تحديد مبلغ الربح في المضاربة

تحديد مبلغ الربح في المضاربة

يعطي رجلٌ لآخر مبلغًا من المال على سبيل الاستثمار ليعمل به في تجارته، ويحدد له التاجر مبلغًا ثابتًا منسوبًا إلى رأس المال، وليس إلى الأرباح؛ كأن يكون 70 جنيهًا في كل ألف، مع تحمُّل التاجر للخسارة إن حدثت، وذلك بالتراضي بينهما. فهل هذا حلالٌ أم حرام؟
 

المعاملة الواردة في السؤال هي مضاربةٌ فاسدةٌ شرعًا، يحرمُ إنشاؤها والمضِيُّ فيها، كما أنها تخالفُ كذلك أحكامَ القانون المصري الذي يحظرُ على غير الشركات المساهمة تلَقِّي الأموال للاستثمار.
ويُنصح مَنْ وَقَعَ في هذه المعاملة بتحويلها إلى عقد إجارة؛ وذلك بأن يأخذ العاملُ أجرةً على عمله الفترة التي عملها وفقَ المتعارف عليه لمثلهِ في مثل المال المضارَب به. 

التفاصيل ....

المعاملات الجارية بين الناس يراعى فيها ابتداءً تحقُّقُ شروط العقود عامة؛ من أهلية المتعاقدين، وحصول الرضا بينهما، وانتفاء الغرر، وكذلك خلو المعاملة من الشروط الممنوعة شرعًا، وقد جاء في الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الدارقطني والبيهقي في "السنن الكبرى".
ومن مقاصدِ الشرع الشريف التي نصَّ عليها أئمَّةُ الأصول؛ حفْظُ المال؛ قال الإمام القرافي في "الفروق" (3/ 249، ط. عالم الكتب): [ومقصود الشرع حفْظُ المال عن الضياع] اهـ.
وعليه فكلُّ معاملةٍ مالية لا بدَّ فيها من أن تكونَ موافقةً في الجملة للشرع الشريف بموافقتها لمقصد حفظ المال؛ بأن توافقَ الشروطَ الشرعيةَ للتعاقد، ولا تشتمل على أي شرط يخالفُ القواعدَ والمقاصدَ الشرعية.
وبالنظر في المعاملة محل السؤال يتبيَّن وجود العناصر التالية:
أولًا: إعطاء مال لمن يعمل بالتجارة لاستثماره.
ثانيًا: اشتراط أخْذِ نسبةٍ ثابتةٍ من رأس المال وليس الربح.
ثالثًا: تحمُّل التاجر الخسارة وحدَه دون رب المال.
وأقرب العقود التي يمكن حمل هذه المعاملة عليها هي أنها من باب المضاربة، وهذا العقد في أصله مشروعٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ [المزمل: 20]. فقد أفادت الآية أنَّ المضاربة نوعٌ من ابتغاء فضل الله؛ لأن المضارب يضرب الأرض يبتغي بسعيه فضل الله عز وجل، ولقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ [الجمعة: 10]. فالمقصودون بالانتشار في الأرض هم المتاجرون فيها طلبًا للرزق وسعيًا عليه، والذي أشارت إليه الآية بأنه فضل الله.
ولما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثَلَاثٌ فِيهِنَّ الْبَرَكَةُ: الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ، وَالْمُقَارَضَةُ، وَأَخْلَاطُ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ لِلْبَيْتِ لَا لِلْبَيْعِ» رواه ابن ماجه في "سننه" فالحديث ظاهر الدلالة على مشروعية المضاربة وحلول البركة فيها.
وقد تعامل بها المسلمون من لدن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وقتنا هذا من غير نكيرٍ، فدلَّ هذا على انعقادِ الإجماعِ على مشروعيتها، ولحاجة الناس إلى ذلك؛ لأنَّ منهم الغنيَّ الذي لا يجيدُ التصرُّف في أمواله، والفقيرَ الذكي العارفَ بأنواع التجارات، فمسَّت الحاجةُ إلى شرعيته تحصيلًا لمصلحتها.
والمضاربة في الاصطلاح عرفها العلامة الحصكفي من الحنفية في "الدر المختار" (5/ 645، ط. دار الفكر) بأنها: [عقد على شركة في الربح بمال من جانب وعمل من جانب آخر] اهـ.
وعرَّفها العلامة خليل من المالكية في "مختصره" (ص: 198، ط. دار الحديث) بأنها: [توكيلٌ على تَجْرٍ بنَقْدٍ مضروب مُسَلَّم بجزء من ربحه إن عُلِمَ قدْرُهما] اهـ.
وعرَّفها الشيخ زكريا الأنصاري من الشافعية في "أسنى المطالب" (2/ 380، ط. دار الكتاب الإسلامي) بأنها: [عقدٌ يتضمَّن دَفْعَ مالٍ لآخرَ ليتَّجِرَ فيه، والربحُ بينهما] اهـ.
