ما حكم تخدير الحيوان قبل ذبحه؟ حيث يصدر المركز الإسلامي الرسمي في بلادنا تراخيص استهلاك للسلع الغذائية التي تعتبر من المنظور الإسلامي حلالًا، ومن بين هذه السلع اللحم، ولكن لا يوضح ترخيص الاستهلاك الخاص باللحم ما إذا كان قد تم ذبح الحيوان على الطريقة الشرعية أم أنه قد تم تخدير الحيوان قبل ذبحه. فهل يجوز للمسلم أن يأكل من لحم هذا الحيوان دون أن يعرف هل تم ذبحه وفقًا للطريقة الشرعية أم أنه قد تم تخديره؟ أم ينبغي التخلي عن هذا اللحم والاتجاه إلى اللحوم المستوردة التي يثق المرء تمامًا أنها ذُبحت على الطريقة الشرعية؟ شكرًا جزيلًا على الإجابة.
حكم تخدير الحيوان قبل ذبحه
للمسلم أن يكتفي بفتوى المركز الإسلامي في بلده إذا كان معتمدًا موثوقًا به، وليس مأمورًا بالبحث والتنقيب فيما وراء ذلك.
وأما عن تخدير الحيوان قبل ذبحه: فيجوز شرعًا إضعاف مقاومة الحيوانات قبل ذبحها؛ سواء أكان ذلك بتخديرها تخديرًا خفيفًا، أم بصعقها بتيار كهربائي منخفض الضغط، أم بغير ذلك مِن الأساليب التي يقررها المتخصصون، بشرط ألَّا يؤدي هذا التخدير أو الصعق إلى موتها لو تُرِكَت دون ذبح، بل تحيا حياةً مستقرة، ثم تُذبَحُ بعد ذلك بالطريقة الشرعية في الذكاة، فتكون حلالًا حينئذٍ. فإذا أدَّى شيءٌ مِن ذلك لِموتِ الحيوان قبل ذبحه فإنه يعتبر ميتةً ويَحرُمُ أكلُه.
المحتويات
حكم تخدير الحيوان قبل ذبحه
ما دام المركز الإسلامي معتمدًا في فتاواه فالأخذ بأحكامه وفتاواه جائز شرعًا، وليس المسلم مُلزَمًا بالبحث وراء ذلك.
ومِن المقرر شرعًا أنه لا يَحِلُّ أَكلُ لحم الحيوان مأكول اللحم -كالإبل والبقر والغنم والأرانب وداجن الطيور كالدجاج والبط والإوَزِّ وغير ذلك- إلَّا إذا تمَّت تذكيته الشرعية؛ فالذَّكاة الشرعية هي السبب الموصل لِحِلِّ أكل الحيوان البري -مأكول اللحم- المقدور عليه أليفًا، وتحصل تذكيته بالذبح أو النحر، وأما غير المقدور عليه فتذكيته بعَقره عن طريق الجرح أو الصيد أو إغراء الحيوان أو الطير المُعَلَّمَين به، وكل ذلك لا بد أن يكون مِمَّن يَحِلُّ منه ذلك؛ وهو المسلم أو الكتابي.
وأما عن تخدير الحيوان قبل ذبحه؛ فقد أمر الشرع الشريف بالرحمة والإحسان في كل شيءٍ؛ فروى مسلمٌ في "صحيحه" عن شدَّاد بن أوسٍ رضي الله عنه أنه قال: ثنتان حفظتُهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الإحسَانَ على كُلِّ شَيءٍ، فَإذَا قَتَلْتُم فَأَحسِنُوا القِتْلَةَ، وَإذا ذَبَحْتُم فَأحسِنُوا الذَّبحَ، ولْيُحِدَّ أحدُكم شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَه».
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (13/ 107، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (وليُرِح ذبيحته) بإحدادِ السكين وتعجيلِ إمرارها وغيرِ ذلك، ويُستحبُّ ألَّا يُحِدَّ السكينَ بحضرة الذبيحة، وألَّا يَذبحَ واحدةً بحضرة أخرى، ولا يَجُرَّها إلى مذبحها. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَحسِنُوا القِتْلَةَ» عامٌّ في كل قتيلٍ مِن الذبائح، والقتلِ قصاصًا، وفي حَدٍّ، ونحوِ ذلك. وهذا الحديث مِن الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام] اهـ.
وروى أبو داود والترمذي واللفظ له، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الرَّاحِمُون يَرحَمُهُم الرحمنُ، ارْحَمُوا مَن في الأرضِ يَرحمكم مَن في السَّمَاءِ».
وروى الحاكم في "مستدركه" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا».
وروى عبد الرزاق في "مُصَنَّفِهِ" عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه رَجُلًا يَسْحَبُ شَاةً بِرِجْلِهَا لِيَذْبَحَهَا، فَقَالَ لَهُ: "وَيْلَكَ قُدْهَا إِلَى الْمَوْتِ قَوْدًا جَمِيلًا".
وقد نَصَّ الفقهاء على أنَّ المُثلةَ بالحيوان -كقَطع شيءٍ مِن بَدَنِهِ- واتخاذَه غرضًا وهدفًا، وقَتلَهُ لغير الأكل ونحوِه مِن أوجه الانتفاع المشروعة الأخرى، وعدمَ الإحسان عند قَتلِهِ وذبْحِهِ، تُعَدُّ مِن المُحَرَّمات، بل عَدَّها الإمام ابن حجر الهيتمي في كتابه "الزواجر" من جملة الكبائر (1/ 348، ط. دار الفكر).
وتخدير الحيوان قبل ذبحه بهدف إضعاف مقاومته عند الذبح؛ سواء أكان ذلك بحَقنِهِ بمادةٍ مُخَدِّرةٍ أم بصعقه باستعمال التيار الكهربائي، له صورتان: أن يكون خفيف الدرجة بإبرة غير نافذةٍ في الحقن ومنخفض الضغط في الصعق؛ بحيث يقتصر أثره على إضعاف المقاومة وتخفيف الألم فقط، ويبقى الحيوانُ بعده حيًّا حياةً طبعيةً مستقرةً لو لم يُذبَح، أو يكون شديد الدرجة وعالي الضغط؛ بحيث يؤدي إلى المبالغة في إيلام الحيوان وتعذيبه، ولو تُرِكَ دون ذبحٍ لَفَقَدَ حياته.
فإن كان التخدير المستعمل خفيف الدرجة ومنخفض الضغط على النحو السابق بيانه فلا حرج مِن تعريض الحيوان له بهدف إضعافِ مقاومتِه القويةِ العنيفةِ وتهدئةِ العُنفِ الصادرِ منه عند ذبحه؛ وقد دلَّت الأدلةُ الشرعيةُ على مشروعية إيلام الحيوان إذا كان الغرضُ منه صحيحًا؛ مِن ذلك ما جاء في "الصحيحين" واللفظ للبخاري، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا، أَوْ قَلَّدْتُهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى البَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ".
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته" (6/ 388، ط. دار الفكر): [لا بأس بِكَيِّ البهائم لِلعَلَامَة] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 544، ط. دار المعرفة): [والحديث فيه مشروعية الإشعار، وهو أن يَكْشِطَ جِلْدَ الْبَدَنَةِ حتى يسيل دمٌ ثم يَسلِته فيكون ذلك علامةً على كونها هديًا، وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 574، ط. الكتاب العربي): [ويُسَنُّ إشعار الإبل والبقر، وهو أَنْ يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ حَتَّى يُدْمِيَهَا، في قول عامة أهل العلم. فقد قالت عائشة رضي الله عنها: "فَتَلْتُ قلائدَ هَدْيِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أشعَرَها وقَلَّدَها" متفقٌ عليه. رواه ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وفَعَلَهُ الصحابةُ، فيجب تقديمه -أي على ما عَدَاهُ مِن الأدلة-، ولأنه إيلامٌ لِغَرَضٍ صحيحٍ فجاز؛ كَالْكَيِّ، والْوَسْمِ، والْفَصْدِ، والْحِجَامَةِ] اهـ. بتصرف.
كما أن هذا الإيلامَ الخفيفَ فيه دَرْءٌ لِلْأَلَمِ الأكبرِ الحادِثِ بسببِ الذبح، فكان مِن ارتكاب أَخَفِّ الضررين وأدنى المَفسَدَتَين، ومعلومٌ أنه يُتَحَمَّلُ أَخَفُّ المَفسَدَتَين دَفعًا لِأعظَمِهِما.
أما إذا كان التخديرُ شديدَ الدرجة وعالي الضغط، فإنه لا يجوز استخدامه بتعريض الحيوان له مِن غير مُسَوِّغٍ؛ لما فيه مِن المُبَالَغَةِ في تعذيبه، كما أنه يتنافى مع الرحمة التي أَمَرَنَا بها الإسلامُ ونَطَقَتْ بها أحاديثُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وإذا أدَّى شيءٌ مِن ذلك لِموتِ الحيوان قبل ذبحه فإنه يعتبر مِيتةً ويَحرُمُ أكلُه، أما إذا لم يُؤَدِّ إلى موته بأن ظَلَّت به حياةٌ مستقرةٌ حتى تم ذبحُه وتذكِيَتُه ذكاةً شرعيةً، وحصل بسببها زهوق روحه، حَلَّ أكلُه؛ ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ [المائدة: 3].
جاء في "المنهاج" للإمام للنووي وشرحه "نهاية المحتاج" للشمس الرملي مِن كتب السادة الشافعية (8/ 118، ط. دار الفكر): [(ولو ذَبَحَهُ -أي: الحيوانَ- مِن قفاه) أو مِن صفحة عُنُقِهِ (عَصَى)؛ لِلعُدُول عن محل الذبح، ولما فيه مِن التعذيب، ولأنه لم يُحسِن في الذبح -والقطع مِن صفحة العنق كالقطع مِن القفا- (فإن أسرع) في ذلك (فَقَطَعَ الحلقوم والمريء وبه حياةٌ مستقرةٌ) ولو ظَنًّا بقرينةٍ كما مَرَّ (حَلَّ)؛ لِمُصادَفَة الذكاة له وهو حَيٌّ، كما لو قَطَعَ يَدَهُ ثم ذَكَّاه (وإلَّا) بأن لم يَبْقَ به حياةٌ مستقرةٌ؛ بأن وَصَلَ لحركةِ مذبوحِ لَمَّا انتهى إلى قطع المريء (فلَا) يَحِلُّ؛ لصيرورته ميتةً، فلا تُفِد فيه الذكاةُ] اهـ.
وفي كتاب "المقنع" للإمام ابن قدامة الحنبلي (3/ 339، ط. المكتبة السلفية): [وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتَها، وفيها حياةٌ مستقرةٌ أكثر مِن حركة المذبوح حَلَّت، وإن صارت حركتُها كحركة المذبوح لم تَحِلَّ] اهـ.
وإن حصل شكٌّ في موت الحيوان: أكان بالذكاة أم بالتخدير: كان التغليب للحُرمة فلا يَحِلُّ؛ لأنه إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّبَ الحرامُ، وإذا اجتمع المقتضي والمانع غُلِّبَ المانعُ –كما قد تَقَرَّرَ في قواعد الشرع-.
قال العلَّامة الخطيب الشربيني في "الإقناع" (2/ 578، ط. دار الفكر): [تنبيهٌ: لو ذَبَحَ شخصٌ حيوانًا وأخرجَ آخَرُ أمعاءه أو نَخَسَ خاصِرَتَه مَعًا، لم يَحِلَّ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ -أي: الإجهاز عليه- لَمْ يَتَمَخَّضْ بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِّيءِ] اهـ. وعلَّق الشيخ البجيرمي في "حاشيته" (4/ 296، ط. دار الفكر) فقال: [قوله: (لم يَحِلَّ) أي لأنه مِن اجتماع مُقْتَضٍ ومانعٍ فيغلب المانع] اهـ.
رأي مجمع الفقه الإسلامي في تخدير الحيوان قبل ذبحه
على هذا جرى قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 23 صفر 1408هـ الموافق 17 أكتوبر 1987م، إلى يوم الأربعاء 28صفر 1408هـ الموافق 21 أكتوبر 1987م.
حيث جاء فيه: [الحيوانات التي تُذَكَّى بعد التدويخ ذكاةً شرعيةً يَحِلُّ أكلُها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها، وقد حددها الخبراء في الوقت الحالي بما يلي:
أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي- القذالي (القفوي).
أن يتراوح الفولطاج ما بين (100 و400 فولت).
أن تتراوح شدة التيار ما بين (0.75 و1.0 أمبير) بالنسبة للغنم، وما بين (2 و2.5 أمبير) بالنسبة للبقر.
أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدةٍ تتراوح ما بين (3 و6 ثوان).
ولا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية.
ولا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية، لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية.
ولا يَحرُمُ ما ذُكِّيَ مِن الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته] اهـ.
الخلاصة
بِناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأصل أن يكتفي المسلم بفتوى المركز الإسلامي المعتمد الموثوق به في بلده، وليس هو مأمورًا بالبحث والتنقيب فيما وراء ذلك.
وأما عن تخدير الحيوان قبل ذبحه: فيجوز شرعًا إضعاف مقاومة الحيوانات قبل ذبحها؛ سواء أكان ذلك بتخديرها تخديرًا خفيفًا، أم بصعقها بتيار كهربائي منخفض الضغط، أم بغير ذلك مِن الأساليب التي يقررها المتخصصون، بشرط ألَّا يؤدي هذا التخدير أو الصعق إلى موتها لو تُرِكَت دون ذبح، بل تحيا حياةً مستقرة، ثم تُذبَحُ بعد ذلك بالطريقة الشرعية في الذكاة، فتكون حلالًا حينئذٍ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.