عندي بستان نخل. هل يجوز لي أن أبيع ثمار البستان قبل طلوعها إذا قام المشتري في هذا العام الذي سيشتري فيه بتطريح النخل والعناية به؟

بيع ثمر النخل قبل نضجه

المعاملة بالصورة المذكورة لا تصح بيعًا؛ لما ورد في الشريعة من النهي عن بيع الثمرة قبل بدوِّ صلاحها. ويمكن تصحيح المعاملة بأن تكون إجارةً للأرض، أو مساقاةً، أو سَلَمًا.
فالإجارةُ: أن يؤجر المزارعُ البُسْتانَ للمشتري مدةً معينةً بأجرٍ معلومٍ، والْمُسَاقاةُ: أن يدفع الشجر لمن يتعهده بسقيه حتى ينضج نظير جزءٍ من الثمر، والسَّلَمُ: أن يدفع المشتري إلى صاحب البستان ثمنًا معلومًا مقابل مقدار معيَّنٍ من الثمر بأوصافٍ محددةٍ بعد مدةٍ معلومةٍ.
مثل هذا لا يصح بيعًا؛ لأن الشرع قد نهى عن بيع الثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها، ولكن لنا عدة حلول في هذا الأمر يمكن أن يصحح بها هذه المعاملة، فلكم اختيار الأنسب لكم بحسب الظروف والأحوال:
1- أن يصحح الأمر على وجه استئجار الشجر؛ فيُؤَجِّرُ المزارعُ أرضَه التي فيها النخلُ للتاجر مدة معيَّنة بأجرة معلومة؛ فيأخذها التاجر كما هي في الوقت الذي يتفق عليه مع المزارع لمدة معلومة، ويتكفَّل بكل شيء فيها، ولا علاقة للمُزَارِع صاحب الأرض بأي شيء يحصل في الثمرة خلال هذه المدة.
والقول بصحة استئجار الشجر هو مذهب حرب الكرماني وأبي الوفاء بن عقيل من الحنابلة واختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية؛ محتجين بما رواه سعيد بن منصور ورواه عنه حرب الكرماني في مسائله، قال: حدثنا عَبَّاد بن عَبَّاد، عن هشام بن عُروة، عن أبيه: "أن أُسَيد بن حُضَير توفِّيَ وعليه ستة آلاف درهم، فدعا عمر بغُرَمَائه، فقَبَّلَهم أرضَه سنين وفيها النخل والشجر"، وذلك يجري مجرى إجارة الأرض للزرع والمرضعة للرضاع وغير ذلك.
وإنما جازت الإجارة هنا مع أنها إنما تكون في مقابلة المنفعة لأن الفائدة التي تُستَخلَفُ مع بقاء أصلها -كثمر الشجر ولبن المرضع وصوف البهائم- تجري مجرى المنفعة -وإن كانت هذه الفائدة عينًا- من جهة أنها لا تفوت بالاستهلاك، بل هي متجددة بخلق الله تعالى لها.
2- ويمكن أن يصحح الأمر شرعًا إذا جعل العقد بينه وبين صاحب المزرعة مساقاة، وهي: دفع شجر لمن يقوم بسقيه وتعهده حتى يبلغ تمام نضجه نظير جزء معلوم من ثمره، وهو عقد جائز عند جمهور الفقهاء، وأجازه جمهور الفقهاء استدلالًا بهذا الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما، وخالف أبو حنيفة فلم يجزه، واستدل بما روى مسلم عن رافع بن خديج قال: "وَطَوَاعِيَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا، نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالْأَرْضِ فَنُكْرِيَهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى، وَأَمَرَ رَبَّ الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا، أَوْ يُزْرِعَهَا، وَكَرِهَ كِرَاءَهَا وَمَا سِوَى ذَلِكَ". أخرجه مسلم (3 / 1181)، وفي رواية: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلَا يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلَا بِرُبُعٍ وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى» رواه أبو داود (3 / 689).
3- ويمكن أيضًا أن يصحح هذا الأمر إذا رجعت خدمة المزرعة إلى صاحبها وجعل العقد بينه وبين المشتري سَلَمًا، وبيع السلم هو: بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلم أو السلف، ويكون سَلَمًا أيضًا بلفظ البيع إذا بيَّن المتعاقدان إرادة السَّلَم وتحققت شروطه، وذلك بأن يسلم المشتري إلى البائع صاحب المزرعة ثمنًا معلومًا مقابل أن يسلم له البائع بعد مدة معلومة وزنًا أو كيلًا معلومًا من زرع معين أو ثمرة بأوصاف محددة؛ سواء حصلها من بستانه أو من غيره.
وبناءً على ما سبق: فإنه يجوز لأصحاب النخيل وغيرها من الشجر أن يأخذوا برأي من قال بتأجير النخيل قبل التأبير أو بعده، في مدة معلومة مقابل أجر معلوم، ولا يكون ذلك من باب نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمرة قبل بدوِّ صلاحها على هذا المذهب.
أو برأي من قال بدفع شجر لمن يقوم بسقيه وتعهده حتى يبلغ تمام نضجه نظير جزء معلوم من ثمره، وهو عقد جائز عند جمهور الفقهاء.
أو برأي من قال بأن يسلم المشتري إلى البائع صاحب المزرعة ثمنًا معلومًا، مقابل أن يسلم له البائع بعد مدة معلومة وزنًا أو كيلًا معلومًا من زرع معين أو ثمرة بأوصاف محددة؛ سواء حصلها من بستانه أو من غيره.
والله سبحانه وتعالى أعلم.