حكم العمليات التفجيرية في بلاد المسلمين وغير المسلمين

حكم العمليات التفجيرية في بلاد المسلمين وغير المسلمين

شاهدنا وسمعنا في وسائل الإعلام عن العمليات التفجيرية التي حدثت في باكستان مؤخرًا، كما حصل في لندن وفي مدريد من قبل، وقد نسبت هذه العمليات لبعض الجماعات المنتسبة للإسلام، وصرح بعض مؤيدي هذه العمليات بمشروعيتها، وذلك بالرغم من أنها استهدفت مدنيين عُزَّلًا، فما حكم هذه الأعمال المذكورة؟
وهل يختلف حكمها في بلاد الغربيين عن حكمها في بلاد المسلمين؟

العمليات التفجيرية المسئول عنها -سواء ما حصل منها في بلاد المسلمين أو غير المسلمين- حرامٌ شرعًا، وفيها مخالفة للشريعة الإسلامية التي أمرت بحفظ النفس والمال وعظَّمت حرمة الإنسان نفسًا ودمًا؛ فقال سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
وهي أيضًا من الغدر ونقضِ العهد؛ لأنها تنافي عهد الأمان الذي بين المسلمين وغير المسلمين سواء في ديارهم أو في ديار المسلمين، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].
كما أن فيها قتلًا للغافلين، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَفْتِكُ الْمُؤْمِنُ، الْإِيمَانُ قَيْدُ الْفَتْكِ» رواه الحاكم في "المستدرك".
هذا بالإضافة إلى ما تجُرُّهُ من ويلاتٍ ومفاسد على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ فتُستعمل ذريعة للتدخل في شئونهم والتسلط عليهم وانتهاب خيراتهم بحجة ملاحقة الإرهاب أو غير ذلك من الحجج الواهية، وتؤكد لغير المسلمين الاتهامات الباطلة التي يروِّجها أعداء المسلمين لإظهار دين الإسلام على أنه همجي دموي غايته قهر الشعوب والفساد في الأرض، بما يترتب عليه تعريض المسلمين في بعض البلدان الأجنبية للاضطهاد والإيذاء، فهي في الحقيقة من الصدِّ عن سبيل الله ولا علاقة لها بالإسلام.

التفاصيل ....

المحتويات

 

العمليات التفجيرية

العمليات التفجيرية المسئول عنها التي حدثت مؤخرًا صنفان: صنف حصل في بلاد غير المسلمين؛ كلندن ومدريد، وصنف حصل في بلاد إسلامية؛ كباكستان والسعودية ومصر والمغرب وغيرها، وهذان الصنفان لا شك في حرمتهما شرعًا.

حرمة التفجيرات التي تمَّت في البلاد الإسلامية 

التفجيرات التي تمَّت في البلاد الإسلامية فحرمتها ظاهرة لأمور:
أولًا: مخالفتها للنصوص الشرعية:
ومخالفة هذه التفجيرات للنصوص الشرعية من أوجه؛ منها أنها أدَّت إلى قتل المواطنين المسلمين الأبرياء، وهؤلاء الناس من ذوي النفوس المعصومة، وقد عظَّم الشرع الشريف دمَ المسلم ورهَّب ترهيبًا شديدًا من إراقته أو المساس به بلا حقٍّ؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93]، وقال سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
روى النسائي في "سننه" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَزَوَالُ الدُّنيَا أهْونُ عِندَ اللهِ مِن قَتْلِ رجُلٍ مُسْلِمٍ»، وروى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا».
ومنها أنها استهدفت قتلَ وإذايةَ بعض الأجانب عن البلاد الموجودين فيها، وهذا فيه ما فيه من الغدر ونقضِ العهد؛ فمن دخل بلاد المسلمين من غير المسلمين بطريقٍ قانونيٍّ شرعيٍّ فهو مستأمَن يجب على المسلمين صيانة دمه وماله وعرضه.

