ما الذي يجب فعله في الصلاة عند قدوم جنازة أثناء الصلاة على جنازة أخرى؟ فقد كنت أصلي في أحد المساجد، وبعد صلاة الفريضة حضرت جنازة، فَقُدمِت للصلاة، وتقدم بعض أقارب الميت للصلاة عليها؛ لعدم وجود الإمام الراتب في ذلك الوقت، وبعد التكبيرة الأولى حضرت جنازة أخرى ووضعت بجانب الجنازة الأولى، فكبر على الجنازة الثانية أربع تكبيرات لتمام الصلاة، وبذلك صار التكبير على الأولى خمس تكبيرات، ثم سلَّم الإمام، وبعد السلام اعترض بعض الناس على فعله، فما رأي الشرع في هذه الصلاة التي وقعت؟ ولكم جزيل الشكر.
الأصل أن تصلى صلاة الجنازة على كل متوفًّى بمفرده، وقد اتفق الفقهاء على جواز الصلاة على جنازات مجتمعة دفعة واحدة، أما إذا شرع الإمام في الصلاة على جنازة ثم جيء بأُخرى: فجمهور الفقهاء على أن يتم الصلاة على الأولى، ثم يشرع في الصلاة على غيرها، وذهب الحنابلة إلى جواز الصلاة عليها معها بعد الشروع في الأولى، إلى ثلاث جنائز على الجنازة الأولى، بحيث لا يزيد عدد التكبيرات عن سبع تكبيرات، وبحيث يكبر على كل جنازة منها أربعًا، وقد تقرر أنَّ أفعال المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم مهما أمكن ذلك.
المحتويات
الأصل أن تُصَلَّى صلاة الجنازة على كل متوفًّى مسلم أو متوفاة مسلمة، فإذا تعددت الجنازات فقد اتفق العلماء على جواز إفراد كل جنازة بالصلاة عليها، كما اتفقوا أيضًا على جواز الصلاة عليها مجتمعةً صلاةً واحدةً.
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 419، ط. مكتبة القاهرة): [فصل: ولا خلاف بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائز دفعة واحدة، وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز] اهـ.
واستدلوا على الصلاة عليها مجتمعة بما أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"، ومن طريقه النسائي في "السنن"، وابن الجارود في "المنتقى"، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ جَمِيعًا؛ فَجَعَلَ الرِّجَالُ يَلُونَ الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ يَلِينَ الْقِبْلَةَ، فَصَفَّهُنَّ صَفًّا وَاحِدًا، ووضعت جنازةُ أمِّ كلثوم بنت علي عليهما السلام، امرأةِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابنٍ لها يقال له: زيدٌ، وضعا جميعًا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص رضي الله عنه، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة رضي الله عنهم، فوُضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرتُ ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة رضي الله عنهم فقلت: ما هذا؟ قالوا: "هي السنة".
إذا شرع الإمام في الصلاة على جنازة ثم جيء بجنازة أخرى: فقد اختلف الفقهاء في الصلاة على الجنازة الثانية؛ هل يجمع بينهما الإمام في صلاة واحدة، أم يُتم الصلاة التي شرع فيها، ثم يصلي على الثانية؟
فجمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية على أنه يصلى على الجنازة الأولى، وبعد تمامها يصلى على الثانية، ولا يجمع بينهما؛ لأن النية انعقدت للصلاة على الأولى وحدها:
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (2/ 127، ط. دار المعرفة): [وإن صلى على جنازة فكبر تكبيرة ثم جيء بأخرى فوضعت إلى جنبها، فإن كبّر الثانية: ينوي الصلاة على الأولى، أو عليهما، أو لا نية له؟ فهو في الصلاة على الأولى على حالة يتمها، ثم يستقبل الصلاة على الجنازة الثانية؛ لأنه نوى ما هو موجود، وعند عدم النية يكون فعله مما هو مستحق عليه، والمستحق عليه إتمام الصلاة على الأولى، وإن كبّر ينوي الصلاة على الجنازة الثانية فهو رافض للأولى شارع في الصلاة على الجنازة الثانية؛ لأن الصلاة على كل جنازة فرض على حدة، ومن كان في فريضة فكبر ينوي فريضة أخرى كان رافضًا للأولى شارعًا في الثانية، فهذا مثله] اهـ.
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (2/ 467، ط. دار الغرب): [لا يدخل بالثانية في صلاة الأولى؛ لأنها لم تُنْوَ، ولو أتى بالثانية قبل إحرام الأولى ومن خلفه ينويهما] اهـ.
وقال العلامة الصاوي المالكي في حاشيته على "الشرح الصغير" (1/ 553، ط. دار المعارف): [فإذا كبّر على جنازة وطرأت جنازة أخرى فلا يشركها معها، بل يتمادى في صلاته على الأولى حتى يتمّها، ثم يبتدئ الصلاة على الثانية.
قال أبو الحسن: لأنه لا يخلو؛ إما أن يقطع الصلاة ويبتدئ عليهما جميعًا، وهذا لا يجوز؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33]، أو لا يقطع ويتمادى عليهما إلى أن يتمّ تكبير الأولى ويسلّم، وهذا يؤدي إلى أن يكبّر على الثانية أقل من أربع، أو يتمادى إلى أن يتمّ التكبير على الثانية، فيكون قد كبّر على الأولى أكثر من أربع، فلذا منع من إدخالها معها] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 227، ط. دار الفكر): [لو افتتح الإمام الصلاة على الجنازة ثم حضرت أخرى وهم في الصلاة: تركت حتى يفرغ من صلاته على الأولى ثم يصلّي على الثانية. قال الشافعي رحمه الله: ولا يعتدّ بالتكبير الذي كان قبل حضوره؛ لأنه لم ينو هذه الثانية، والله أعلم] اهـ.
ذهب الحنابلة إلى أن الإمام إذا كبَّر على جنازة فجيء بأخرى: كبر الثانية عليهما، وكذلك إن جيء بثالثة ورابعة، حتى ولو وصل عدد التكبيرات إلى سبع، ولا يزيد على ذلك حتى ترفع الجنازات، ثم يستأنف التكبير إن جاؤوا بأخرى:
قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 385): [قال أصحابنا: إذا كبر على جنازة ثم جيء بأخرى: كبر الثانية عليهما، وينويهما، فإن جيء بثالثة: كبر الثالثة عليهن، ونواهن، فإن جيء برابعة: كبر الرابعة عليهن، ونواهن، ثم يكمل التكبير عليهن إلى سبع، ليحصل للرابعة أربع تكبيرات؛ إذ لا يجوز النقصان منهن، ويحصل للأولى سبع، وهو أكثر ما ينتهي إليه التكبير، فإن جيء بخامسة: لم ينوها بالتكبير، وإن نواها: لم يجز؛ لأنه دائر بين أن يزيد على سبع أو ينقص في تكبيرها عن أربع، وكلاهما لا يجوز] اهـ.
وعلى ذلك: فالقول بجواز الصلاة على الجنازة بعد الشروع في غيرها يوافق مذهبًا من مذاهب الفقهاء المعتمدة، وقد نصَّ الفقهاء والأصوليون على أنَّ أفعال المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صحّ من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم مهما أمكن ذلك.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالأصل أن تصلى صلاة الجنازة على كل متوفًّى بمفرده، وقد اتفق الفقهاء على جواز الصلاة على جنازات مجتمعة دفعة واحدة، أما إذا شرع الإمام في الصلاة على جنازة ثم جيء بأُخرى: فجمهور الفقهاء على أن يتم الصلاة على الأولى، ثم يشرع في الصلاة على غيرها، وذهب الحنابلة إلى جواز الصلاة عليها معها بعد الشروع في الأولى، إلى ثلاث جنائز على الجنازة الأولى، بحيث لا يزيد عدد التكبيرات عن سبع تكبيرات، وبحيث يكبر على كل جنازة منها أربعًا، وقد تقرر أنَّ أفعال المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلّ أو بالصِّحة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز دفن الذكور مع الإناث في مقبرة واحدة إذا دعت الضرورة لذلك، وكيف يتم دفن امرأة مع رجل قد مات قبلها في نفس المقبرة؟
مَا حكم تقديم صلاة الجنازة على السنة الراتبة؟
ما هي مواصفات الكفن الشرعي للرجال والنساء؟ وما هو كفن الكفاية؟
ما حكم تطهير المقابر لإعادة الدفن فيها؟ فقد وَرَدَ إلينا طلب من أهالي قريةٍ يرغبون في تطهير مدافن المسلمين بقريتهم، وعندهم مقبرتان؛ إحداهما توقف الدفن فيها منذ أكثر مِن مائة عام، والأخرى توقف الدفن فيها منذ عام 1989م تقريبًا، ولا يوجد مكانٌ بديلٌ للدفن فيه. لذا نرجو مِن سيادتكم توجيهنا بالرأي الشرعي لإعادة الدفن مرة أخرى، وما يتم اتخاذه مِن خطوات في هذا الشأن. علمًا بأن هذه المدافنَ مُنشأةٌ على طريقةِ شقٍّ بعُمق مترٍ ونصف المتر تقريبًا ومسقوفٍ مِن على وجه الأرض.
ما الفضل الوارد في الشرع بخصوص الصلاة على الجنازة واتباعها؟ وما ثواب ذلك؟
توجد مقبرة للعائلة في قرية صغيرة بمحافظة المنوفية، ونظرًا لامتلاء المقبرة بالجثث عن آخرها، وأصبحت منخفضة عن سطح الأرض كثيرًا؛ بحيث يصعب النزول دون المساس بالجثث، لذا فلقد رأينا هدم المقبرة وإعادة بنائها من جديد نظرًا لضيق زمام القرية وصعوبة الحصول على مقبرة جديدة، وأشار أصحاب الرأي بأن يتم تغطية الجثث بثوب من الدبلان ويفرش وتغطيتُه بطبقةٍ سميكةٍ من الرمل حتى نتمكن من هدم المقبرة، وإعادة بنائها وتعليتها؛ مع العلم بأن المقبرة صغيرة، ومساحتها بوصة واحدة ولا تسمح بعمل (عظَّامة).
ونظرًا لعدم درايتنا في هذا الشأن فلقد أشار الورثة (وكلهم أبناء رجل واحد) بأن نحصل على فتوى مكتوبة من دار الإفتاء بصحة ما سنقوم به؛ حتى نستفيد بها ويستفيد بها من لا يعلم. لذا أرجو من سيادتكم التكرم بإعطائنا فتوى مكتوبة؛ حتى تكون القول الفصل في هذا الموضوع.