الطلب المُقدَّم من السيد وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية عن مركز قويسنا منوفية، والمتضمن: نرجو من فضيلتكم التكرم بإصدار فتوى شرعية مُوثَّقة بخصوص رغبة بعض الأهالي مِن قرية (ميت القصري) مركز قويسنا؛ أصحاب الأفكار المتطرفة، بهدم ونقل ضريح أولياء الله الصالحين (السادة القَصاروة)، بحجة توسعة المسجد، في حين أن الضريح ملاصقٌ للمسجد وبجدرانٍ منعزلة عن المسجد، فقاموا بهدم الغرفة الخارجية للضريح تمهيدًا لإزالة الضريح نفسه أو دفنه في الأرض وعمل سيراميك والصلاة عليه؟!
ومرفق لسيادتكم بعض المستندات الدالة على ذلك، مع التأكيد أن هذا العمل أشعل نار الفتنة بين الأهالي من مؤيِّدٍ ومعارض. وإن فتاواكم الكريمة سوف تطفئ نار هذه الفتنة وهذا الجدل وهذا الفكر الدخيل علينا في تحريم الصلاة بمسجد فيه أضرحة لأولياء الله الصالحين الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن وفي الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رواه البخاري.
جعلكم الله نصيرًا لأوليائه الصالحين، ولسيادتكم منا كل الاحترام والتبجيل.
وبالنظر في المرفقات بالطلب تبين لنا ما يأتي:
- تقدم أحد أهالي القرية، بطلب إلى أوقاف قويسنا لتوسعة مسجد السادة القَصاروة، وقد حصل على الموافقة من الوزارة بعمل التوسعة اللازمة على نفقته الخاصَّة وبجهوده الذاتية، وبالاطلاع على المستندات الخاصَّة بهذا الأمر وجدنا أنَّ:
• وزارة الأوقاف اشترطت أن يتم عمل التوسعة تحت إشراف المديرية وبالشروط المعتمدة وفق ما تم اعتماده من الرسومات وطبقًا للتراخيص الصادرة من الجهات المختصة؛ كما هو مُبيَّن من تصريح مدير عام المشروعات والتصميمات بالوزارة.
• لم يتعرَّض التصريح بذكر هدم الضريح أو نقله أو هدم الغرف المجاورة للضريح؛ بل هو تفويض من الأوقاف باسم المتبرع لعمل توسعة مسجد السادة القصاروة.
• أخذ المتبرع إقرارًا على نفسه بعدم المساس بالضريح وبالحفاظ عليه حسب التعليمات الواردة من الإدارة وكما هو مُبيَّن من خطاب القسم الهندسي بالوحدة المحلية بقرية (طَهْ شبرا) الموجَّه للسيد وكيل الوزارة رئيس مجلس ومدينة قويسنا.
- تمَّ تشكيل لجنة من إدارة أوقاف قويسنا مكوَّنة من خمسة أعضاء برئاسة مدير الأوقاف، بناءً على قرارٍ من مديرية أوقاف المنوفية، وانتقلت اللجنة للمسجد، وتبين من تقريرها المرفق ما يأتي:
أولًا: قام المتبرع بعمل التوسعة من الناحية القبلية الموجودة بين دورة مياه المسجد ومكان الوضوء، وبين جدار القبلة الموجود بالمسجد القديم، (مرفق رسم توضيحي لعملية التوسعة).
ثانيًا: بعد الانتهاء من أعمال التوسعة تبيَّن وجود ضريحين وسط المسجد، وغرفة خارج المسجد، وقد أقيم على الضريحين أقفاص حديدية للحفاظ عليهما.
ثالثًا: عند وجود اللجنة للمعاينة على الطبيعة حضر بعض رواد المسجد وانقسموا إلى فريقين:
الفريق الأول: يرى عدم المساس بالضريحين ويرغب في بناء غرفة خاصة بالضريحين وعمل باب خاص للدخول لزيارة الضريحين داخل التوسعة الجديدة.
الفريق الثاني: يرى نقل الأضرحة إلى غرفة خاصة موجودة بالفعل ملصقة بالمسجد والغرفة لها بابان: باب على الشارع الرئيسي، وباب جانبي للدخول منه للمسجد، وبهذا تتحقق الفائدة من عملية التوسعة للمسجد لوجود الأضرحة في الربع الأول من التوسعة الجديدة وسط المسجد.
خامسًا: توصي اللجنةُ بأن يقوم المتبرع بطلب إلى المجلس الأعلى للطرق الصوفية للبت في الضريحين من حيث النقل وعدمه، مع الاحتفاظ بالضريحين لحين إحضار رأي المجلس الأعلى للطرق الصوفية صراحة. كما توصي اللجنة الإدارة الهندسية بشبين الكوم بعدم إصدار أي قرار يخص الضريحين أو المسجد؛ سواء بهدم جدار القبلة الحائل بين الضريحين والمسجد القديم أو الجدار الغربي في التوسعة الجديدة، إلا بعد الانتهاء التام من جميع الأعمال المتعلقة بالمسجد وإحضار قرار المجلس الأعلى للطرق الصوفية.
- تقدَّم المتبرع بطلبٍ للمشيخة العامة للطرق الصوفية، يريد فيه الموافقة على إحلال وتجديد الضريحين الموجودين بمسجد السادة القَصاروة.
- وبعد ذلك تبين أنَّ المتبرع لم يعمل بمضمون تصريح وزارة الأوقاف بخصوص التوسعة؛ بل بدأ العمل في جهة الضريح وهي غير الجهة المُصرَّح بها من الأوقاف، وقام بهدم الغرفة الخارجية لضريح السادة القصاروة، وحجرة الضيافة الخاصَّة بالضريح، وأيضًا جدار القبلة، ثم قام ببناء ضريح صوري تمهيدًا لإزالة الضريح الحقيقي ودفنه في الأرض وعمل سيراميك للصلاة عليه، فقام أهل القرية بعمل محضرٍ في النيابة العامة وأمن الدولة، ثمَّ عمل شكوى لوزارة الأوقاف؛ فقامت اللجنة الهندسية بأوقاف قويسنا بتحرير محضرٍ بذلك، ثم أخذت الإدارة إقرارًا على المتبرع أن يُعيد بناء الغرفة الخاصة بالضريح مرةً أُخرى.
- أرسل وكيل مشيخة الطرق الصوفية بقويسنا خطابًا إلى الأمين العام للمشيخة العامة للطرق الصوفية، يُبيِّنُ فيه ما حدث من هدمٍ في المسجد، وأنَّ الأضرحة أصبحت عارية في ساحة المسجد، وذلك لأخذ اللازم والمحافظة على حرمة وقدسية أولياء الله الصالحين والتأدب معهم ظاهرًا وباطنًا.
- كما قام مدير إدارة أوقاف قويسنا بإخطار وكيل وزارة أوقاف المنوفية بخطابٍ محررٍ بأنَّ المتبرع ما زال يخالف التعليمات ويرفض تنفيذها، رغم الإقرارات المأخوذة عليه، ونحن نخلي مسؤولية إدارة أو قاف قويسنا والقسم الهندسي بها من أي تقصير تجاه هذا الأمر، والرجاء اتِّخاذ اللازم.
- وقد ردَّ الأمين العام للمشيخة العامة للطرق الصوفية على خطاب وكيل مشيخة طرق قويسنا بخطاب محررٍ يطلب منَّا فيه المُعاينة وأخذ التعهد الَّلازم على القائمين بعملية الإحلال والتجديد، والعمل وفق ما ورد بنصِّ الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية والتي انتهت إلى "أنَّ إزالة الضريح أو نقل رُفاته إلى مكانٍ آخر بالمسجد أو خارجه تحت أي دعوى، حتَّى لو كانت توسعة المسجد وتجديده هو أمرٌ مُحرَّمٌ شرعًا؛ لما فيه من الاعتداء السافر على حُرمة الأموات وسوء الأدب مع أولياء الله تعالى الصالحين رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الذين توعَّد الله مَن آذاهم بأنَّه قد آذنهم بالحرب، وقد أُمرنا بتوقيرهم وإجلالهم أحياءً وأمواتًا، ولا يجوز التوصل إلى فعل الخير بالباطل؛ بل يوسع المسجد ويُجدد ويبقى الضريح في مكانه، حتَّى لو أصبح في وسط المسجد، وتبقى القُبَّة على حالها، أو يُترك المسجد كما هو حتى يُقَيِّضَ الله تعالى له مَن يتولى توسعته مِن عباده المخلصين الذين يعرفون لأوليائه قدرهم وحرمتهم، والذين ينأون بأنفسهم عن التعدي على أضرحة الصالحين؛ لتتحقق إقامةُ المساجد على تقوى مِن الله تعالى ورضوان".
فيُحرَّر من المذكور -المتبرع- إقرار بالالتزام بذلك؛ فتتم أعمال الإحلال والتجديد في ضوء ما ورد بالفتوى، ويكون العمل تحت مُراقبة ومتابعة وكيل المشيخة المُختص لإخطارنا في حال وجود أي مُخالفة في التنفيذ لاتِّخاذ اللازم قانونًا والإفادة بما يتم.
- كما قام الأمين العام للمشيخة العامَّة للطرق الصوفية بإخطار وكيل وزارة الأوقاف مدير أوقاف قويسنا بالمنوفية بخطاب منه، بشأن الخطاب الموجه إليه من مشيخة الطرق الصوفية بقويسنا، ونبَّه على إعادة بناء حجرة ضريح السادة القصاروة وغرفة الزيارة الخاصة به تحت إشراف السيد وكيل مشيخة الطرق الصوفية بقويسنا، وفي ضوء ما ورد بفتوى سابقة لدار الإفتاء المصرية، والمرفق صورتها مع الأوراق.
- ثم قام الأمين العام لمشيخة الطرق الصوفية بإخطار وكيل الوزارة مدير أوقاف قويسنا بالمنوفية مرةً أخرى بخطابٍ يطلب فيه تنفيذ طلب الكتاب السابق بإعادة البناء، مع التنبيه المُشدَّد بعدم التدخل في أمر الأضرحة إطلاقًا إلَّا بعد الرجوع للمشيخة العامة للطرق الصوفية، والتكرم بالإفادة بما يتم لاتِّخاذ اللازم.
- وجرت عدَّة خطابات بعد ذلك بين الأمين العام للمشيخة العامة للطرق الصوفية، ووكيل مشيخة الطرق الصوفية بقويسنا تشدد الإنكار على ما حدث تجاه أضرحة مسجد السادة القصاروة، وتطلب تكاتف وزارة الأوقاف مع مشيخة الطرق الصوفية لمنع هذه الممارسات.
حكم توسعة مسجد السادة القصاروة بالتعدي على أضرحتهم
تقرَّر في أحكام الفقه أنَّ أماكن القبور مختصة بأصحابها؛ إما على جهة الملكية لهم قبل موتهم، أو الوقفية عليهم لدفنهم، ولا يجوز أن تُتَّخَذَ أماكن القبور لأي غرضٍ آخر، ولا يجوز التعرض لها بنبشٍ أو هدمٍ ولا التجاسر عليها ولا نزع ملكيتها بعد دفنهم فيها تحت أي مبرر كان، وكل ما ورد من تبريرات لهذه الجريمة لا يصح مسوغًا شرعيًّا لإزالة الضريحين ونقلهما أوتسويتهما والصلاة عليهما، لذلك يجب شرعًا إبقاء الضريحين في مكانهما على ما هما عليه دون التعرض لهما حتى لو أصبحا وسط المسجد، ولا يجوز أن يُثير ذلك إشكالًا أو شبهة أو نزاعًا؛ فقد أدخل الصحابة والسلف الصالح البقعة الشريفة التي فيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصاحباه رضي الله عنهما في مسجده الشريف عند توسعته، وذلك بإجماع فقهاء عصرهم من غير نكير، ولم يكن ذلك معوقًا لهم بحال، ولم يدَّع أحدٌ منهم هذه الدعاوى الكاسدة التي يدَّعيها المدَّعون المتهجمون على أضرحة أهل البيت وأولياء الله تعالى الصالحين، ولا يجوز السماح لأيِّ أحدٍ -كائنًا من كان- أن يتسلط على أضرحة الصالحين بالهدم والإزالة تحت دعوى توسعة المساجد؛ حتى تتحقق إقامةُ المساجد على تقوى مِن الله تعالى ورضوان.
التفاصيل ....المحتويات
حكم الالتزام بشرط الواقف
تقرَّر في أحكام الفقه أنَّ أماكن القبور مختصة بأصحابها؛ إما على جهة الملكية لهم قبل موتهم، أو الوقفية عليهم لدفنهم، ولا يجوز أن تُتَّخَذَ أماكن القبور لأي غرض آخر، ولا يجوز التعرض لها بنبش أو هدم ولا التجاسر عليها ولا نزع ملكيتها بعد دفنهم فيها، تحت أي مبرر كان؛ إذْ حرَّم الإسلام انتهاك حرمة الأموات؛ لأن حرمة الإنسان ميتًا كحرمته حيًّا، فإذا كانت هذه القبور أضرحةً لآل البيت والأولياء والصالحين، فإن حرمتَها حينئذ أعظم، والتعرض لها أشد جرمًا؛ فإنهم موضع نظر الله تعالى، ومن نالهم بسوء أو أذى فقد تعرض لحرب الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فإذا وُقِفَتْ عليهم ليدفنوا فيها صارت مُحَبَّسةً على ما أُوقِفَتْ له بأرضها وبنائها، ولا يجوز إخراجُها عن وقفيتها؛ لأنَّ "شرطَ الواقفِ كنصِّ الشارع"؛ أي: في وجوب العمل به وتنفيذه والتزامه، لا في شرفه ورتبه، فليس ككلام الشارع كلام:
قال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (1/ 163، ط. دار الكتب العلمية): [شرط الواقف يجب اتباعه؛ لقولهم: شرط الواقف كنص الشارع، أي: في وجوب العمل به، وفي المفهوم والدلالة] اهـ.
وقال الإمام المجتهد تقي الدين السبكي الشافعي في "الفتاوى" (2/ 13، ط. دار المعارف): [والفقهاء يقولون: شروط الواقف كنصوص الشارع، وأنا أقول من طريق الأدب: شروط الواقف من نصوص الشارع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ»، وإذا كانت مخالفة النص تقتضي نقض الحكم؛ فمخالفة شرط الواقف تقتضي نقض الحكم] اهـ.
توسعة مسجد السادة القصاروة بالتعدي على أضرحتهم
المسجد محل السؤال: معروف بمسجد السادة القَصاروة، وبه ضريحان معروفان لاثنين من أهل الصلاح والولاية لدى أهل القرية، وهما ضريحا: السيد حسن القصراوي، وزوجته السيدة معجبة القصراوي، وهما من نسل آل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
والأرض التي تضم المسجد والضريحين كانت ملكًا للسَّادة القَصاروة توارثوها أبًا عن جدٍّ؛ حيثُ آلت هذه الملكية لجدهم الكبير الشيخ محمد القُصَيري، أهداها له الوزير الأعظم المحتوي على المملكة عام 525هـ، وكانت نحوًا من تسعة وخمسين فدانًا مُفرَّقة، جزء منها ناحية شبرا، وآخر ناحية أشليم بجوار الشيخ العمري، وثالث ناحية أُجهور، كما نصَّ عليه الشيخ محمد القُصَيري في شجرة أنسابهم (ص: 5) -التي أطْلَعَنا الطالبُ على مخطوطةٍ لها-؛ حيث كتب الوزير له عقد هذه الأرض في قرطاسٍ وختمَ عليه، ونصَّ على أنها له ولذريته من بعده إلى نهاية الزمان.
والضريحان خاضعان للمجلس الأعلى للطرق الصوفية، طِبقًا لأحكام القانون 118 لسنة 1976م الخاص بنظام الطرق الصوفية ولائحته التنفيذية، فلا يجوز إجراء أي تصرفٍ يخصُّهما إلَّا بموافقة المجلس الأعلى؛ كما هو مبين في الخطاب المرفق، الموجَّه من الأمين العام للمشيخة العامة للطرق الصوفية، إلى وكيل وزارة الأوقاف ومدير أوقاف المنوفية.
وما دام مكان الضريحين ثابتًا فليس لأحد أن يتعرَّض لهما بنقلٍ أو هدمٍ ويهتك حُرمة من فيهما زاعمًا أنه يريد توسعة المسجد، وأنَّ الضريحين يعوقان عملية التوسعة؛ حيث إنَّ أرض المسجد وقفٌ للمسجد، وأرض الضريحين وقفٌ على أصحابهما، وكلاهما وقفان مشروعان صحيحان، فضلًا عن أن بين الضريحين والمسجد جدارًا عازلًا. فإذا أريد إدخال الضريحين للمسجد: كان ذلك مشروطًا ببقائهما على وقفيتهما، وإلَّا كان ضم أرضهما لأرض المسجد حينئذ تعديًا غير مشروع وعدوانًا وانتهاكًا لحق الغير، وليست التوسعة مبررًا لهدم الضريحين؛ فإن الحق لا يُتَوصَّل إليه بالباطل، بل يجب إبقاؤُهما على حالهما؛ إذ لا يجوز انتهاك حرمة الأموات بدعوى توسعة المساجد، والله تعالى لا يُتَقرَّب إليه بالاستيلاء على حقوق عباده، فضلًا عن انتهاك حرمة أوليائه وذرية نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن ذلك: ما قام به المتبرِّع مِن هدْم الغرفة الخارجية للضريح، وهدْم حجرة الضيافة الخاصَّة به، وهدْم جدار القبلة، وبناء ضريحٍ صوريٍّ للتغرير بأهالي القرية، والبحث عن الحيل لإزالة الضريح الحقيقي ودفنه في الأرض وعمل سيراميك للصلاة عليه؛ فإنها أفعالٌ محرَّمة شرعًا، ومجرَّمة قانونًا، ومخالفةٌ للوائح الرسمية، فضلًا عن أنها مخالفةٌ لِمَا تعهَّد به أمام الجهات المُختَّصة والمعنية بهذا الأمر:
فهو مخالفٌ للمنشور الصادر من معالي وكيل أوَّل الوزارة -رئيس قطاع المديريات- الذي تم تعميمه على جميع المديريات الإقليمية.
ومخالفٌ لتصريح وزارة الأوقاف بشأن توسعة المسجد؛ حيث نصَّ التصريح على أن تكون التوسعة من الجهات الأخرى غير الجهة التي بها الضريح، مع عدم المساس بالأضرحة الموجودة بالمسجد.
ومخالفٌ لِمَا قررته اللجنة الهندسية المُشكَّلة من إدارة أوقاف قويسنا برئاسة السيد مدير الإدارة، والقسم الهندسي بالوحدة المحلية بقرية (طَهْ شبرا) من إبقاء الضريحين على حالهما دون التعرض لهما، أو لجهتهما، دون أخذ الإجراءات القانونية بموافقة الجهات المُختَّصة بهدم الغُرَفِ من عدمه؛ كما هو مُثبت بخطاب القسم الهندسي بالوحدة المحلية، الموجَّه إلى السيد وكيل الوزارة؛ رئيس مجلس ومدينة قويسنا.
ومخالفٌ لقرار المشيخة العامة للطرق الصوفية، المتمثل في السيد الأمين العام للمشيخة والسيد وكيل المشيخة بقويسنا من عدم التعرُّض إطلاقًا لأضرحة السادة القصاروة التي تخضع لولاية المشيخة كما هو مبيَّن في مرفقات السؤال.
وهذا الاعتداء يُعَدُّ جريمةً في القانون المصري؛ على ما تنص عليه المادة (160) من قانون العقوبات: [يُعاقَب بالحبس مدةً لا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين: كلُّ مَن شوَّش على إقامة شعائرِ ملةٍ أو احتفالٍ ديني خاص بها أو عطَّلها بالعنف أو التهديد، وثانيًا: كلُّ مَن خرّب أو كسر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دين أو رموزًا أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس، وكذلك كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها] اهـ.
وكل ما سيق من تبريرات لهذه الجريمة لا يصح مسوغًا شرعيًّا لتسوية الضريحين وإزالتهما ونقلهما والصلاة عليهما، بل لا يعدو أن يكون شبهات واهية وأوهامًا باطلة لا يجوز الانسياق خلفها أو الاغترار بها؛ كدعوى أن هذا الفعل الأهوج يحقق الفائدة من عملية توسعة المسجد، فإن إرادة التوسعة لا تبرر الاستيلاء على حقوق الأحياء، فكذلك قبور الأموات؛ إذ شدَّدت الشريعةُ النهيَ عن انتهاك حرمة الأموات والتعرض لقبورهم، وأجمع على ذلك العلماء في كل عصر، وليس من شأن أهل العلم والفضل وأولياء الأمور أن يسيروا خلف كل مُدَّعٍ يريد تسوية ضريحٍ لولي صالح اشتهر قبره بدعوى توسعة المساجد وإقامة الشعائر، وإلا لصار الأمر تُكَأَةً وأُلْعوبةً لكل ناعق دعيٍّ أو باغٍ عادٍ يسول له شيطانه الأثيم التعديَ على أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين بمثل هذه الشُّبَه الفاسدة والأُغلوطات الكاسدة، بل ذلك من الإفساد في الأرض، والعدوان السافر على حرمات الأموات، واستنسار البغاث على أولياء الله الصالحين.
وقد أصدرت وزارة الأوقاف بيانًا عامًّا واضحًا ترفض فيه بشدَّةٍ التطاولَ على مقامات أولياء الله وأضرحتهم الشريفة بالنبش أو الهدم أو الحرق أو نحو ذلك؛ مما يسبب إيذاء مشاعر المسلمين المُحبِّين لأولياء الله تعالى والمُعظِّمين لهم، خاصة أهل مصر الذين حفظوا لآل البيت حقَّهم وحفظوا حُرمتهم.
الخلاصة
بناءً على ذلك: فيجب شرعًا إبقاء الضريحين في مكانهما على ما هما عليه دون التعرض لهما حتى لو أصبحا وسط المسجد، ولا يجوز أن يُثير ذلك إشكالًا أو شبهة أو نزاعًا؛ فقد أدخل الصحابة والسلف الصالح البقعة الشريفة التي فيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصاحباه رضي الله عنهما في مسجده الشريف عند توسعته، وذلك بإجماع فقهاء عصرهم من غير نكير، ولم يكن ذلك معوقًا لهم بحال، ولم يدَّع أحد منهم هذه الدعاوى الكاسدة التي يدَّعيها المدَّعون المتهجمون على أضرحة أهل البيت وأولياء الله تعالى الصالحين، ولا يجوز السماح لأي أحد -كائنًا من كان- أن يتسلط على أضرحة الصالحين بالهدم والإزالة تحت دعوى توسعة المساجد؛ حتى تتحقق إقامةُ المساجد على تقوى مِن الله تعالى ورضوان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.