ما حكم قول وحياتك أثناء سؤال الناس بعضهم البعض؟

الحلف بقول "وحياتك"

هذه الكلمة لا تستعمل في الغالب على جهة الحلف بها، وإنما تستعمل في المناشدة وسؤال الناس بعضهم بعضًا بما هو عزيز عليهم؛ فهي من باب الترجي وتأكيد الكلام، وهذا جائزٌ شرعًا؛ لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة، وجريان عادة الناس عليه بما لا يخالف الشرع الشريف.
التفاصيل ....هذه الكلمة لا تستعمل في الغالب على جهة الحلف بها، وإنما تستعمل في المناشدة وسؤال الناس بعضهم بعضًا بما هو عزيز عليهم؛ قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
فالترجي أو تأكيد الكلام بهذه الكلمة أو بغيرها مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الحلف لا ينبغي أن يمنع بالأدلة التي ظاهرها يحرم الحلف بغير الله، فهو ليس من هذا الباب، بل هو أمر جائز لا حرج فيه؛ لما ورد في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة الكرام من أشباه ذلك، فمن ذلك:
ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاء...» رواه مسلم.
وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في حديث الرجل النجدي الذي سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسلام، وفي آخره: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» أَوْ «دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» رواه مسلم.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 168): [قوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» هَذَا مِمَّا جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنِ الْجَوَابِ عَنْهُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ»، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ»، وَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ» لَيْسَ هُوَ حَلِفًا، إِنَّمَا هُوَ كَلِمَةٌ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تُدْخِلَهَا فِي كَلَامِهَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ بِهَا حَقِيقَةَ الْحَلِفِ، وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَامِ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَمُضَاهَاتِهِ بِهِ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُرْضِي] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 534): [قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: هَذَا اللَّفْظُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُزَادُ فِي الْكَلَامِ لِمُجَرَّدِ التَّقْرِيرِ وَالتَّأْكِيدِ، وَلَا يُرَادُ بِهِ الْقَسَمُ؛ كَمَا تُزَادُ صِيغَةُ النِّدَاءِ لِمُجَرَّدِ الِاخْتِصَاصِ دُونَ الْقَصْدِ إِلَى النداء] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَبِّئْنِى بِأَحَقِّ النَّاسِ مِنِّى بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، فَقَالَ: «نَعَمْ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ؛ أُمُّكَ...» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
وعَنْ أَبِى الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَّا فِي الْحَلْقِ أَوِ اللَّبَّةِ؟ قَالَ: «وَأَبِيكَ لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لأَجْزَأَكَ» رواه أحمد والبيهقي واللفظ له، وروى أحمد في "مسنده" أيضًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أُتِيَ بِطَعَامٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَقَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ» فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَنُووِلَ ذِرَاعًا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا هُمَا ذِرَاعَانِ! فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «وَأَبِيكَ لَوْ سَكَتَّ مَا زِلْتُ أُنَاوَلُ مِنْهَا ذِرَاعًا مَا دَعَوْتُ بِهِ».
وروى الإمام مالك في "الموطأ" في قصة الأَقْطَعِ الَّذِي سَرَقَ عِقْدًا لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال له: «وَأَبِيكَ مَا لَيْلُكَ بِلَيْلِ سَارِقٍ».
وروى الشيخان أن امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت له: "لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ" تعني طعام أضيافه. أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
وبناءً على ذلك: فإن الترجي أو تأكيد الكلام بما لا يُقصد به حقيقة الحلف أمر مشروع لا حرج على فاعله؛ لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة، وجريان عادة الناس عليه بما لا يخالف الشرع الشريف، وليس حرامًا ولا شركًا، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم؛ حيث يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى الله الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾ [النحل: 116].
ولا يجوز للعاقل أن يتهم إخوانه بالكفر والشرك فيدخل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
والله سبحانه وتعالى أعلم.