ما هو حكم إخراج الزكاة مُبكِّرًا عن وقت وجوبها بأكثر من سنتين؟ وهل هناك خلافٌ بين العلماء في ذلك؟ وما الحكمة في منع ذلك إن كان هناك منع؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز تعجيل الزكاة قبل ميعاد وجوبها؛ لِمَا ورد: "أن العبَّاس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك" رواه أحمد وغيره.
ثم اختلفوا في عدد السنوات التي يجوز تقديم إخراج الزكاة عنها، والاقتصار على سنتين هو الأوفق بانضباط الموارد المالية السنوية للفقراء، ولكن لا مانع من الأخذ بقول القائلين بجواز تعجيل الزكاة لسنتين فأكثر عند وجود الحاجة العامة أو الخاصة إلى ذلك.
ذهب جمهور الفقهاء -ومنهم الحنفيَّة والشّافعيَّة والحنابلة وأبو عبيدٍ وإسحاق- إلى أنَّه يجوز للمزكِّي تعجيل إخراج زكاة ماله قبل ميعاد وجوبها؛ لِمَا رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن -عدا النسائي- والدارقطني، والحاكم وصححه، والبيهقي، من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "أنَّ العبَّاس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له في ذلك".
قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/ 261، ط. دار الكتب العلمية): [ويعضِّده حديث أبي البختري عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « إنَّا كُنَّا احْتَجْنَا فَاسْتَسْلَفْنَا الْعَبَّاسَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ» رجاله ثقات إلا أنَّ فيه انقطاعًا، وفي بعض ألفاظه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر رضي الله عنه: «إنَّا كنَّا تعجَّلنا صدقة مال العباس عام أول» رواه أبو داود الطيالسي من حديث أبي رافع رضي الله عنه] اهـ.
قال الإمام الترمذي في "سننه" (3/ 54، ط. الحلبي): [وقال أكثر أهل العلم: إن عجَّلَها قبل محلها أجزأت عنه، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق] اهـ.
وتوسَّع الحنفيَّة فأجازوا للمزكِّي المالك نصابًا واحدًا أن يعجِّل زكاة نُصُبٍ كثيرةٍ؛ لأنَّ اللاحق تابع للحاصل، حتى قالوا: لو كان له ثلاثمائة درهم، فدفع منها مائة درهم عن المائتين زكاةً لعشرين سنة مستقبلة جاز.
إلا أنَّ الشَّافعيَّة في الأصح عندهم قالوا: يجوز التَّعجيل لعامٍ واحدٍ ولا يجوز لعامين؛ لأنَّ زكاة العام الثَّاني لم ينعقد حَوْلُها، واشترطوا لجواز ذلك أن يكون النِّصاب موجودًا، فلا يجوز تعجيل الزَّكاة قبل وجود النِّصاب بغير خلافٍ؛ وذلك لأن النِّصاب سبب وجوب الزَّكاة، والحول شرطها، ولا يقدَّم الواجب قبل سببه، ويجوز تقديمه قبل شرطه؛ كإخراج كفَّارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفَّارة القتل بعد الجرح وقبل الزُّهوق.
وقال الحنابلة: إن ملك نصابًا فقدَّم زكاته وزكاة ما قد يستفيده بعد ذلك فلا يجزئه عندهم. وقال الحنفيَّة -وهو المعتمد عند الشَّافعيَّة: إن قدَّم زكاته وزكاة ما قد ينتج منه أو يربحه منه، أجزأه لأنَّه تابع لما هو مالكه الآن.
وذهب المالكيَّة إلى أنَّه إِنْ أخرج زكاة الثِّمار أو الزُّروع قبل الوجوب -بأن دفع الزَّكاة من غيرها- لم يصحَّ ولم تُجزئ عنه. وكذا لا تجزئ زكاة الماشية إن قدَّمها وكان هناك ساعٍ يأتي لقبضها فأخرجها قبل قدومه، أمَّا زكاة العين والماشية التي ليس لها ساعٍ فيجوز تقديمها في حدود شهرٍ واحدٍ لا أكثر، وهذا على سبيل الرُّخصة، وهو مع ذلك مكروه، والأصل عدم الإجزاء؛ لأنَّها عبادة موقوتة بالحَوْل.
وقد ذهب كثيرٌ من متقدِّمي الشافعية إلى أنَّه يصح التعجيل لعامين فأكثر إذا كان الباقي من المال بعد المُعجَّل نِصابًا فأكثر، وهو مقابلُ الأصح عند متأخريهم.
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (6/ 146-147، ط. دار الفكر): [ولو عجَّل صدقة عامين بعد انعقاد الحَوْل أو أكثر من عامين فوجهان ذكرهما المصنِّف بدليلهما وهما مشهوران؛ أحدهما: يجوز للحديث. والثاني: لا يجوز. وأجاب البغوي والأصحاب عن الحديث بأن المراد: تسلف دفعتين، في كل دفعة صدقة عام أو سنة، واختلفوا في الأصح من هذين الوجهين: فصحَّحت طائفةٌ الجواز، وهو قول أبي إسحاق المروزي، وممن صححه: البندنيجي، والغزالي في "الوسيط"، والجرجاني، والشاشي، والعبدري. وصحَّح البغوي وآخرون المنع، قال الرافعي: صحَّح الأكثرون المنع، فإذا قلنا بالجواز فاتفق أصحابنا على أنه لا فرق بين عامين وأكثر؛ حتى لو عجَّل عشرة أعوام أو أكثر جاز على هذا الوجه، بشرط أن يبقى بعد المعجَّل نصابٌ، فلو كان له خمسون شاة فعجل عشرًا منها لعشر سنين جاز، فلو نقص المالُ بالتعجيل عن النصاب في الحول الثاني لم يجز التعجيلُ لغير العام الأول وجهًا واحدًا، هكذا قاله الجمهور؛ لأن الحول الثاني لا ينعقد على نصاب، وحكى البغوي والسرخسي وجهًا شاذًّا: أنه يجوز؛ لأن المعجَّل كالباقي على ملكه] اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (3/ 354، ط. المكتبة التجارية): [(ولا تُعجَّل لعامين) فأكثر (في الأصح) وإن نازع فيه الإسنوي وأطال] اهـ.
قال الشرواني في "حاشيته" عليه: [(قوله: وإن نازع فيه الإسنوي... إلخ) أي بأن العراقيين وجمهور الخراسانيين إلا البغوي على الإجزاء، ونقله ابن الرفعة وغيره عن النص، وأن الرافعي قد حصل له في ذلك انعكاس في النقل حالة التصنيف، قال -أي الإسنوي-: ولم أظفر بأحد صحح المنع إلا البغوي بعد الفحص الشديد. انتهى، وتبعه على ذلك جماعة. "أسنى". زاد "النهاية": ويُرَدُّ بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ] اهـ.
وهذا الذي ذكره الإمام الإسنوي ظاهرٌ لمن تأمل عبارات متقدمي الشافعية: يقول الإمام الماوردي في "الحاوي الكبير" (3/ 160، ط. دار الكتب العلمية): [فإن قيل: فتعجيل زكاة عامين عندكم لا يجوز. قلنا: فيه لأصحابنا وجهان؛ أحدهما: وهو الأظهر جواز تعجيلها أعوامًا إذا بقي بعد المعجَّل نصابٌ؛ استدلالًا بظاهر هذه الأخبار. والثاني: لا يجوز تعجيل أكثر من عامٍ واحدٍ] اهـ.
وقال حجة الإسلام الغزالي في "الوسيط" (2/ 446-447، ط. دار السلام): [ويجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، خلافًا لمالك؛ لِما رُوي أن العباس رضي الله عنه استسلف منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة عامين، ولا يجوز تعجيله قبل كمال النصاب، ولا قبل السوم؛ لأن الحول في حكم أجل ومهلة، فلذلك عجَّل عليه، ولو ملكه مائة وعشرين شاة وَاجِبُهُ شاة، وهو يرتقب حدوث سخلة في آخر السنة فعجل شاتين، ففي تعجيل شاتين وجهان مرتبان على الوجهين في تعجيل صدقة عامين، والصحيح بحكم الخبر جوازُه، ووجه المنع: أن النصاب كالمعدوم في حق الحول الثاني، ومسألة السخلة بالجواز أَوْلَى؛ لأن الحول منعقد في حق الشاة الثانية] اهـ.
