أنا أعيش في أحد البلاد الغربية في مدينة صغيرة حيث لا يوجد اللحم الحلال إلا في متجرين، حاولت الشراء منهما لكنهما على درجة من القذارة مثل باقي المحال الموجودة هناك. كما أن هناك مَحَالَّ أكثر نظافة على بعد 30 دقيقة بالسيارة، فهل يجوز لي أن أشتري اللحم من السوبر ماركت أو من محلات الوجبات السريعة وأسمي قبل أكله؟

أكل اللحوم مجهولة التذكية

الأصل في ذبائح أهل الكتاب أنها حلال؛ فللمسلم أن يشتري منها ويسمي الله ويأكل، ما لم يتأكد أن اللحم غير مذبوح أصلًا أو أن ذابحه ليس كتابيًّا أو أنه لحيوان محرم فيحرم حينئذٍ الأكل منه.
التفاصيل ....الأصل في الذبائح الحرمة، إلا ما استثناه الشرع؛ وهي الحيوانات مأكولة اللحم إذا ذبحها المسلم أو الكتابي، فصارت إباحة ذبائح أهل الكتاب أصلًا مستقلًّا بنفسه استثناءً من هذا الأصل، وأصبح ذلك يقينًا لا يزول بالشك؛ فالأصل حل ذبائح أهل الكتاب إلا إذا عُلِمَ يقينًا أن ذابحها ليس كتابيًّا، أو أنه لم يذبحها بل قتلها بالضرب أو الصعق مثلًا، فإذا لم يُعلَم ذلك يقينًا بقي أصلُ حِلِّ ذبائح أهل الكتاب على حاله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية ولم يسأل عن كيفية ذبحها ولا عن التسمية عليها، ولا يُشْرَع للإنسان السؤالُ والتنقيبُ ما دام في دولةٍ غالبُ أهلِها من أهل الكتاب؛ لأن الأصل في الشريعة هو إحسان الظن بالخلق، ولقد نهى الله تعالى المؤمنين عن التنقيب والتفتيش المتكلَّف في الأمور كلها، ووضع الله قاعدةَ ذلك فقال في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾، قال ابن كثير في تفسيرها: هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها.. حتى قال: وظاهر الآية النهيُ عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته، فالأَوْلى الإعراض عنها وتركُها.
فيُكرَه التفتيشُ عن بواطن الأمور، بل أخرج الطبراني في "الكبير" عن حارثة بن النعمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا ظننتَ فلا تُحَقِّقْ». هذا عن الحلال والحرام، أما عن الورع فهو واسع؛ فقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن حد الورع أوسع من حد الحكم الفقهي؛ وذلك لأن المسلم قد يترك كثيرًا من المباح تورُّعًا، ولكن هذا لا يعني أن يُلزِم غيرَه بذلك على سبيل الوجوب الشرعي فيدخل في باب تحريم الحلال، ولا أن يعامل الظني المختلف فيه معاملة القطعي المجمَع عليه فيدخل في الابتداع بتضييق ما وسَّعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل عليه أن يلتزم بأدب الخلاف كما هو منهج السلف الصالح في المسائل الخلافية الاجتهادية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.