ما هو الميقات المكاني لمن يحج عن المتوفى؟ فأنا مصري مقيم في الإمارات توفِّي لي قريب من مصر لم يحج عن نفسه مع استطاعته للحج، فهل يجب عليّ أن أحج عنه؟ وإذا كان يجب فما هو الميقات الواجب علي أن أحجّ منه؟
من استطاع الحجّ فلم يحج حتى مات وجب الإحجاج عنه من تركته، فعلى قريب المتوفى الإحجاج عنه من تركته؛ سواء بنفسه أو باستئجار من يقوم بذلك، أما عن ميقاته المكاني فالأولى أنه ميقات المنوب عنه لا النائب؛ خروجًا من الخلاف، فعليه الإحرام من ميقات أهل مصر، ونرى بخصوص حالة السائل أنه إذا شق عليه ذلك فالأمر فيه سعةٌ؛ فله أن يقلد المالكية فيُحرِم من ميقاته هو لا ميقات قريبه، وميقاته هو ميقات أهل نجد (قرن المنازل) ويسمى حاليًّا (السيل الكبير)، ولا يلزمه شيءٌ في هذه الحالة، ولا حرج عليه.
المحتويات
هذا السؤال من شقين: الأول: الحج عن الميت المستطيع. والثاني: ميقات من يحج عن غيره.
أما الأول: فقد أصدرت بخصوصه دارُ الإفتاء المصرية عدةَ فتاوى خلال السنوات السابقة، ومفادها: أن من استطاع الحجّ فلم يحج حتى مات وجب الإحجاج عنه من تركته؛ لما روي أن رجلًا قـال: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ» رواه النسائي.
فشبَّه الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم الحجَّ بالدَّين الذي لا يسقط بالموت، فوجب أن يتساويا في الحكم.
ويشترط فيمن يَحج عنه أن يكون قد حجّ عن نفسه؛ لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي -أَوْ: قَرِيبٌ لِي- قَالَ: «حَجَجْتَ عَـنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لا، قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان.
أما الثاني: فقد اختلف فقهاء المذاهب في ميقات النائب عن الغير في الحج، هل هو ميقات النائب أو المنوب عنه؛ فيرى الحنفية والحنابلة أن من حجّ عن غيره فإن ميقاته المكاني ميقات من يحج عنه، فلو أن كوفيًّا حَجَّ عن مصري فإن ميقاته ميقات أهل مصر لا العراق، واستدلوا على ذلك بأن الحج واجب على الميت من بلده، فوجب أن ينوب عنه منه؛ لأن القضاء يكون على وفق الأداء كقضاء الصلاة والصيام.
ويرى المالكية التفصيل، فإن عُيِّن للنائب موضع للإحرام بأن يحج من بلد كذا فعليه الالتزام بميقات هذا البلد ولو كان غير بلده أو بلد المتوفى، وإلا بأن لم يُعيَّن له موضع فالمعتمد عندهم أنه يحرم من بلد العقد -أي عقد الإجارة أو الوكالة-؛ فيحرم الوكيل من ميقاته هو.
أما الشافعية ففرقوا بين حجة الإسلام والتطوع، فقالوا بقول الحنفية والحنابلة في حجة الفرض، وبقول المالكية في حج التطوع.
وفيما يلي نصوص العلماء التي تبين ذلك:
يقول العلامة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (4/ 156، ط. دار الفكر): [وَإِذَا كَانَ أُمِرَ بِالْحَجِّ فَبَدَأَ وَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ كَانَ مُخَالِفًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنِ الْمَيِّتِ مِنَ الْمِيقَاتِ وَالْمُتَمَتِّعُ يَحُجُّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ فَكَانَ هَذَا غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَفَرٍ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا أَنْفَقَ فِي سَفَرٍ كَانَ عَامِلًا فِيهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ كَانَ لِلْعُمْرَةِ وَهُوَ فِي الْعُمْرَةِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ] اهـ.
ويقول العلامة ابن نجيم الحنفي في "الكنز" (3/ 66، ط. دار الكتاب الإسلامي) عند قول العلامة الزيلعي: [وَأَمَّا شَرَائِطُ جَوَازِ النِّيَابَةِ فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ عَاجِزًا... ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ رَحِمَهُ اللهُ الشَّيْخُ السِّنْدِيُّ فِي "مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ" أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْحَجِّ عَنِ الْآمِرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ فَلَوِ اعْتَمَرَ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا] اهـ.
ويقول العلامة عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (2/ 203، ط. دار الفكر، بيروت): [(كَمِيقَاتِ) بَلَدِ (الْمَيِّتِ) الْمُوصِي؛ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ إحْرَامُهُ مِنْهُ فِي إطْلَاقِ الْمُوصِي وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ مِيقَاتًا، وَسَوَاءٌ وَقَعَتِ الْإِجَارَةُ بِبَلَدِ الْمُوصِي أَوْ بِغَيْرِهَا هَذَا هُوَ الْمُرْتَضَيْ كَمَا فِي تت -أي التتائي- وَالْمَوَّاقِ وَالشَّيْخِ سَالِمٍ.
وَقَالَ الْحَطّ -أي الحطاب-: يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمَيِّتِ إنْ وَقَعَتِ الْإِجَارَةُ بِهِ، وَإِلَّا فَيُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَتِ الْإِجَارَةُ بِهِ، وَمَفْهُومُ الْمَيِّتِ أَنَّ مِيقَاتَ بَلَدِ الْمُسْتَأْجِرِ الْحَيِّ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُنْدَبُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ؛ قَالَهُ الْحَطَّابُ قَالَهُ عب -أي الشيخ عبد الباقي الزرقاني-.
قال الْبُنَانِيُّ: الَّذِي قَالَهُ الْحَطّ -أي الحطاب- مِنَ اعْتِبَارِ بَلَدِ الْعَقْدِ، قَالَهُ أَشْهَبُ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ؛ فَهُوَ أَقْوَى، وَمَا نَسَبَهُ لِلْحَطَّابِ آخِرًا لَيْسَ فِيهِ] اهـ.
ويقول العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (2/ 12، ط. دار الفكر): [(قَوْلُهُ: كَمِيقَاتِ الْمَيِّتِ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُوصِيَ إذَا عَيَّنَ مَوْضِعَ الْإِحْرَامِ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْأَجِيرُ فَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إحْرَامُهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ وَأَطْلَقَ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمَيِّتِ؛ سَوَاءٌ كَانَ الْأَجِيرُ مِنْ بِلَادِ الْمَيِّت، أَوْ مِنْ بِلَادٍ أُخْرَى لَهُمْ مِيقَاتٌ آخَرُ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوصِي مِصْرِيًّا وَالْأَجِيرُ مَدَنِيًّا، وَظَاهِرُهُ: مَاتَ الْمُوصِي بِبَلَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا؛ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ أَوِ الْإِجَارَةُ بِبَلَدِ الْمَيِّتِ أَوْ بِغَيْرِهَا كَالْمَدِينَةِ مَثَلًا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُعْتَبَرُ مِيقَاتُ بَلَدِ الْعَقْدِ؛ كَانَتْ بَلَدَ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرَهَا، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ] اهـ.
وقال الإمام الشمس الرملي الشافعي في "نهاية المحتاج" (6/ 89-90، ط. دار الفكر): [(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِحَجِّ تَطَوُّعٍ)... (فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى جَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَهُوَ الْأَظْهَر... (وَيَحُجُّ مِنْ بَلَدِهِ أَوِ الْمِيقَاتِ) أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا إنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنَ الْمِيقَاتِ (كَمَا قُيِّدَ) عَمَلًا بِوَصِيَّتِهِ... (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْوَصِيَّةَ (فَمِنَ الْمِيقَاتِ) يُحَجُّ عَنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَات... (وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ) وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا تُحْسَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) كَسَائِرِ الدُّيُون... (وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَقِيلَ مِنَ الثُّلُثِ)... (وَيُحَجُّ) عَنْهُ (مِنَ الْمِيقَاتِ)؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ] اهـ.
وفي "الإنصاف" للعلامة المرداوي الحنبلي (3/ 409، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ: أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ) بِلَا نِزَاعٍ، وَسَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ لَا، وَيَكُونُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ] اهـ.
على ما ذكر: فعلى قريب المتوفى الإحجاج عنه من تركته؛ سواء بنفسه أو باستئجار من يقوم بذلك، أما عن ميقاته المكاني فالأولى أنه ميقات المنوب عنه لا النائب؛ خروجًا من الخلاف، فعليه الإحرام من ميقات أهل مصر، ونرى بخصوص حالة السائل أنه إذا شق عليه ذلك فالأمر فيه سعةٌ؛ فله أن يقلد المالكية فيُحرِم من ميقاته هو لا ميقات قريبه، وميقاته هو ميقات أهل نجد (قرن المنازل) ويسمى حاليًّا (السيل الكبير)، ولا يلزمه شيءٌ في هذه الحالة، ولا حرج عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز للحاج أن يدفع من المزدلفة إلى مكة لطواف الإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة؟
ما حكم ذبح دم الفدية خارج الحرم؟ حيث عزم أحدُ الأشخاص على الحجَّ هذا العام، والسؤال: إذا وجب عليه دمُ الفدية بسبب ارتكاب محظورٍ من محظورات الإحرام، أو ترك واجب من واجبات الحج؛ هل يجوز ذبحه خارج الحرم، وفي بلده تحديدًا؟
قمنا بعون الله بأداء فريضة الحج العام الماضي، وطبقًا لبرنامج شركة السياحة في أداء المناسك كان رجم إبليس كالتالي:
بعد المزدلفة توجهنا لعمل طواف الإفاضة ثم رجم إبليس ثم الحلق.
تمت الرجمة الثانية بعد زوال شمس أول يوم تشريق.
تمت الرجمة الثالثة بعد منتصف ليلة ثاني أيام التشريق بعد تأكيد تام من الشركة على صحة الرجم بعد منتصف الليل رغم عدم اتفاق ذلك مع مكتب الإرشاد السعودي.
توجهنا بعد ذلك قبيل الفجر لعمل طواف الوداع وغادرنا صباحًا إلى جدة ثم القاهرة.
هل صحت هذه الخطوات؟ وهل هناك بالفعل فتوى بسلامة الرجم بعد منتصف الليل؟ وباختصار هل الحجة صحيحة إن شاء الله أم يتوجب علينا أي شيء؟
ما حكم من لم يستطع أداء السعي حتى انتهت المناسك؟ فلي صديقٌ ذهب لأداء فريضة الحج، وقد انتهى مِن طواف الإفاضة، غير أنَّه لم يستطع أن يسعى بين الصفا والمروة، فماذا عليه أن يفعل؟ علمًا بأنه سيجلس في مكة مدة بعد الانتهاء من الحج.
متى تستحب التَّلبية في الحج؟ وما الأماكن التي تُقَال فيها؟
هل ما يُقَال من أنّ المتابعة بين العمرة والحج تنفي الفقر والذنوب صحيح؟