمة لهما.


أقر الشرع الشريف مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة باعتباره حقًّا لهما، وحثهما على الانطلاق منه في تفاصيل حياتهما الأسرية، كما أطلق حرية كلٍّ منهما في التصرف في ماله؛ فقد جاء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ أَحَدٍ أَحَقُّ بمِاله مِن والدِه ووَلَدِه والناسِ أَجمَعِينَ» "سنن الدارقطني".


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 02 مايو 2025 م
الفجر
4 :36
الشروق
6 :11
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :58