حكم عرض الحوار الإشاري للنبي ﷺ بالرسوم التوضيحية

حكم عرض الحوار الإشاري للنبي ﷺ بالرسوم التوضيحية

ما حكم عرض الحوار الإشاري للنبي ﷺ بالرسوم التوضيحية؟ إذ إن جمعية خيرية للصم بصدد طباعة ونشر وتوزيع كتاب عن الإعجاز في الحوار الإشاري للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا المؤلف حاصل على موافقة الطبع من الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومرفق صورة منه.
وحتى يحقق هذا البحث الهدف المرجو منه متمثلًا في عرض الحوار الإشاري للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن الإمر يحتاج إلى إدراج رسوم توضيحية لشكل حركات أصابع اليد بحوار الأحاديث المدونة بالإصدار، وعلى سبيل المثال حديث: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ» وأشار بالسبابة والوسطى، فيكون الرسم توضيحًا للمعنى. برجاء إفادتنا بفتوى مكتوبة: هل يصرح لنا بوضع مثل تلك الرسوم التوضيحية داخل متن الكتاب؟

يجوز وضع رسوم توضيحية تعليمية مع الأحاديث النبوية تبرز شكل الإشارات النبوية وهيئتها، على أن يكون وضعها مقيدًا بالضوابط الشرعية، ومن هذه الضوابط:

- ضرورة فهم اللغة العربية كما عُهِدَتْ في العصر الأول ودلالات الإشارات النبوية كما أرادها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحقيقها على الوجه الصادر منه صلى الله عليه وآله وسلم.

- وينبغي أن يكون ثبوت الإشارة وصحة صدورها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مأخوذًا من حديثٍ مقبولٍ جارٍ على قواعد المحدِّثين في القبول والرد.

- كما يجب عند تحقيق هيئة الإشارات النبوية وكيفيتها القيام بجمع طرق روايتها وجمع أشباهها ونظائرها من كتب السنة النبوية والسيرة المشرفة؛ للوصول إلى الهيئة التي يغلب على الظن أنها هي التي صدرت من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يُرجَع فيه إلى المتخصصين وخاصة المعتنين بالشمائل النبوية الشريفة والخصائص المصطفوية المُنِيفة.

- وأن يكون التمثيل الشكلي للإشارات النبوية واضحًا في أنه محاكاة لهيئة الإشارة وليس رسمًا لشيءٍ من جسد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما سبقت الإشارة إليه.

التفاصيل ....

المحتويات

 

حكم عمل رسوم توضيحية للإشارات النبوية الشريفة

الرسوم التوضيحية للإشارات النبوية الشريفة الصادرة من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا تعدو في الحقيقة أن تكون نقلًا للحديث النبوي وتبليغًا له إلى من يقرأه على الورق؛ فالوجود الرسمي هو نوع من أنواع الوجودات الأربعة التي هي: الوجود العيني، والذهني، واللفظي، والرسمي.

وللإشارات النبوية وجود في الأعيان، والرسوم محاكاة لها في الوجود الرسمي؛ فالمرسوم على الورق هو محاكاة للإشارات النبوية وبيانٌ لهيئتها وليست هي رسمًا لنفس يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أصابعه الشريفة مثلًا، ودلالة هذه الرسوم على مدلولاتها ومعانيها كدلالة الإشارات النبوية نفسها على تلك المعاني، وهذه الرسوم من الوسائل التي تقرِّب الفهم، والوسائل لها أحكام المقاصد، بل هي في حقيقتها تأسٍّ واتباع للمنهج النبوي في بسط المعاني وتقريبها إلى الأفهام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما ساق تلك الإشارات تجسيدًا للمعاني في صورة حسية بغرض تفهيم المُتَلَقِّي؛ ليكون ذلك أسرع وصولًا بالمعاني إلى العقل وأشد تأثيرًا لها في المشاعر، فإذا صُوِّرَتْ هذه الإشارات في أشكال توضيحية كان ذلك أوضح في بيان المقصود، وأدل على تحديد المراد، كما أنها تناسب الطبيعة المعاصرة للعملية التعليمية، والمسلمون مأمورون بمواكبة وسائل عصرهم في تبليغ دينهم وإيصاله إلى العالمين.

ومحاكاة الإشارات النبوية كما تكون بالرسم فإنها تكون في الأعيان أيضًا، وهذا ما فعله الصحابة وتابَعَهم التابعون ومن بعدهم من السلف الصالحين والمحدِّثين في رواية الأحاديث النبوية؛ حيث كانوا يحاكون الإشارات النبوية في الأحاديث لتتم رواية الحديث على وجهه ونقله بتمامه؛ فروى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم يُعالِجُ مِن التنزيل شدةً، وكان يُحرِّكُ شَفَتَيْه، فقال ابن عباس: فأنا أحرِّكُهُما لكم كما كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يُحَرِّكُهُما، وقال سعيد بن جُبَيْر (وهو الراوي عن ابن عباس): أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه، فأنزل الله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ۞ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ [القيامة: 16-17].

وتتابع العلماء على محاكاة إشارات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما سُمِّيَ بعدَ ذلك في علوم الحديث "بالحديث المسلسل بالأحوال الفعلية" وهو نوع من الحديث تتابع الرواة فيه على محاكاة ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى في شرحه لألفيته المسماة بـ"التبصرة والتذكرة" (2/ 91، ط. دار الكتب العلمية): [مثالُ التسلسلِ بأحوالِ الرواةِ الفعليَّةِ، حديثُ أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: شَبَّكَ بيدي أبو القاسمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وقالَ: «خَلَقَ اللهُ الأرضَ يومَ السَّبْتِ.. الحديثَ»؛ فقدْ تسلسلَ لنا تشبيكُ كُلِّ واحدٍ من رواتِهِ بيدِ مَنْ رواهُ عنهُ. وقدْ يجتمعُ تسلسلُ الأقوالِ والأفعالِ في حديثٍ واحدٍ كالحديثِ الذي أخبرنا بهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ سماعًا عليهِ بدمشقَ في الرحلةِ الأولى، قالَ: أخبرنا والدِي، ويحيى بنُ عليِّ بنِ محمدٍ القلانسيُّ قالاَ: أخبرنا عليُّ بنُ محمدِ ابنِ أبي الحسنِ، قالَ: حَدَّثَنَا يحيى بنُ محمودٍ الثقفيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا إسماعيلُ بنُ محمدِ بنِ الفضلِ، قالَ: حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ عليِّ بنِ خَلَفٍ، قالَ: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ، قالَ: حَدَّثَنَا الزبيرُ بنُ عبدِ الواحدِ، قالَ: حَدَّثَنَا يوسفُ ابنُ عبدِ الأحدِ الشافعيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا سليمانُ بنُ شعيبٍ الكَيْسانيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا سعيدٌ الأَدَمُ، قالَ: حَدَّثَنَا شِهابُ بنُ خِرَاشٍ، قالَ: سمعتُ يزيدَ الرَّقَاشِيَّ يُحَدِّثُ عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لا يَجِدُ العبدُ حلاوةَ الإيمانِ حَتَّى يُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ»، قالَ: وقبضَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ على لحيتِهِ، وقالَ: «آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ»، قالَ: وقَبَضَ أنسٌ رضي الله عنه على لحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ يزيدُ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ بالقدرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ شهابٌ بلحيتِهِ، فقالَ: آمنتُ بالقدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، حُلْوِهِ ومُرِّهِ، قالَ: وأخذَ سعيدٌ بلحيتِهِ، وقالَ: آمنتُ] اهـ.

ضوابط جواز عمل رسوم توضيحية للإشارات النبوية الشريفة

لا بد أن ينضبط العمل الذي يرمي إلى محاكاة الإشارات النبوية في رسوم بعدة ضوابط حتى يخرج بصورة شرعية، منها على سبيل المثال:

- ضرورة فهم اللغة العربية كما عُهِدَتْ في العصر الأول ودلالات الإشارات النبوية كما أرادها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحقيقها على الوجه الصادر منه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن بعض الإشارات قد تتغير دلالاتها بمرور الأزمان فتتغير عن ما كانت عليه.

قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 140، ط. دار ابن عفان): [اللازم الاعتناء بفهم معنى الخطاب؛ لأنه المقصود والمراد، وعليه ينبني الخطاب ابتداء، وكثيرا ما يغفل هذا النظر بالنسبة للكتاب والسنة، فتلتمس غرائبه ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي، فتَسْتَبْهِم على المُلتمِس، وتَسْتَعْجِم على مَن لم يفهم مقاصد العرب، فيكون عمله في غير معمل، ومشيه على غير طريق] اهـ.

وقد عُنِيَ العلماءُ بتحقيق المراد من الإشارات النبوية؛ ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَعَدَ يَتَشَهَّدُ، وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى، وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ، وَدَعَا" رواه الإمام أحمد في "مسنده".

يقول الصنعاني رحمه الله في كتابه "سبل السلام شرح بلوغ المرام" (1/ 282، ط. دار الحديث): [اعلم أن قوله في حديث ابن عمر: "وعقد ثلاثا وخمسين" إشارة إلى طريقة معروفة تواطأت عليها العرب في عقود الحساب، وهي أنواع من الآحاد، والعشرات، والمئين، والألوف. أما الآحاد: فللواحد عقد الخنصر إلى أقرب ما يليه من باطن الكف، وللاثنين عقد البنصر معها كذلك، وللثلاثة عقد الوسطى معها كذلك، وللأربعة حل الخنصر، وللخمسة حل البنصر معها دون الوسطى، وللستة عقد البنصر وحل جميع الأنامل، وللسبعة بسط البنصر إلى أصل الإبهام مما يلي الكف، وللثمانية بسط البنصر فوقها كذلك، وللتسعة بسط الوسطى فوقها كذلك. وأما العشرات: فلها الإبهام والسبابة، فللعشرة الأولى عقد رأس الإبهام على طرف السبابة، وللعشرين إدخال الإبهام بين السبابة] اهـ.

- وينبغي أن يكون ثبوت الإشارة وصحة صدورها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مأخوذًا من حديثٍ مقبولٍ جارٍ على قواعد المحدِّثين في القبول والرد.

- كما يجب عند تحقيق هيئة الإشارات النبوية وكيفيتها القيام بجمع طرق روايتها وجمع أشباهها ونظائرها من كتب السنة النبوية والسيرة المشرفة؛ للوصول إلى الهيئة التي يغلب على الظن أنها هي التي صدرت من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يُرجَع فيه إلى المتخصصين وخاصة المعتنين بالشمائل النبوية الشريفة والخصائص المصطفوية المُنِيفة.
- وأن يكون التمثيل الشكلي للإشارات النبوية واضحًا في أنه محاكاة لهيئة الإشارة وليس رسمًا لشيءٍ من جسد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما سبقت الإشارة إليه.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز وضع رسوم توضيحية تعليمية مع الأحاديث النبوية تبرز شكل الإشارات النبوية وهيئتها، على أن يكون وضعها مقيدًا بالضوابط الشرعية السابق ذكرها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا