حكم من صدم رجلا وتكفل بعلاجه ولكنه توفي فهل عليه دية؟

حكم من صدم رجلا وتكفل بعلاجه ولكنه توفي فهل عليه دية؟

ما حكم من صدم رجلا وتكفل بعلاجه ولكنه توفي؛ فقد كنت أسير بسيارتي بسرعة خمسة وستين كيلومترًا في الساعة في طريقٍ السرعة القصوى المسموح بالسير فيها هي تسعون كيلومترًا في الساعة، وفجأة ظهر أمامي رجل، فصدمته، ونقلته للمستشفى، ومكث فيها اثني عشر يومًا تكفلت فيها بعلاجه، فهل عليَّ دية؟

الصورة المسؤول عنها هي صورة القتل الخطأ، والدية واجبةٌ فيه شرعًا خمسة وثلاثين كيلوجرامًا وسبعمائة جرام من الفضة، تُعطى لأهل القتيل أو تُقَوَّم بسعر السوق طبقًا لقيمتها وقت بدء السداد، وتُدفَع مقسطة فيما لا يزيد على ثلاث سنوات، ويجوز دفعها مُنَجَّزة، وتتحملها عصبة القاتل، فإن لم تستطع فالقاتل، فإن لم يستطع فيجوز من غيرهم ولو من الزكاة، والتصالح فيها بالعفو أو بقبول قيمة أقل أمر مشروع.
هذا بافتراض عدم العمد من القاتل أو التربص منه بالقتيل، وبافتراض أنه لم يكن مرتكبًا لخطأ جسيم، وإلا لزم تدخل السلطة القضائية للحكم بما يكون مناسبًا لكل حالة فوق استحقاق للدية.

التفاصيل ....

المحتويات 

مفهوم القتل الخطأ وحكمه

إذا كان الحال كما ورد بالسؤال فإن الصورة المسؤول عنها هي صورة القتل الخطأ، والقتل الخطأ لا يُوصف بحِلّ ولا بحرمة؛ لأنه محض خطأ ممن وقع منه؛ وقد رفع الله تعالى الإثم عن المخطئ غير المتعمد، ولكن فيه الدية والكفارة؛ للعبادة في حق القاتل خطأً، وتعظيمًا لروح الآدمي المقتول، وتسليةً لأهله، وتضامنًا من عاقلة القاتل معه في جَبر أهل القتيل.

بيان المقصود بالدية وحكمها ومقدارها

الدية شرعًا هي: المال الواجب في النفس أو فيما دونها، والأصل في وجوبها قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: 92].

وقد بينتها السنة المطهرة فيما رواه النسائي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب كتابًا إلى أهل اليمن جاء فيه: «أَنّ مَن اعتَبَطَ مُؤمِنًا قَتلًا عن بَيِّنةٍ فإنَّه قَوَدٌ، إلا أَن يَرضى أَولِياءُ المَقتُولِ، وأَنّ في النَّفسِ الدِّيةَ مائةً مِن الإبِلِ..» إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وأَنّ الرَّجُلَ يُقتَلُ بالمَرأةِ، وعلى أَهلِ الذَّهَبِ ألف دِينارٍ».

وقد أجمعت الأمة على وجوبها، والدية الواجبة شرعًا في القتل الخطأ هي ألف دينار من الذهب، أو اثنا عشر ألف درهم من الفضة، وعلى الأخير الفتوى في عصرنا وبلدنا.

ودرهم الفضة عند الجمهور جرامان وتسعمائة وخمسة وسبعون جزءًا من الألف من الجرام، فيكون جملة ما هنالك خمسة وثلاثين كيلوجرامًا وسبعمائة جرام من الفضة، تُعطى لأهل القتيل أو تُقَوَّم بسعر السوق وتدفع لهم طبقًا لقيمتها وقت بدء السداد، وتتحملها عاقلة القاتل -أي عصبته-، وتُدفَع مقسطة فيما لا يزيد عن ثلاث سنوات، إلا إذا شاءت العاقلة دفعها مُنَجَّزة، فإن لم تستطع فالقاتل، فإن لم يستطع فيجوز أخذ الدية من غيرهم ولو من الزكاة.

حكم التصالح على الدية في القتل الخطأ

التصالح في أمر الدية بالعفو أو بقبول قيمة أقل أمر مشروع بنص القرآن الكريم، وقد فوَّض الشارع الحكيم لأهل القتيل التنازل عن الدية أو عن بعضها تخفيفًا عن القاتل إن لم يتيسر دفعها أصلًا أو دفعها كلها، ولا فرق في الدية بين أن يكون القاتل كبيرًا أو صغيرًا أو رجلًا أو امرأةً؛ لأن القتل متحقق في كل الأحوال.
وقبول الدية جائز شرعًا؛ لأنها حق لأهل القتيل فلهم قبولها أو التنازل عنها أو التصالح على جزء منها؛ يقول الله سبحانه: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَة﴾ [البقرة: 178].

الخلاصة

مع تكييف هذه المسألة الواردة إلينا على أنها قتل خطأ، إلا أننا ننبه على أن هذا بحسب الوارد إلينا بالسؤال؛ أي أنه بافتراض أنه ليس هناك تعمد من القاتل أو تربص منه بالقتيل، وعلى افتراض أنه لم يكن مرتكبًا لخطأ جسيم؛ ككونه يقود سيارته بسرعة كبيرة فوق المسموح مروريًّا؛ وإلا فإن الأمر يلزم منه تدخل السلطة القضائية للحكم عليه ولورثة القتيل بما يكون مناسبًا لكل حالة فوق استحقاقهم للدية.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا