مدى صحة عبارة: "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"

مدى صحة عبارة: "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"

هل هذه العبارة: "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه" تعتبر صحيحة؟

نعم هي صحيحة شرعًا؛ لأنها صيغة يراد بها المبالغة في حمد الله تعالى، وقد افتتح بمثلها الإمام ابن الصلاح مقدمته في علوم الحديث فقال: "الحمدُ للهِ الهادِي مَن استهداه، الواقي مَن اتَّقَاه، الكافي مَن تَحَرَّى رِضَاه، حمدًا بالغًا أمَدَ التمام ومُنتهاه"، والمعنى -كما قال الحافظ ابن حجر- أن الحمد الذي يجب لله هذه صفتُه، وكأنه أراد أن الله مستحق لتمام الحمد. ومثلها أيضًا قول الشيخ محيي الدين في "خطبة المنهاج" وغيره: "أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ وأَكْمَلَه"، فمراده بذلك أَنْسِبُ إلى ذاتِهِ المقدسةِ أَبْلَغَ المحامد، وليس مراده أن حمدي هو أَبْلَغ حمدٍ.
والمبالغة في الحمد والثناء على الله تعالى مطلوبة وواردة في السنة المطهرة بعدة صيغ؛ من ذلك ما روي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟» فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا» فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا» رواه مسلم.

التفاصيل ....

يجوز قول: "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"؛ لأنها صيغة يراد منها المبالغة في حمد الله تعالى، وقد وردت في السنة المكرمة عدة صيغ فيها مبالغة في حمد الله تعالى، من ذلك ما روي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟» فَأَرَمَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا» فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا، فَقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا» أخرجه مسلم في "صحيحه".
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رُفِعَ الْعَشَاءُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ قَالَ: «الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ» أخرجه البيهقي في "الدعوات الكبير".
وعَنْهُ أيضًا عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ: الْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لله مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْحَمْدُ لله مِلْءَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَسُبْحَانَ اللهِ مِثْلَهَا، فَأَعْظِمْ ذَلِكَ» أخرجه أحمد في "مسنده".
قال العلامة النفراوي الأزهري المالكي في "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (1/ 11، ط. دار الفكر): [وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي أَفْضَلِ الْمَحَامِدِ فَقِيلَ: أَفْضَلُهَا الْحَمْدُ للهِ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ: عَدَدَ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ مَا عَلِمْت مِنْهُمْ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ. وَقِيلَ أَفْضَلُهَا: الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ؛ لِمَا وَرَدَ "أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى الْأَرْضِ قَالَ: يَا رَبِّ شَغَلْتنِي بِكَسْبِ يَدِي فَعَلِّمْنِي شَيْئًا فِيهِ مَجَامِعُ الْحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ، فَأَوْحَى اللهُ إلَيْهِ أَنْ قُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عِنْدَ كُلِّ صَبَاحٍ وَعِنْدَ كُلِّ مَسَاءٍ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، فَقَدْ جَمَعْت لَك فِيهَا جَمِيعَ الْمَحَامِدِ"] اهـ.
وقال العلامة البكري الشافعي في "إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين" (4/ 387، ط. دار الفكر): [واعلم أن أفضل المحامد هذه الصيغة لما ورد "أن الله لما أهبط أبانا آدم إلى الأرض قال: يا رب علمني المكاسب وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد، فأوحى الله إليه أن قل ثلاثًا عند كل صباح ومساء: الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده"، ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد برَّ بذلك] اهـ.
وقال العلامة البجيرمي في حاشيته "تحفة الحبيب على شرح الخطيب" (1/ 27، ط. دار الفكر): [تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: أَفْضَلُ الْمَحَامِدِ أَنْ يُقَالَ: الْحَمْدُ لله حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: "إنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا أَهَبَطَ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى الْأَرْضِ قَالَ: يَا رَبِّ عَلِّمْنِي الْمَكَاسِبَ وَعَلِّمْنِي كَلِمَةً تَجْمَعُ لِي فِيهَا الْمَحَامِدَ. فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إلَيْهِ أَنْ قُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عِنْدَ كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ: الْحَمْدُ لله حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَك وَيُكَافِئُ مَزِيدَك؛ فَقَدْ جَمَعْت لَك فِيهَا جَمِيعَ الْمَحَامِدِ".
وَقِيلَ: أَفْضَلُ الْمَحَامِدِ أَنْ يُقَالَ: الْحَمْدُ للهِ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، زَادَ بَعْضُهُمْ عَدَدَ خَلْقِهِ كُلِّهِمْ مَا عَلِمْت مِنْهُمْ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَهَا فَسَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللهِ أَتْعَبْت الْحَفَظَةَ فَإِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ ثَوَابَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْعَامِ الْمَاضِي إلَى الْآنَ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَحْمِدَنَّ اللهَ بِأَفْضَلِ الْمَحَامِدِ، فَقَالَ كُلُّ فَرِيقٍ لَا يَبَرُّ إلَّا بِمَا قَالَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَحَامِدِ، وَقِيلَ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك، وَقِيلَ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَقُولَ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ الشورى: 11].
وقال الإمام النووي في مقدمة كتابه "منهاج الطالبين وعمدة المفتين" في الفقه الشافعي (ص: 7، ط. دار الفكر): [أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ وَأَكْمَلَهُ، وَأَزْكَاهُ وَأَشْمَلَهُ] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 93، ط. دار الكتب العلمية) عند شرحه لهذا النص المذكور سابقًا من كلام النووي: [(أَحْمَدُهُ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ وَتَفَضَّلَ (أَبْلَغَ حَمْدٍ) أَنْهَاهُ (وَأَكْمَلَهُ) أَتَمَّهُ (وَأَزْكَاهُ) أَنْمَاهُ (وَأَشْمَلَهُ) أَعَمَّهُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ عُمُومُ الْحَمْدِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ النِّعَمُ لَا يُتَصَوَّرُ حَصْرُهَا كَمَا مَرَّ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُنْسَبَ عُمُومُ الْمَحَامِدِ إلَيْهِ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ بِأَنْ يَعْتَرِفَ مَثَلًا بِاشْتِمَالِهِ تَعَالَى عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْحَمْدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَمْدٌ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ بِرِعَايَةِ الْأَبْلَغِيَّةِ، وَذَاكَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَهِيَ الْمَالِكِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ الْأَبْلَغِيَّةُ بِأَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ فَذَاكَ الْبَعْضُ أَعَمُّ مِنْ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ لِصِدْقِهِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا الْكَثِيرِ، فَالثَّنَاءُ بِهَذَا أَبْلَغُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا، نَعَمْ الثَّنَاءُ بِالْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ، أَيْ تَعَيُّنُهُ، أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ أَبْلَغَ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ اُفْتُتِحَ بِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْدَ فِيهِ لِمَقَامِ التَّعْلِيمِ وَالتَّعْيِينُ لَهُ أَوْلَى] اهـ.
وقال الإمام ابن الصلاح في "مقدمته في علوم الحديث" (ص: 145، ط. دار المعارف): [الحمد لله الهادي من استهداه، الواقي من اتقاه، الكافي مَن تحرى رضاه، حمدًا بالغًا أمَدَ التمام ومنتهاه، والصلاة والسلام الأكملانِ على نبينا والنبيين وآل ِ كلٍّ، ما رجا راجٍ مغفرته ورُحْماه. آمين آمين] اهـ.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "النكت على كتاب ابن الصلاح" (1/ 223، ط. عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية- المدينة المنورة): [قوله (ص): (حمدًا بالغًا أمد التمام ومنتهاه): اعترض عليه بأن هذه دعوى لا تصح وكيف يتخيل شخص أنه يمكنه أن يحمد الله حمدًا يبلغ منتهى التمام؛ والفرض أن الخلق كلهم لو اجتمع حمدهم لم يبلغ بعض ما يستحقه تعالى من الحمد فضلًا عن تمامه؛ والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ»، مع ما صح عنه في حديث الشفاعة: "أن الله يفتح عليه بمحامد لم يسبق إليها". والجواب: أن المصنف لم يدَّع أن الحمد الصادر منه بلغ ذلك، وإنما أخبر أن الحمد الذي يجب لله هذه صفته، وكأنه أراد أن الله مستحق لتمام الحمد، وهذا بيِّن من سياق كلامه، ومن هذا قول الشيخ محيي الدين في "خطبة المنهاج" وغيره: (أحمده أبلغ حمد وأكمله)، فمراده بذلك أَنْسبُ إلى ذاته المقدسة أبلغ المحامد، وليس مراده أن حمدي أبلغ حمد. وقد قال الأصحاب: إن أجل المحامد أن يقول المرء: الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده] اهـ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا