18 مايو 2022 م

حرمة البيوت وحفظ الأسرار

حرمة البيوت وحفظ الأسرار

حفظ أسرار الزوجية له أهمية كبرى في بناء الحياة الأسرية السعيدة؛ باعتباره قيمةً أسرية شرعية واجتماعية وأخلاقية؛ لذا حظر الشرع الشريف على كلا الزوجين التحدث عنها والكشف عن مستور هذه العلاقة؛ خاصة أنها ذات طبيعة خاصة مبنية على الامتزاج والميثاق الغليظ ودوام الألفة.

ومعنى السر هو: ما يكتمه صاحبه ويحرص على إخفائه وعدم ظهوره، وقد يكون فعلًا أو قولًا أو وصفًا أو حالًا من الأحوال، وقد يكون مالًا أو مواقف، وقد يكون غير ذلك.

وتنشأ الأسرار والأمور الشخصية بين الزوجين مع بداية تكوين حياتهما الأسرية، ثم تزداد مع مرور الأوقات والمواقف التي يبوح فيها كل طرف بمكنوناته وخباياه للآخر في محبة ومودة، وهو تسليم فطري يصحبه ثقة واطمئنان في تهيئة جو السكن والحب لهذه الحياة على أقوى ما يكون من المودة والرحمة؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21].

وقد اعتبر الشرع الشريف وأقرَّ بأنَّ للأسرار حرمة، وللبيوت صيانة من عبث أهل الفضول ونكاية أهل الشر؛ حيث نهى عموم المسلمين عن التجسس وتتبع العورات، وفحص الأخبار للوقوف على الأسرار والخبايا؛ كما في قولِه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12].

وفي خصوص الزوجين شدد الشرع الشريف في منع كُلٍّ من الزوجين من إفشاء خصوصيات الحياة الأسرية؛ قطعًا لذريعة ادعاء أحدهما أن ذلك من حقه باعتبار خصوصية نفسه؛ وذلك لما فيه من إضرار للطرف الآخر، وانتهاك لحرمته وكرامته، وخيانة أمانته؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» "صحيح مسلم".

وهو إجراء ناجع، ووقاية مُبَكِّرة من حدوث أحد أسباب انتشار ظاهرة الطلاق في الوقت الراهن، وهو إفشاء الأسرار الزوجية والشئون الخاصة للأسر؛ نظرًا لما يترتب على ذلك من تداعيات كبرى؛ كتصدع العلاقة الزوجية، والسماح للأهل والأقارب بالتدخل بما قد يؤدِّي إلى وقوع الأذى، وتهديد كيان الأسرة واستقرارها وكشف أسرارها؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ في بَيْتِهِ» "سنن الترمذي"، بل أكَّد الشرع الشريف ما يجب أن يسود العلاقة الزوجية من تعامل الزوجين بالتفاهم، وحسن الظن تجاه بعضهما وعدم تتبع أسراره وما قد يصاحب ذلك من التنصُّت والتفتيش حول الخصوصيات؛ حيث عدَّ ذلك سلوكًا عدوانيًّا سيئًا؛ لتضمنه انتهاك الحرمة والخصوصية؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» "سنن أبي داود"، ومن المعلوم أنَّ الحقوق الزوجية متقابلة؛ فالرجل مطالَب بأن يكون أمينًا على بيته وأسراره، وكذلك المرأة مطالبة بأن تكون أمينة على بيتها وأسراره.

وبذلك أحاط الإسلام بنيان الأسرة بجملة من القيم الأسرية التي تضمن لها الصفاء والسكن والمحبة، وتحافظ على أسرار أفرادها وكرامتهم أمام الآخرين حتى وإن كانوا أقارب للزوجة أو الزوج؛ لأن الأمور الزوجية من شأنها أن تُطوَى ولا تُحكَى؛ ففي إشاعتها فساد عظيم، وقد جاء في المثل السائر: "البيوت أسرار".

****

جعل الله تعالى على الزوجين واجبَ رعايةِ الأسرة واستقرار الحياة الزوجية بينهما؛ وذلك من خلال شعور كليهما بالمسئولية في الواجبات والآداب اللازمة تجاه بعضهما؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، وَالْـمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» متفقٌ عليه.


يمثِّلُ الزَّواج حاجةً اجتماعيَّةً تعكس مطلوب الأفراد والمجتمعات من الحياة؛ حيث أداءُ الوظائفِ والمسئوليات المتعلِّقَة بالنَّوعِ بحسب الخصائص والطَّبيعة، وكذلك الوظائف الشَّرعية؛ لكونها محلًّا تتعلق به التكاليف والأحكام الضابطة لأفعال المكلَّف وتصرفاتِه، والناظمة لسائر العلاقات والدوائر المحيطة بالإنسان.


تُعَدُّ الأسرة النواة الأصيلة للمجتمع، ومن خلالها تنمو المواهب الصالحة والمهارات النافعة؛ فهي الخلية الحية في بنائه وكيانه، ودورها في تربية أفرادها لا يقتصر على الرعاية المادية وتوفير الاحتياجات الجسدية فقط، بل هي المدرسة الأولى التي يتشرب منها الفرد خصائصه الأولى، ويتأثر بمبادئها وسلوكياتها العمليَّة وينطبع بطابعها وسماتها.


غرس الشرع الشريف جذورًا إنسانية وشرعيَّة جعلت للأمومة خاصة وللمرأة عامة عند المسلمين معنًى رفيعًا له دلالته السامية في تراثهم الديني وموروثهم الحضاري والثقافي؛ فالأم لبنة قوية في الصلات العائلية الـمُكَوِّنة لأصل نظام الاجتماع البشري عبر العصور.


تتشابك الجذور الإنسانية والشرعية في جعل الوالديْن في مكانة عالية ودرجة رفيعة داخل الأسرة، فلا يوجد نظام اجتماعي عبر التاريخ غير متمسك بسريان الصلة بين الأبناء ووالديهما؛ فالعلاقة بينهما قائمة على الإنسانية المحْضة باعتبار الوالدَيْن مظهرًا كونيًّا تجلت فيه صفة الإيجاد والخلق للأبناء، والأولاد أيضًا زينة حياة الوالدين ومظهر كمالها واستقرارها؛ كما في قولِه تعالى: ﴿الْمَالُ والبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 08 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :42
الشروق
6 :18
الظهر
1 : 1
العصر
4:37
المغرب
7 : 43
العشاء
9 :8