وعرَّفها العلامة ابن النجار الحنبلي في "منتهى الإرادات" (3/ 20، ط. مؤسسة الرسالة) بأنها: [دَفْعُ مالٍ وما في معناه مُعيَّنٍ معلومٍ قدْرُه إلى من يتَّجِرُ فيه بجزء معلوم من ربحه] اهـ.
وعلى هذا فالصورةُ الواردةُ في السؤال تعدُّ مضاربةً فاسدة، وسبب الفساد اشتراطُ جزءٍ معلومٍ من رأس المال وليس نسبةً من الربح لعدم التحقق من الاستمرار في ربح مثل هذا المقدار، ولأن عقد المضاربة من أحكامه الاشتراك في الربح؛ فرَبُّ المالِ يحصلُ على جزء معلوم من الربح إن كان ثَمَّ رِبْحٌ، لا جزء معلوم من رأس المال، ولا جزء مقطوع عن الربح، وإلا عدَّ الفقهاء ذلك فسادًا في عقد المضاربة.
قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (22/ 27، ط. دار المعرفة): [ولو اشترطا لرب المال من الربح مائة درهم والباقي للمضارِب، فهذه مضاربةٌ فاسدةٌ؛ لأن هذا الشرط يؤدي إلى قطع الشركة في الربح مع حصوله، فربما لا يحصل إلا قدر المائة] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (5/ 51، ط. مكتبة القاهرة) في سياقِ ذِكْرِه جملةَ ما تفسدُ به المضاربة: [ما يعود بجهالة الربح مثل أن يشترط للمضارب جزءًا من الربح مجهولًا، أو ربح أحد الكسبين] اهـ. ثم قال: [أو يشترط لأحدهما دراهم معلومة بجميع حقه أو ببعضه، أو يشترط جزءًا من الربح لأجنبي، فهذه شروطٌ فاسدةٌ؛ لأنها تُفْضِي إلى جهلِ حقِّ كلِّ واحد منهما من الربح، أو إلى فواته بالكلية، ومن شرط المضاربة كونُ الربحِ معلومًا] اهـ.
أما لو كان التحديد بنسبة من الربح فيجوز؛ قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (22/ 23، ط. دار المعرفة): [ولو دفع إليه ألف درهم مضاربة على أن ما رزق الله في ذلك من شيء فللمضارب ربح نصف المال أو قال: ربح عشر المال، أو قال: ربح مائة درهم من رأس المال فهذه مضاربة جائزة؛ لأن في هذا المعنى اشتراطَ جزء شائع من الربح للمضارب؛ إذ لا فرق بين أن يشترط له عشر الربح وبين أن يشترط له ربح عشر المال ولا أجر للمضارب في عمله هنا إن لم يحصل الربح؛ لأن عند صحة المضاربة هو شريك في الربح، فإذا لم يحصل الربح لم يستحق شيئا لانعدام محل حقه.. وإذا دفع إليه ألف درهم فقال: خذ هذه الألف مضاربة بالثلث، أو قال: بالخمس، أو قال: بالثلثين، فأخذها وعمل بها فهي مضاربة جائزة] اهـ.
هذا من جهة فساد شرط تعيين نسبة من رأس المال في المضاربة.
أما من جهة تبرُّع المضارب بتحمُّل الخسارة والتراضي على هذا، فإنَّ من شروطِ صحَّة عقدِ المضاربة أن تكونَ الوضيعة -أي الخسارة- على رأس المال، فما يحدث من نقص في رأس المال من غير تقصير العامل أو تعديه، فإنه يكونُ على رب المال، فلا يتحمَّل المضاربُ شيئًا من الخسارة لأنه شارك بعمله، فخسارته تكون بذهاب نفع بدنه إذا لم يحدث نماء في رأس المال، ولا يجوز أن يشترط في العقد خلاف هذا، كأن يشترط صاحب المال أنه متى طلب ماله أخذه كاملًا بدون نقص أو زيادة؛ بل الواجبُ في حالة طَلَبِه رأْسَ مالِه أن تصفى الشركة، فإن كان هناك ربحٌ أَخَذَ نسبته منه، وإن كان هناك خسارة كانت على رأس المال.
وقد ذهب الجمهور من الحنفية وبعض المالكيَّة والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز تحمُّل المضاربِ الخسارةَ وحدَه؛ لمنافاته لمقتضى عقد المضاربة.
جاء في "اللباب في شرح الكتاب" (2/ 137، ط. المكتبة العلمية): [وما هلك من مال المضاربة فهو من الربح دون رأس المال؛ لأن الربح اسم للزيادة على رأس المال، فلا بدَّ من تعيينِ رأسِ المال حتى تظهر الزيادة، وإذا زاد الهالك على الربح فلا ضمانَ على المضارب فيه؛ لأنه أمين] اهـ.
وجاء في "أسهل المدارك" (2/ 350، ط. دار الفكر): [(ويلزم بشغله المال، وهو أمين ما لم يتَعَدَّ) يعني: يلزم عامل القراض بشغله المال بأن تهيأ بشراء السلع بالمال، وهو أمين. قال الدردير: والعامل أمين.. والتلف والخسارة من ربه. واشتراطه على العامل مفسد، كتأجيله، وقصره على ما لا يغلب وجوده وقراضه بعروض. يعني إن وقع التَّلف والخسارة في مال القراض. وذلك على رب المال. قال ابن جزي: والخسران والضياع على رب المال دون العامل، إلا أن يكون منه تفريط] اهـ.
هذا وقد استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه من عدم جواز تبرع المضارب بتحمُّل الخسارة التي لحقت برأس المال بما رواه الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها في قصة عتق بريرة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ»، وفي رواية: «مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِى كِتَابِ اللهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ» فالحديث نصٌّ في إبطال كل شرط ليس في كتاب الله، واشتراط الضمان على الأمين شرط ليس في كتاب الله؛ أي في حكمه.
واستدلوا أيضًا بأن يدَ المضارب يدُ أمانةٍ، واشتراط الضمان على الأمين باطلٌ؛ لأنه شرط يخالف مقتضى العقد، واشتراطُ ما يخالفُ مقتضى العقد يفسدُه تمامًا؛ كما لو اشترط عليه في البيع ألَّا يتصرَّف فيه، وفي النكاح ألَّا يدخل بها!!
قال القاضي عبد الوهاب المالكي في "الإشراف": (2/ 646، ط. دار ابن حزم، بتصرف): [إذا شرط ربُّ المال على العامل الضمان فالقراضُ فاسدٌ.. لأن موضوعه على الأمانة، فإذا شرط فيه الضمان فقد عقد على خلاف موضوعه، فوجب أن يفسد] اهـ.
وقال العلامة الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (7/ 332، ط. دار الكتب العلمية): [لو شَرَطَا في عقد القراض تحمُّل العامل للخُسران كان القراض باطلًا؛ لاشتراطهما خلاف موجبه] اهـ.
واستدلوا أيضًا بأن العبرة في العقود بمعانيها وليس بألفاظها، وإذا اشترط ضمان رأس المال على المضارب، تحوَّل المال المدفوع إلى قرض مضمون، فإن دفع المستقرض جزءًا من ربح المال كان قرضًا جرَّ نفعًا، وإن لم يدفع إلى المقرض فوائد باعتبار أنه قد خسر، أو لم يربح، كان المقرض قد رجع إليه رأس ماله، فما الفرقُ بين رجل قال لآخر: أقرضني مالًا وإن ربحتُ أعطيتُك نسبةً من الربح، وهذا بالإجماع محرَّم، ولا يختلف العلماء كافة في تحريمه، وبين أن يقول: أعطني مالًا مقارضة، وأنا أضمن لك رأس المال، وإن ربحتُ أعطيتُك نسبةً منه؟ فلا يوجد في الحقيقة بين العقدين أيُّ فرق جوهري. والشارعُ حريصٌ على سد جميعِ الأبواب التي تؤدي إلى الوقوعِ في الربا أو تكون ذريعةً إلى الوقوع فيه.
كما أنَّ تلقي المال للاتجار فيه وفق معطيات السؤال مما يجوز للشخصية الاعتبارية ولا يجوز للشخصية الفردية؛ وذلك لأن الشخصية الاعتبارية المتمثلة في الدولة والهيئات والجمعيات العامة الرسمية لها من الأحكام ما يختلف عن أحكام الشخصية الطبيعية، حيث اعتبر الفقهاء أربع جهات لتغير الأحكام؛ منها تغير الحكم لتغير الأشخاص، فأقروا مثلًا عدم وجوب الزكاة على مال الوقف والمسجد وبيت المال، وكذا جواز استقراض الوقف بالربح عند الحاجة إلى ذلك.
بالإضافة إلى أن القانون المصري حظر على الأفراد جمع الأموال من غيرهم من أجل استثمارها أو توظيفها؛ حيث نصت المادة الأولى من القانون رقم 146 لسنة 1988م على أنه: [لا يجوز لغير شركة المساهمة التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام والمقيدة في السجل المعد لذلك بالهيئة أن تتلقى أموالًا من الجمهور بأية عملة وبأية وسيلة وتحت أي مسمى لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها سواء أكان هذا الغرض صريحًا أو مستترًا. كما يحظر على غير هذه الشركات توجيه دعوة للجمهور بأية وسيلة مباشرة أو غير مباشرة للاكتتاب العام أو لجمع هذه الأموال لتوظيفها أو استثمارها أو المشاركة بها] اهـ.
فهذا النصُّ يحدد كيف أنَّ الدولة حدَّدت على سبيل الحصر من يُسمح له بتلقي الأموال من الجمهور، كما رتَّب عقوبة على كل من يخالف أحكام هذا القانون بالحبس والغرامة وفقَ تفاصيلِ المخالفات المرتكَبة، وعليه فكلُّ تلَقٍّ للأموال على خلاف أحكام هذا القانون يعَدُّ مخالفة لولي الأمر الذي نظَّم التعاملات في هذا الباب بشكل مفصل؛ حفظًا لأموال الناس من الضياع.
وبالتالي فهذه المعاملة المسؤول عنها وفق أحكام هذا القانون رقم 146 لسنة 1988 تكون غيرَ جائزةٍ؛ بل وتستوجب التعزيرَ من ولي الأمر؛ لانتهاك أحكام القانون.
وسبب مَنْع ولي الأمر غير الشركات المساهمة من تلقي الأموال أنَّ شركة الأشخاص لا يلتزم الشركاء فيها تجاه المتعاملين مع الشركة إلا في حدود حصصهم في الشركة، وهو ما يؤدي لعدم ضمان مال المتعاملين مع الشركة في هذه الحالة إلا في حدود معينة، وهو ما يتعارضُ مع مقصد حفْظِ المال الذي يتوجَّب على المفتي أن يراعِيَه.
وعليه -وبخصوص السؤال- فلا يجوزُ في حالة شركات الأفراد تلقي الأموال من الغير لاستثمارها؛ لأنَّ هذه المعاملة لا تجوزُ من الناحية الشرعية؛ لعدم ضمان ما زاد عن حصص الشركاء، فالاتفاقُ الذي أبرم يُلزِم التاجر بِرَدِّ رأس المال ونسبة منه، مع تحمُّله الخسارة، وهو ما يجعل ذلك في ذمته لا في مال الشركة، مما يجعل هناك غررًا واضحًا؛ لاحتمالِ عدمِ قدرةِ التاجرِ على سداد ما التزم به، مما يحرم هذه المعاملة، بالإضافة إلى أنها تخالفُ أحكام القانون الذي يحظرُ على تلك الشركات أخْذ أموال الغير للاستثمار وغيره.
لكن إذا تمَّت المعاملة على الوجه المذكور، وحصل الاتجار بالفعل، فما المخرج الشرعي من هذه المعاملة مع القول بعدم جوازها ابتداءً وعدم جواز المضي فيها لفسادها؟
المخرج من عقد المضاربة الفاسد هو تحويلُه لعقد إجارة؛ فيأخذ العاملُ أجرةً على عمله الفترة التي عملها وفقَ المتعارف عليه لمثله في مثل ذلك المال؛ منعًا من ضياع جهد ذلك العامل الذي عمل في مال المالك.
قال الإمام البرهان البيجوري الشافعي في "حاشيته على شرح ابن قاسم" (2/ 23 ط. مصطفى الحلبي): [ومتى فسد القراض استحق العاملُ أجرةَ المثل ولو علم الفساد؛ لأنه لم يعمل مجانًا، وقد فاته المسمى، فيرجع لأجرة المثل] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (5/ 52) في حكم المضاربة الفاسدة: [إن الربح جميعَه لرب المال؛ لأنه نماء ماله، وإنما يستحق العامل بالشرط، فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئًا، ولكن له أجر مثله. نص عليه أحمد، وهو مذهب الشافعي] اهـ.
فتبيَّن من ذلك أننا إذا سلكنا في التكييف لهذه المعاملة مَسْلَكَ المضاربةِ الفاسدة، فإنَّ الخروجَ منها يكونُ عن طريق أن يحصلَ مالكُ المال على ماله وربحه، ثم يُعطَى العاملُ في هذا المال أجرةَ المثل.
وبناءً على ذلك: فإنَّ هذه المعاملة هي مضاربةٌ فاسدةٌ، يحرمُ إنشاؤها والمضِيُّ فيها، وهي تخالفُ كذلك أحكامَ القانون المصري الذي يحظرُ على غير الشركات المساهمة تلَقِّي الأموال للاستثمار، ويُنصح مَنْ وَقَعَ في هذه المعاملة بتحويل العقد لعقد إجارة؛ تصحيحًا لهذا العقد الفاسد، وخروجًا من الحرمة؛ وذلك بأن يأخذ العاملُ أجرةً على عمله الفترة التي عملها وفقَ المتعارف عليه لمثله في مثل المال المضارَب به.
والله سبحانه وتعالى أعلم. 

اقرأ أيضا