إن الشريعة الإسلامية اهتمت بشرف المرأة المسلمة أيَّما اهتمام، وحرصت كل الحرص على المحافظة على عرضها ورفع كيانها عن المهانة والابتذال وتعرضها لما يشين سمعتها ويهدم كرامتها؛ وذلك دفعًا للفتنة وقالة السوء، فحرَّمت عليها الاختلاء بأجنبي غير محرَم لها والاختلاط به ما دام لم يوجد معهما محرَمٌ لها، كما حرمت عليها أن تبدي له زينتها وأن تظهر مفاتنها ومحاسنها أمامه؛ لأنه لا يجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، فالعينان تزنيان، والنظر سهم مسموم من سهام إبليس.
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].
وقال تعالى: ﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: 32]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: 53]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].
وجاء في صحيح مسلمٍ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ»، والحمو هو: أحد أقارب الزوج أو أقارب الزوجة من غير المحارم.
وروى مسلمٌ أيضًا أن نفرًا دخلوا على أسماء بنت عميس رضي الله عنها، فدخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهي تحته يومئذٍ، فرآهم فَكَرِه ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: لم أرَ إلا خيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ»، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوِ اثْنَانِ»، والمغيبة: هي التي غاب زوجها عن المنزل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته يوم حجة الوداع: «أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» رواه الترمذي.
هذا، وحديث الإفك الذي اتُّهمت فيه السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها بمجرد انفرادها برجل غير ذي رحم لها وتأخرهما عن القافلة ليس ببعيد عن الأذهان، وزوجها خير البشرية حضرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لم يَرَ نفي التهمة عنها التي شاعت في جزيرة العرب حتى إنه لم يذكر اسمها على لسانه طول مدة هذه المحنة، وكان حين يسأل عنها وهي مريضة في بيت أبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه يقول: «كَيْفَ تِيكُمْ؟» متفق عليه، حتى أنزل الله الوحي ببراءتها.
فالمحافظة على عفاف المرأة المسلمة وعرضها وشرفها من الأمور التي حرصت الشريعة الإسلامية على صيانتها الأمر الذي يتجلَّى واضحًا من النصوص المذكورة وغيرها في هذا الباب كثير.
ومن هذا كله يتبين: أن السيدة المسؤول عن أمرها مخطئة كل الخطأ في تصرفها المذكور، ولا يباح لها هذا العمل شرعًا، ولزوجها الحق في أن يمنعها من هذا التصرف. ومنه يعلم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.