والأمان عقد من العقود وعهد من العهود، وكل مساس بدم المؤمن أو ماله أو عِرضه يعتبر نكثًا لهذا العهد ونقضًا لذلك العقد، وهو الأمر الذي نهت عنه النصوص وأمرت بخلافه؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وروى البخاري في "صحيحه" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أرْبَعٌ مَن كُنَّ فيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانت فِيهِ خَصْلةٌ منْهُنَّ كانَت فِيهِ خَصْلَةٌ مِن النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا؛ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإِذَا عَاهَدَ غَدَر، وإذا خَاصَمَ فَجَرَ»، وروى ابن ماجه عن عمرو بن الحَمِق الخزاعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَمِنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ لِوَاءَ غَدْرٍ يَوْمَ القِيامَةِ»، وفي رواية البيهقي والطيالسي في "مسنده": «إذا أمن الرجلُ الرجلَ على نفسه ثم قتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا».
وروى البخاري عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ الله مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ»؛ أي عهدهم. وقوله: «يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ»؛ أي يتولَّى ذمَّتهم أقلُّهم عددًا، فإذا أعطى أحد المسلمين عهدًا لم يكن لأحد نقضه، فما بالنا بولي الأمر؟ وقوله: «مَنْ أَخْفَرَ»؛ أي نقض العهد. وقوله: «صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ»؛ أي لا فرضًا ولا نفلًا، والمعنى: لا يقبل الله تعالى منه شيئًا من عمله.
ومنها ما في ذلك من قتل الغافلين، وقد روى أبو داود والحاكم في "المستدرك" واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَفْتِكُ الْمُؤْمِنُ، الْإِيمَانُ قَيْدُ الْفَتْكِ».
قَالَ ابن الأثير فِي «النِّهَايَة»: [الْفَتْك أَنْ يَأْتِي الرَّجُل صَاحِبه وَهُوَ غَارٌّ غَافِل فَيَشُد عَلَيْهِ فَيَقْتُلهُ. ومعنى الحديث أن الإيمان يمنع عن الفتك كما يمنع القيد عن التصرف، وقوله عليه الصلاة والسلام: «لَا يَفْتِكُ الْمُؤْمِنُ» هو خبر بمعنى النهي؛ لأنه متضمن للمكر والخديعة، أو هو نهي] اهـ.
ولما عرف المسلمون الأوائل هذه المعاني السامية وانقادوا لها ضربوا أروع الأمثلة في التاريخ؛ من ذلك قصة خبيب الأنصاري رضي الله عنه التي رواها البخاري في "صحيحه"، وفيها أنه وقع أسيرًا لدى المشركين هو وابن دثنة ثم بِيع بمكةَ فابتاع خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرًا. وفي يوم استعار خبيب موسى من بنت الحارث ليستحدَّ بها، فأعارته، فأخذ ابنًا لها وهي غافلة، فلما جاءته وجدته مُجْلِسَه على فَخِذه والموسى بيده ففزعت فزعة، فقال لها خبيب: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. قالت بنت الحارث: والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب... إلخ الحديث.
فهذا رجل مسلم أسير لدى أعدائه الذين يدبرون لقتله وهو على شفير الموت، ورغم ذلك عندما تحين له فرصة يمكنه أن يدمي قلوبهم فيها بقتل ابنهم يعفُّ عن ذلك؛ لأن خلق المسلم لا يتضمن الخداع ومباغتة الغافلين.
ثانيًا: مخالفتها للمقاصد الشرعية:

فالشرع الشريف جاء وأكَّد على وجوب المحافظة على خمسة أشياء أجمعت كل الملل على وجوب المحافظة عليها، وهي: الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال، وهي ما تسمى بالمقاصد الشرعية الخمسة.
ومن الجليِّ أن التفجيرات المسئول عنها تَكِرُّ على بعض هذه المقاصد الواجب صيانتها بالبطلان، منها مقصد حفظ النفوس، فالمقتول إن كان هو الانتحاري القائم بعملية التفجير الذي يُقحم نفسه في الموت إقحامًا بتلغيم نفسه أو نحو ذلك فهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو عوانة في "مستخرجه" من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وروى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
وبَوَّب الإمام النووي على هذا الحديث بابًا في "شرحه لصحيح مسلم"؛ فقال: (باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وأن مَن قتل نفسه بشيء عذِّب به في النار).
وإن كان غيره؛ فإن كان المقتول مسلمًا فقتله عمدًا وعدوانًا كبيرة ليس بعد الكفر أعظم منها، وفي قبول توبته وعدمه خلاف بين الصحابة ومن بعدهم. وإن كان غير مسلم فإن كان في بلادنا فهو مستأمَن، وإن كان في بلاده فهو مواطن غافل لا جريرة له، وفي جميع الأحوال فإن نفوس هؤلاء مصونةٌ يحرم التعدِّي عليها ويجب صيانتها.
وكذلك تكرُّ هذه التفجيرات بالبطلان أيضًا على مقصد حفظ الأموال، فلا يخفى ما ينتج عنها من إتلاف للأموال والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة، وإتلاف المال وإضاعته مما جاء الشرع بتحريمه، وتزداد الحرمة وتتضاعف إذا كان هذا المال المتلَف ليس مملوكًا للمتلِف بل هو مملوك لغيره كما هو الحال هنا، فتتعلق الحرمة بمخالفة نهي الشرع من جهة وبحقوق المخلوقين من جهة أخرى.
ثالثًا: ما يلزم عنها من مضار ومفاسد:

فمدار الشريعة المطهرة على جلب المصالح وتكميلها ودرء المفاسد وتعطيلها، ولا يخفى على كل ذي لُبٍّ ما تجُرُّهُ هذه الأعمال التخريبية من مفاسد على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ منها أنها تُستعمل كَتُكَأة وذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد الإسلامية والتسلُّط عليها واستغلال خيراتها وانتهاب مواردها بحجة ملاحقة الإرهاب، أو المحافظة على المصالح الاقتصادية أو تحرير الشعوب، فمن أعان هؤلاء على تحقيق مقصدهم وبلوغ مأربهم بأفعاله الخرقاء، فقد فتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغرًا، وأعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم، وهذا من أعظم الإجرام.