قال الإمام ابن الصلاح في "شرح مشكل الوسيط" المطبوع بهامشه (3/ 85، ط. دار كنوز إشبيليا): [هو كما قال، ويشكل على وجه المنع الجواب عن الخبر] اهـ.
هذا طرفٌ من اختلاف العلماء في مسألة تعجيل الزكاة، وإنما جاءت الفتوى السابقة بالاقتصار على سنتين وقوفًا مع النص الوارد، وتوسطًا بين القول بالجواز المطلق عند الحنفية ومقابل الأصح عند الشافعية وبين الجواز بمقدار سنةٍ واحدةٍ كما هو الأصح عند الشافعية، وأن هذا القول بالتوسط هو الأوفق بانضباط الموارد المالية السنوية للفقراء، لكن لا مانع من الأخذ بقول الحنفية ومتقدمي الشافعية في تعجيل الزكاة لسنتين فأكثر عند وجود الحاجة العامة أو الخاصة إلى ذلك، كنقص موارد الزكاة في سنة بعينها، أو عدم كفاية مقدار زكاة المزكِّي لسدِّ حاجة فقيرٍ محتاجٍ، وغير ذلك مما تقتضيه المنفعة العامة أو الخاصة، وذلك بشرط أن يكون الباقي بعد المعجَّل بالغًا للنصاب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجب إخراج زكاة المال وزكاة الفطر من المال المدَّخَر للزواج؟
سائل يقول: انهدم سقف عدد من البيوت في إحدى القرى بسبب الأمطار، ولا يستطيع ساكنوها إصلاحها بسبب ضيق عيشهم، فهل يجوز لي ولغيري المشاركة في إصلاحها من مال الزكاة؛ وقاية لهم من البرد والحر؟
هل يجوز صرف أموال الزكاة في تعليم وتدريب وتأهيل ذوي الهمم من المكفوفين وضعاف البصر؟
ما حكم إعطاء الزكاة لذوي الهمم؟ وهل يجوز صرف الزكاة إلى الطفل أو الشاب المعاق من ذوي الهمم أو أنهما يُعطَيان من الصدقة لا من الزكاة الواجبة؟
ما حكم الزكاة على المال المدخر وصرفها للإخوة؟ فأنا رجل لا أعمل وغير قادر على الكسب، وادخرت مبلغًا من المال أودعته في دفتر توفير؛ لأتعيش من أرباحه، وهذه الأرباح تكاد لا تفي بمتطلباتي وعلاجي. فهل عليَّ في هذا المال زكاة؟ وهل يجوز صرفها لإخوتي؟ وهل يجوز للأم أن تصرف زكاة مالها لأولادها البالغين المستقلين بأسرهم عنها؟
ما حكم إعطاء الزوج الفقير من الزكاة دون إخباره بذلك؛ فأنا أحيط فضيلتكم علمًا بأنني زوجة لموظف بدرجة مدير عام، وعندي ثلاثة أولاد في الكلية والثانوية العامة والمرحلة الابتدائية، وجميعهم يأخذون دروسًا خصوصية بمبالغ باهظة، بالإضافة إلى أن الابن الذي في الكلية مغترب، وله سكن خاص بالإضافة إلى مصاريف الكلية ومعيشته في الغربة، كل هذه التكاليف الضرورية تجعل دخل زوجي سواء كان مرتبًا أو مكافأة لا تكفي لهذه الاحتياجات الضرورية لتربية الأولاد، وليس لزوجي أي ممتلكات، أما أنا فأملك مبلغًا من المال قدره 100,000 أودعته بدفتر توفير في البنك، وأحصل منه على أرباح لأشتري منها مطالبي الخاصة. وسؤالي هو: هل يحق لي أن أوجه زكاة المال الخاصة بي للصرف منها على سد العجز الموجود بميزانية زوجي؟ علمًا بأنه في حالة الموافقة سأقوم بالصرف بمعرفتي دون أن أُعْلِم زوجي أنها زكاة مالي منعًا لإحراجه، وأيضًا في حالة عدم الموافقة سأكون مضطرة للصرف من مالي الخاص لسد العجز المذكور في ميزانية زوجي الذي لا يملك إلا مرتبه فقط.