حكم تخصيص برنامج لتفسير الرؤى والأحلام

حكم تخصيص برنامج لتفسير الرؤى والأحلام

ما حكم تخصيص برنامج لتفسير الرؤى والأحلام؛ فأنا مدير عام المركز المصري للخدمات الإعلامية، والمركز يعتزم التعاقد مع الشركة المصرية للاتصالات وذلك لتقديم خدمة التفسير الشرعي للرؤى والأحلام عن طريق أحد خطوط الخدمة الصوتية، وتعتمد هذه الخدمة على أن يتصل من يرغب في سماع التفسير الشرعي لرؤياه برقم الخط الهاتفي ويسجل رسالة صوتية بها تفاصيل الرؤيا، ثم يعاود الاتصال بعد مرور أربع وعشرين ساعة ليستمع إلى التفسير بصوت أحد علماء الأزهر الشريف، وقد وافق أحد علماء الأزهر الشريف أن يتولى الإشراف الشرعي والعلمي على هذا المشروع متطوعًا. فنرجو إبداء الرأي الشرعي في هذا المشروع.

تأويل الرؤى وتفسير المنامات ليس بمهنة ولا حرفة، بل هو من ميراث النبوة؛ يأخذ منه مَن شاء الله تعالى ما شاء أن يعطيه؛ فيَعرِف بعضًا ويَجهَل بعضًا، ويصيب مرة ويخطئ مرات، وليس هناك في الأزهر الشريف على مر عصوره تخصص في تفسير الرؤى، بل ولا في غير الأزهر من المعاهد العلمية الدينية المعتمدة على مستوى العالم الإسلامي، وإنما رأينا سلفنا الصالح يعقدون مجالس للتحديث ومجالس للفتيا ومجالس للقضاء ومجالس للذكر وأخرى للتعليم، وهم مع ذلك لم يعقدوا مجالس لتأويل الرؤى وتفسير المنامات، بل كان هذا يأتي عَرَضًا للتثبيت والتبشير والتحفيز.

التفاصيل ....

بحسب ما ورد في السؤال فإن المركز الذي يديره السائل يريد تقديم خدمة التفسير الشرعي للرؤى والأحلام، ونفيد السائل الكريم بأنه ليس هناك تفسير شرعي للمنامات وتفسير آخر غير شرعي، كما أنه ورد في السؤال أن الإجابة ستَرِد على الهاتف مسجلة بصوت أحد علماء الأزهر الشريف، وأن ذلك المشروع سيكون تحت إشراف أحد علمائه أيضًا، فنفيد أيضًا بأن نسبة هذا المشروع إلى الأزهر تأويلًا للرؤى وإشرافًا على ذلك هي من الأمور غير المفهومة ولا المبرَّرة؛ لأنه ليس هناك في الأزهر الشريف القديم -أيام شيوخ الأعمدة- ولا في الأزهر الشريف الجديد -ممثلًا في جامعته العصرية- تخصص في تفسير الرؤى، بل ولا في غير الأزهر الشريف من المعاهد العلمية الدينية المعتمدة على مستوى العالم الإسلامي، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» رواه الشيخان عن أسماء رضي الله تعالى عنها.
وقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما": أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان يحدث أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني أرى الليلة في المنام ظُلّة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم، فالمستكثر والمستقل، وأرى سَبَبًا واصلًا من السماء إلى الأرض، فأراك أخذتَ به فعلوتَ، ثم أخذ به رجل من بعدك فَعَلَا، ثم أخذ به رجل آخر فَعَلَا، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع به، ثم وُصِل له فَعَلَا. قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله -بأبي أنت- والله لَتَدَعني فلأَعبُرنها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اعبُرها». قال أبو بكر: أما الظلّة فظلّة الإسلام، وأما الذي يَنطِف من السمن والعسل فالقرآن: حلاوته ولِينه، وأما ما يتكفف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقلّ، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحقّ الذي أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله به، ثم يأخذ به رجل مِن بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يُوصَل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله -بأبي أنت- أصبتُ أم أخطأتُ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا». قال: فوالله يا رسول الله لتُحَدِّثَنِّي ما الذي أخطأتُ؟ قال: «لَا تُقسِم».

