هل يجوز قول "بالرفاء والبنين" للزوجين؟

عبارة "بالرفاء والبنين" في التهنئة بالزواج

لا مانع شرعًا من التهنئة بهذه الصيغة إذا قيلت على جهة الدعاء بالبركة للزوجين، لا على جهة تفضيل البنين على البنات.
التفاصيل ....أولًا: معنى عبارة "بالرفاء والبنين":
قال المرتضى الزبيدي في "تاج العروس" (1/ 248، ط. دار الهداية): [(وَرفَّأَه) أَي المُمْلِكَ (تَرْفِئَةً وتَرْفِيئًا) إِذا (قَالَ لَهُ: بالرِّفَاءِ، والبَنِينَ، أَي بالالتئامِ) والاتِّفاق والبَرَكة والنَّماء (وجَمْعِ الشَّمْلِ) وحُسْنِ الِاجْتِمَاع، قَالَ ابنُ السكِّيت: وإِن شِئْت كَانَ مَعْنَاهُ السُّكون والهُدُوَّ والطُّمَأْنينة، فَيكون أَصْله غير الْهَمْز، من قَوْلهم: رَفَوْت الرجلَ إِذا سَكَّنْته، وَعَلِيهِ قولُ أَبي خِراشٍ الهُذلي:
رَفَوْني وَقَالُوا: يَا خُوَيْلِدُ لاَ تُرَعْ *** فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الوُجُوهَ: هُمُ هُمُ
يَقُول: سَكَّنُوني، وَقَالَ ابنُ هانِىءٍ: يُريد رَفَئُوني، فأَلْقَى الهمزَ، قَالَ: والهمزةُ لَا تُلْقَى إِلا فِي الشِّعر، وَقد أَلقاها فِي هَذَا الْبَيْت، وَمَعْنَاهُ أَنَّي فَزِعْتُ فطارَ قلْبي فَضَمُّوا بَعْضِي إِلى بعضٍ، ... وَقَالَ فِي مَوْضعٍ آخر: رفَأَ أَي تَزوَّج، وأَصلُ الرَّفْوِ الاجتماعُ والتلاؤُمُ، وَنقل شيخُنا عَن كتاب "الياقوتة" مَا نَصه: فِي رفَأَ لُغتانِ لمعنَيَيْنِ، فَمن هَمزَ كَانَ مَعْنَاهُ الالتحام والاتِّفاق، وَمن لم يهمز كَانَ مَعْنَاهُ الهُدُوُّ والسُّكون] اهـ.
ثانيًا: حكم تهنئة الزوجين بهذه العبارة:
لفظ تهنئة الزوج المستحبة هي: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير.
وكانت الترفئة بالنكاح في الجاهلية بلفظ: بالرفاء والبنين، وقد اختلف في جواز الترفئة بلفظ: بالرفاء والبنين، فذهب المالكية إلى أن الترفئة بهذا اللفظ لا كراهة فيها.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في "فتح الباري" (9/ 222، ط. دار المعرفة): [قَوْلهمْ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، وَكَانَتْ كَلِمَةً تَقُولُهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا، كَمَا رَوَى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ مِنْ طَرِيقِ غَالِبٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ عَلَّمَنَا نَبِيُّنَا قَالَ: «قُولُوا: بَارَكَ اللهُ لَكُمْ، وَبَارَكَ فِيكُمْ، وَبَارك عَلَيْكُم»، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْبَصْرَةَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالُوا لَهُ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، فَقَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، وَقُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ، وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ»، وَرِجَاله ثِقَات؛ إِلَّا أَن الْحسن لم يسمع مِنْ عَقِيلٍ فِيمَا يُقَالُ، ... وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا حَمْدَ فِيهِ وَلَا ثَنَاءَ وَلَا ذِكْرَ للهِ، وَقِيلَ: لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى بُغْضِ الْبَنَاتِ لِتَخْصِيصِ الْبَنِينَ بِالذِّكْرِ، وَأَمَّا الرِّفَاءُ فَمَعْنَاهُ: الِالْتِئَامُ مِنْ رَفَأْتُ الثَّوْبَ وَرَفَوْتُهُ رَفْوًا وَرِفَاءً، وَهُوَ دُعَاءٌ لِلزَّوْجِ بِالِالْتِئَامِ وَالِائْتِلَافِ، فَلَا كَرَاهَة فِيهِ.
وَقَالَ ابن الْمُنِيرِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَرِهَ اللَّفْظَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ تَفَاؤُلًا لَا دُعَاءً، فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِلْمُتَزَوِّجِ بِصُورَةٍ الدُّعَاءِ لَمْ يُكْرَهْ، كَأَنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَهُمَا، وَارْزُقْهُمَا بَنِينَ صَالِحِينَ مَثَلًا، أَوْ أَلَّفَ اللهُ بَيْنَكُمَا وَرَزَقَكُمَا وَلَدًا ذَكَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ] اهـ.
وعليه: فالمختار للفتوى أنه يجوز التهنئة بهذه الصيغة إذا قيلت على جهة الدعاء، وليس على جهة تفضيل البنين على البنات.
والله سبحانه وتعالى أعلم.