ومن المفاسد العظيمة أن هذه الأفاعيل الخسيسة تؤكد لغير المسلمين الشائعات والاتهامات الباطلة التي يُلصقها أعداء المسلمين بدين الإسلام من أنه دين همجي دموي غايته قهر الشعوب والفساد في الأرض، وهذا كله من الصدِّ عن الله وعن دين الله.
ومن المفاسد العظيمة أيضًا: ما يترتب على ذلك من تعريض المسلمين الموجودين في بعض البلدان الأجنبية للاضطهاد والتنكيل من قِبل المتعصبين وهم كُثُر، فيتعرضون للإيذاء الشديد في أنفسهم وذويهم وأموالهم وأعراضهم، وقد يضطر بعضهم إلى الإسرار بدينه أو التخلِّي عن بعض الشعائر والفرائض.
كل هذا بسبب أعمال خرقاء غير مسئولة قام بها طُغمة من المغفلين أو المستغفلين ظانِّين أنهم بأفعالهم هذه يحققون مصالح إسلامية، وهم في الحقيقة يعملون لمصلحة الشيطان. وقد نصَّ العلماء أنه لو تعارضت المصلحة مع المفسدة فإن "دفع المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة"، وكلام علمائنا هذا في المصالح المحققة فكيف إذا كانت المصلحة متوهمة أو معدومة؟

الرد على دعوى أن الأعمال التفجيرية من باب الجهاد

ما يقوله هؤلاء الأغرار من أن هذه الأعمال من باب الجهاد والنكاية في العدو وقد يسميها بعضهم بالغزوات، فهو محض جهل ومغالطة، فالجهاد المشروع في الإسلام هو ما كان تحت راية وبإذن الإمام، وإلا لآل الأمر للفوضى وإلى إراقة بِرَك الدماء بغير حق بحجة الجهاد. والجهاد في الإسلام إنما هو لتحقيق غايتين اثنتين:

الأولى: الدفاع عن المسلمين؛ قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190].

الثانية: الدفاع عن حرية الناس في الإيمان بالإسلام أو البقاء على ما هم عليه، وهذه هي الفتنة التي أُمرنا أن نقاتل حتَّى نرفعها عن الناس ليختاروا دينهم بحرية كاملة، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 193].

ومن الواضح أنَّ الجهاد لتحقيق هاتين الغايتين لا يكون إلا ضدَّ عدوٍّ خارجي.

أما استعمال القتل والترويع وتدمير الممتلكات والأموال داخل المجتمع المسلم، كما هو الحال في الأعمال التفجيرية في بلاد المسلمين فيسمى عند الفقهاء بـالحرابة.
والحرابة إفساد في الأرض وفساد، والمتلبس بها يستحق عقوبة أقسى من عقوبات القاتل والسارق والزاني؛ لأنَّ جريمته منهج يتحرك فيه صاحبه ضدَّ المجتمع؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].

حرمة التفجيرات التي تمَّت في البلاد الغربية

 التفجيرات التي تمَّت في البلاد الغربية فإنها كذلك لا تجوز حتى لو كنا في حالة حرب حقيقية معهم، فالمعاني التي سبق ذكرها من مخالفة النصوص والمقاصد الشرعية ولزوم المفاسد موجودة فيها ومتحققة أيضًا، بل إنه لا يجوز حتى أثناء قيام الحرب الفعلية قتل النساء غير المقاتلات والأطفال والشيوخ العجزة والعسفاء -وهم الأُجَرَاء- الذين يعملون في غير شئون القتال؛ قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]، وقد نقل الإمام الطاهر بن عاشور في "تفسيره" عن ابن عباس رضي الله عنهما وعمر بن عبد العزيز ومجاهد أن هذه الآية محكمة لم تنسخ؛ قال: [لأن المراد بالذين يقاتلونكم الذين هم متهيئون لقتالكم؛ أي لا تقاتِلوا الشيوخ والنساء والصبيان] اهـ.
وروى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث أميرًا على جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، فقال: «اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ وَفِى سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تُمَثِّلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا».
وروى أحمد في "مسنده" عن المرقع بن صيفي عن جده رباح بن الربيع أخي حنظلة الكاتب رضي الله عنهما، أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد رضي الله عنه، فمر رباح رضي الله عنه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها ويتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ»، فَقَالَ لأَحَدِهِم: «الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ: لاَ تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلاَ عَسِيفًا».
وقال الإمام النووي في "شرح مسلم": [أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا] اهـ.

وإذا اعتبرنا أن العلة في القتال هي المحاربة فإن كل من لا يقاتل فإنه يلحق بما ورد ذكره في النصوص الشرعية؛ كالأعمى والمريض المزمن والمَعْتُوه والفلَّاح وأمثالهم، وهؤلاء هم ما يُسَمون في المصطلح المعاصر بـالمدنيين فلا يجوز إذايتهم وإتلاف أموالهم فضلًا عن قتلهم، فقتل المدنيين من الكبائر.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا