حقيقة الاستواء على العرش

حقيقة الاستواء على العرش

هل مكان الله تعالى فوق العرش؟ حيث خرج علينا إمام مسجد وقال ذلك القول مستدلًّا بسؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للجارية عندما قال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء.

من ثوابت العقيدة عند المسلمين أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان؛ لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه، بل هو خالق كل شيء، وهو المحيط بكل شيء، وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين لا يُنكره منهم مُنكِرٌ، وقد عبَّر عن ذلك أهل العلم بقولهم: "كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان".

والقول بأن الله على العرش بمعنى الاستقرار المكاني والمماسة وأنه يجلس على العرش جلوس الملوك على كراسيِّها وعروشها، وأنه لا يملؤه كله بل يبقى من العرش أربعة أصابع، وأن الله في مكان مخلوق أو أنه يشغل حيزًا، أو أنه ينزل إلى السماء نزول انتقال وحركة فيقطع بذلك مسافة معينة، ويكون تحت العرش بعد أن كان فوقه؛ فهذه كلها عقائد المشبهة، وهي عقائد فاسدة لا يقول بها مسلم، ولا دخل للإسلام بها من قريب أو بعيد.

وأما الحديث المذكور فليس في ذلك إثبات المكان لله، وإنما ذلك لأن السماء قبلة الدعاء؛ لأن جهة العلو هي أشرف الجهات، لا أن الله محصور فيها، حاشاه سبحانه، وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.

التفاصيل ....

المحتويات

 

بيان أن الله سبحانه لا يحويه مكان ولا يحده زمان

من ثوابت العقيدة عند المسلمين أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحده زمان؛ لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه، بل هو خالق كل شيء، وهو المحيط بكل شيء، وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين لا يُنكره منهم مُنكِرٌ، وقد عبَّر عن ذلك أهل العلم بقولهم: "كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان".

ومن عبارات السلف الصالح في ذلك:
قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "مَنْ زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك؛ إذ لو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان على شيء لكان محمولًا، ولو كان من شيء لكان مُحْدَثًا" اهـ. انظر: "الرسالة القشيرية" (1/ 29، ط. دار المعارف بالقاهرة).

وقيل ليحيى بن معاذ الرازي: أَخْبِرْنا عن الله عز وجل، فقال: إله واحد، فقيل له: كيف هو؟ قال: ملك قادر، فقيل له: أين هو؟ فقال: بالمرصاد، فقال السائل: لم أسألك عن هذا؟ فقال: ما كان غير هذا كان صفة المخلوق، فأما صفته فما أخبرت عنه. انظر: "الرسالة القشيرية" (1/ 28، ط. دار المعارف بالقاهرة).

وسُئِل ذو النون المصري رضي الله عنه عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، فقال: "أثبت ذاته ونفى مكانه؛ فهو موجود بذاته والأشياء بحكمته كما شاء" اهـ. انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 42، ط. دار هجر للطباعة والنشر).

المعنى المراد من النصوص الدالة على علو الله عز وجل

ما ورد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على علو الله عز وجل على خلقه فالمراد بها علو المكانة والشرف والهيمنة والقهر؛ لأنه تعالى منـزه عن مشابهة المخلوقين، وليست صفاته كصفاتهم، وليس في صفة الخالق سبحانه ما يتعلق بصفة المخلوق من النقص، بل له جل وعلا من الصفات كمالُها ومن الأسماء حُسْنَاها، وكل ما خطر ببالك فالله تعالى خلاف ذلك، والعجز عن درك الإدراكِ إدراكُ، والبحث في كنه ذات الرب إشراكُ.

معنى سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للجارية أين الله

حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبها: «أعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» رواه مسلم، فليس في ذلك إثبات المكان لله، وإنما ذلك لأن السماء قبلة الدعاء؛ لأن جهة العلو هي أشرف الجهات، لا أن الله محصور فيها، حاشاه سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، ولذلك قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح صحيح مسلم" (5/ 24، ط. دار إحياء التراث العربي) وهو يتحدث عن مسلك التأويل: [كان المراد امتحانها؛ هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده، وهو الذى إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلى استقبل الكعبة؟ وليس ذلك لأنه منحصر في السماء، كما أنه ليس منحصرًا في جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين. أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم. فلما قالت: في السماء، علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان] اهـ.

وعلى ذلك: فلو قال مسلم: "الله في السماء" فإنه يحمل قوله على معنى أن الله له صفة العلو المطلق في المكانة على خلقه؛ لأن الله تعالى منزه عن الحلول في الأماكن، فهو سبحانه بكل شيء محيط، ولا يحيط به شيء، والقول بأن الله تعالى في السماء معناه: علوه على خلقه لا أنه حال فيها حاشاه سبحانه وتعالى، أما من يعتقد أن الله تعالى في السماء بمعنى أنها تحيط به إحاطة الظرف بالمظروف فهذا أمر لا يجوز اعتقاده، ويجب تعليمه حينئذ الصواب من الخطأ في ذلك وكشف الشبهة العالقة بذهنه.

تفسير الاستواء الوارد في القرآن الكريم

الإطلاقات الواردة في الشرع الشريف قال فيها السلف الصالح: "تفسيرها قراءتها"، وقالوا: "أمروها كما جاءت بلا كيف"، وقال الإمام الشافعي: "آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله"، وقد أجمع المسلمون على نفي مشابهة الخالق للمخلوق فيها؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11]؛ فليس استواؤه سبحانه على العرش استقرارًا وتمكنًا ومماسة؛ لأن هذا من شأن المخلوقين، إنما هو قهر وسلطان وجبروت وعز، وليس نزوله سبحانه حركة ونقلة بل هو تجلٍّ وقبول واستجابة وقرب؛ ولذلك قال بعض السلف: ينزل أمره، وبعد نفي المشابهة التي أجمع المسلمون على أنها غير مرادة فإما أن يفوض الإنسان معنى ما ورد إلى الله تعالى، ويكل معرفته إلى الله، وإما أن يحملها على معانٍ صحيحة تحتملها اللغة، فالأول يميل إليه كلام السلف، والثاني يميل إليه كلام الخلف.

أما القول بأن الله على العرش بمعنى الاستقرار المكاني والمماسة وأنه يجلس على العرش جلوس الملوك على كراسيِّها وعروشها، وأنه لا يملؤه كله بل يبقى من العرش أربعة أصابع، وأن الله في مكان مخلوق أو أنه يشغل حيزًا، أو أنه ينزل إلى السماء نزول انتقال وحركة فيقطع بذلك مسافة معينة، ويكون تحت العرش بعد أن كان فوقه؛ فهذه كلها عقائد المشبهة، وهي عقائد فاسدة لا يقول بها مسلم، ولا دخل للإسلام بها من قريب أو بعيد.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا