حكم إلقاء الكمامة الطبية في غير الأماكن المخصصة لها

تاريخ الفتوى: 18 أغسطس 2020 م
رقم الفتوى: 5116
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: مستجدات ونوازل
حكم إلقاء الكمامة الطبية في غير الأماكن المخصصة لها

ما حكم إلقاء الكمامة الطبية في غير الأماكن المخصصة لها؟ حيث يعمد كثير من الناس في هذه الأوقات خلال استعمالهم الكمامات الطبية لحمايتهم من انتشار "فيروس كورونا المستجد" إلى إلقاء الكمامة بعد استعمالها في الشوارع العامة في غير الأماكن المُخَصَّصة لها مما يزيد من مخاطر انتشار الفيروس، فما حكم إلقاء الكمامة بعد استعمالها في الشوارع العامة؟

إلقاء الكمامة الطبية المستعملة في الطريق العام والتي تؤذي الآخرين بنقل العدوى إليهم؛ أمرٌ ممنوعٌ شرعًا ومُجَرَّم قانونًا، ولا يجوز للإنسان أن يرتكب ما يضر بغيره ضررًا مباشرًا؛ لا سيما مع حرص الجهات الصحية على التوعية من مخاطر إلقاء الكمامات في غير الموضع المخصص لها.

المحتويات

حكم إلقاء الكمامة الطبية في غير الأماكن المخصصة لها

حرص الإسلام على النظافة، وحَثَّ أتباعه على اقتفائها، وشَرَع لهم من العبادات ما يحقق هذه الغاية؛ كالوضوء والغُسل، وهذا يأتي في سياق أَنَّ الدين الإسلامي قد وضع ضوابط وآدابًا تَصون كرامة الفرد، ويراعى فيها شعور المجتمع، وتحميه من كل أذى وعدوان.
وإلقاء الكمامة الطبية بعد استعمالها في الطريق العام في غير الأماكن الـمُخَصَّصة لها مما يضر بالـمارة ويؤذي الآخرين؛ عَمَلٌ ممنوعٌ شرعًا؛ وذلك لأنَّ الأصل في الشرع منع الإيذاء بكل صوره وأشكاله؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58]. ومِن الإيذاء: إلحاق الضرر بإلقاء الكمامة بعد استعمالها في غير الأماكن المخصصة لها.
وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتقاء اللعانين؛ فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ»، قَالُوا: وَمَا اللَعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ».
يقول الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (3/ 162، ط. دار إحياء التراث العربي) عند شرحه لهذا الحديث: [قال الخطابي وغيره من العلماء: المراد بالظل هنا مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلًا ومناخًا ينزلونه ويقعدون فيه، وليس كل ظل يَحْرُم القعود تحته فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم تحت حايش النخل لحاجته وله ظل بلا شك. والله أعلم. وأَمَّا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ»؛ فمعناه يتغوَّط في موضع يمر به الناس وما نهى عنه في الظل والطريق لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره. والله أعلم] اهـ.
فالحديث السابق دالٌ على تحريم التخلي في الطريق العام، ووجه التحريم: أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم جَعَله سببًا للعن؛ والمعنى الذي نُهِي مِن أَجله عن التخلي في الطريق العام -وهو إيذاء المسلمين وإلحاق الضرر بهم- موجود في إلقاء الكمامة بعد استعمالها في الطريق، فيُنْهَى عنه مثله.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مَن يحمل الشيء الذي قد يُؤذي غيره؛ كآلةٍ حادة مَثَلًا؛ أن يُحْكِم إمساكه خشية إصابة الغير بالأذى؛ فقد روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيءٌ».
فالمفهوم من الحديث إحكام الإمساك للشيء الذي تَأكَّد ضرره على الغير، ولا شَكَّ أَنَّ في إلقاء الكمامة المستعملة في الطرقات العامة إلحاقًا مؤكدًا للأذى بالغير، فيُمْنَع من هذا الفعل الذي يصيب الغير بالضرر.

موقف القانون من ذلك

إضافةً إلى ذلك؛ فإنَّ الكوارث البيئية والمشاكل الصحية الحاصلة مِن إلقاء الكمامة المستعملة في الشارع تجعل هذه الفِعلة القبيحة أمرًا ممنوعًا شرعًا؛ ذلك أَنَّ الشرع جَعَل المحافظة على البيئة -والتي هي الكون الذي يعيش فيه الإنسان- مقصدًا مِن مقاصده، والذي يتوافق مع مبدأ الاستخلاف في الأرض والإعمار فيها؛ ومن أجل ذلك فقد حرص الـمُشرِّع المصري في سَنّه للقوانين على النص على ما يحمي الطريق العام من التلوث، فشرع قانونًا يفي بذلك بشأن النظافة العامة؛ وهو القانون رقم (38) لسنة 1967م والـمعدل بعدة قوانين أخرى؛ حيث تنص المادة رقم (1) منه على ما يلي: [يُحْظَر وضع القمامة أو القاذورات أو المتخلفات أو المياه القذرة في غير الأماكن التي يُحدِّدها المجلس المحلي] اهـ.
وقد أوضحت اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بالقرار رقم (134) لسنة 1968م: أنَّ المراد بالقاذورات أو القمامة أو المتخلفات المنصوص عليها في هذا القانون: كافة الفضلات الصلبة أو السائلة المتخلفة عن الأفراد والمباني السكنية وغير السكنية وكذا وسائل النقل وكل ما يترتب على وضعها في غير الأماكن المخصصة لها أضرار صحية أو نشوب حرائق أو الإخلال بمظهر المدينة أو القرية أو نظافتها.
وقد نَصَّ تعديل هذا القانون رقم (106) لسنة 2012م على عقوبة مخالفة ذلك؛ ففي المادة (9 مكرر): [مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها هذا القانون أو أي قانون آخر يُعاقَب بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل مَن خالف حكم من أحكام هذا القرار بقانونٍ أو القرارات المنفذة له] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ إلقاءَ الكمامة الطبية المستعملة في الطريق العام والتي تؤذي الآخرين بنقل العدوى إليهم؛ أمرٌ ممنوعٌ شرعًا ومُجَرَّم قانونًا، ولا يجوز للإنسان أن يرتكب ما يضر بغيره ضررًا مباشرًا؛ لا سيما مع حرص الجهات الصحية على التوعية من مخاطر إلقاء الكمامات في غير الموضع المخصص لها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

كيف تعامل الشرع الشريف مع الأمراض المعدية؛ كوباء كورونا المستجد؟


ما مدى مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلبًا لرفع الوباء؟ وهل للإكثار منها أثرٌ في الوقاية من العدوى؟


ما حكم التعقيم بالكحول وأثره في الطهارة؛ ففي ظل ما يعيشه العالم في هذه الآونة من خوف انتشار عدوى وباء كورونا، انتشرت بين الناس مواد التعقيم؛ كالكلور، والكحول، وصارت تعقم بها المساجد وبيوت العبادة؛ تأمينًا ووقاية لها من انتشار العدوى، كما صار الكثير من الناس يحرصون على تعقيم أيديهم عقب الوضوء، فخرج بعضهم يدعي أن ذلك حرام؛ لأن فيه تنجيسًا للمساجد، ووضعًا للنجاسة على اليد بعد الوضوء؛ بدعوى أن الكحول خمر، وأن الخمر نجسة، والصلاة يشترط فيها طهارة البدن والثوب والمكان. فما هو الحكم الصحيح في ذلك؟


ما حكم منع من لا يرتدي الكمامة من دخول المسجد؟ فمع احتياج دول العالم إلى الحراك المجتمعي المقيَّد ولجوئها للتعايش الحذِر مع وباء كورونا، صدرت القرارات بإلزام جميع المواطنين بارتداء الكمامات في أماكن التجمعات العامة، وقامت كثير من الدول الإسلامية بفتح المساجد أمام مرتاديها لإقامة الجمع والجماعات، بشرط التزامهم بإجراءات الوقاية وارتدائهم الكمامات وتعقيم المساجد. فهل يجوز منع من لم يرتد الكمامة من دخول المساجد؟


ما حكم الطهارة بمياه الصَّرْف الـمُعَالَجَة؟


ما حكم تحديد الجهات المنظمة للحج لأعداد الحجيج وسنِّهم واشتراط حصولهم على اللقاحات؟ فمع اقتراب موسم الحج وفي ظل تزايد أعداد مريدي الحج، نجد أن الجهات المعنية بشئون الحج والعمرة تقوم بإِصْدار قرارات تنظيمية لفريضة الحج، نحو: تحديد أعداد الحجيج وأعمارهم، واشتراط حصولهم على بعض اللقاحات، فهل هذا متفق مع أحكام الشريعة ومقاصدها الإسلامية؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 09 مايو 2025 م
الفجر
4 :28
الشروق
6 :5
الظهر
12 : 51
العصر
4:28
المغرب
7 : 38
العشاء
9 :4