ولقد رأينا سلفنا الصالح يعقدون مجالس للتحديث ومجالس للفتيا ومجالس للقضاء ومجالس للذكر وأخرى للتعليم، ولكن أبدًا ما وجدناهم يعقدون مجالس لتأويل الرؤى وتفسير المنامات، بل كان هذا يأتي عَرَضًا، ولم يصل إلينا أن المسلمين الأوائل كانوا يتوقفون في أعمالهم وحركة حياتهم على الرؤيا وتفسيرها، ولا يضعون لها هذا الحجم الذي نراه الآن ونشاهده حولنا في الفضائيات وبعض وسائل الإعلام، بل كان جُلُّه يكون تثبيتًا وتبشيرًا وتحفيزًا لصاحبها ولمن حوله؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 27]، وقال سبحانه: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ﴾ [الأنفال: 43]، فكانتا رؤيَيَين لتثبيت المؤمنين حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يرد على ذلك أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان أحيانًا -وخاصة بعد صلاة الفجر- يسأل صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم عمن رأى منهم رؤيا، فيعبرها صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وكان يقول: «الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ» رواه الشيخان وغيرهما عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه؛ لأن هذا وأمثاله يؤخذ منه أن الرؤيا حق، وأن منها ما يكون من الله تعالى بشرى أو نِذارة أو غير ذلك، وأن منها ما يكون تثبيتًا لصاحبها أو لمن حوله أو لجماعة المسلمين، ومنها ما يكون لبيان كرامة للرائي أو للمؤوِّل، ومنها ما يكون لعدد مما مرَّ، وكأننا برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو يُخَطِّئُ أبا بكر رضي الله تعالى عنه -وهو مَن هو سابقةً وصدقًا وإيمانًا- ويأبى أن يَبَرّ قَسَمَه بتصحيح ما أخطأ فيه؛ كأننا به صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يمنع التماديَ في ذلك والاسترسال فيه واحترافَه والجرأةَ عليه والتصدرَ له، ولم نسمع -مثلًا- أن عمر رضي الله تعالى عنه -وهو الملهَم المحدَّث الذي قال عنه رسولنا الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِى أُمَّتِى أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ» رواه البخاري عن أبي هريرة ورواه مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنهما- لم نجده يؤول من الرؤى إلا النزر اليسير، ووجدنا أن رؤيا ملك مصر التي قصها القرآن الكريم قد فشلت حاشيته ورجالاتُه في تأويلها، والمفترض أن بينهم العلماء والخبراء في كل متاحٍ من العلوم، بل ومِن فشلهم كذبوا فنَعَتُوها بأنها أضغاث أحلام، مما يدل على أن تأويل الرؤى ليس مهنة، وليس حرفة، بل هو من ميراث النبوة، يأخذ منه مَن شاء الله تعالى ما شاء أن يعطيه، فيَعرِف بعضًا ويَجهَل بعضًا، ويصيب تارة ويخطئ تارات، وقد قال ابن عبد البر في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (1/ 288): [قيل لمالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال: أبالنبوة يُلعَب!] اهـ.

والذي يعمد إلى كتب السنة المشرفة وما فيها من أبواب عُقِدت للرؤيا محتجًّا بها على جواز هذا الإسراف الذي نراه هنا وهناك في تأويل الرؤى وتفسير المنامات، إنما يستعمل الحق في تحصيل الباطل؛ فإن الأحاديث والآثار في ذلك صحيحةٌ في معظمها، حَقٌّ في مضمونها، ولكنها أخبار خاصة لم تَرِد لتكون عمومات، ولم يفهمها السلف الصالح على أنها بابٌ للتعميم والاطراد، فلم ينتهجوا النهج الذي انتحاه بعضهم في الفضائيات في الآونة الأخيرة، حتى أَثَّر ذلك سلبًا على الجمهور، وعطّل مسيرتهم، وأربك وعيهم، وهو ما نَربأ بمحبي الخير والمعروف أن يُوقِعُوا فيه العامة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا