هل يجوز صلاة الغائب على من مات بسبب وباء كورونا المستجد ولم يُصَلَّ عليه؟
لا يجوز شرعًا دفْنُ إنسانٍ مسلمٍ من غير صلاة الجنازة عليه بغير عذر، ويتأدَّى ذلك ولو بصلاة واحدٍ فقط، فإذا ثبت أنَّ في الصلاة عليه ضررًا على الحيّ؛ فإن الواجب الانتقال للصلاة عليه عند قبره بعد دفنه، ويجوزُ للغائبِ أن يصليَ عليه صلاة الغائب، وذلك كلُّه يجوز جماعةً وفرادى، والأولى أن يكون في جماعة.
المحتويات
نصَّ الفُقهاءُ على أنه إذا وُجدت ضرورةٌ تمنع من صلاة الجنازة على الميت فإنه يجوزُ في هذا الحال دفْنُه ثم الصلاة على قبره.
قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 315، ط. دار الكتب العلمية): [ولو دفن بعد الغسل قبل الصلاة عليه صُلي عليه في القبر ما لم يعلم أنه تفرق، وفي "الأمالي" عن أبي يوسف أنه قال: يُصلَّى عليه إلى ثلاثة أيام، هكذا ذكر ابن رستم عن محمد، أما قبل مضي ثلاثة أيام فلما رُوينا أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى على قبر تلك المرأة، فلما جازت الصلاة على القبر بعد ما صُلي على الميت مرَّة، فلأن تجوز في موضع لم يصل عليه أصلًا أولى] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 299، ط. دار الفكر): [(ومن دُفن) بعد الغسل (و) الحال أنه (لم يُصَلَّ عليه ووُرِيَ، فإنه يُصلَّى على قبره)، قال خليل: ولا يُصلَّى على قبر إلا أن يدفن بغيرها، فيصلي على القبر ظاهره ولو كان عدم الصلاة عمدًا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 249، ط. دار الفكر): [إذا دفن من غير صلاة قال أصحابنا.. يصلى على القبر] اهـ.
والأصلُ في جواز الصلاة على القبر فِعْلُه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد أخرج البخاري في "الصحيح" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة -أو رجلًا- كانت تقمُّ المسجد -ولا أراه إلا امرأة-، فذكر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنه صلى على قبرها".
وبنحوه أخرج الإمامُ مسلم في "الصحيح" عن الشعبي: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قبر بعدما دفن، فكبر عليه أربعًا" قال الشيباني: فقلت للشعبي: من حدثك بهذا؟ قال: الثقة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
وقصة الحديث أن الرجل أو المرأة التي صلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبره أو قبرها كان قد سبقت الصلاة عليه من الصحابة رضوان الله عليهم، فإن جازت الصلاة لمن صُلي عليه، فإنه تجوز لمن لم يُصَلَّ عليه من باب أولى.
والصلاة على القبر تسقط فرض الصلاة والإثم مع وجود العذر لترك الصلاة عليه قبل دفنه؛ قال الإمام شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (2/ 486، ط. دار الفكر): [فلو دفن من غير صلاة أتم الدافنون والراضون بدفنه قبلها؛ لوجوب تقديمها عليه إن لم يكن ثَمَّ عذر، ويصلى على قبره؛ لأنه لا ينبش للصلاة عليه كما يؤخذ من قوله (وتصح بعده)، أي: بعد الدفن؛ للاتباع في خبر "الصحيحين"، بشرط أن لا يتقدم على القبر كما سيأتي في المسائلِ المنثورة، ويسقط الفرض بالصلاة على القبر على الصحيح] اهـ.
يجوز لمن لم يُصَلِّ على الميت صلاةَ الجنازة أو على قبره أن يصليَ عليه صلاةَ الغائبِ بشرطين:
أولهما: أن تبعد بلدة المتوفى عن بلد الصلاة عليه ولو كانت المسافة بين البلدين دون مسافة القصر، فإن كان المصلون والمتوفى في بلدة واحدة فلا تجوزُ الصلاةُ إلا بحضور المتوفى ولو كبرت البلدة، ولعل الأيسرَ اعتبارُ قُرْبِ البلدة وبعدها في عصرنا باعتبار الحدود بين المحافظات، ولا يشترط في الصلاة على الميت الغائب أن يكون الميت مستقبلًا للقبلة.
وثاني الشرطين: اعتبار الوقت، فالشافعيَّة يقيِّدون صحَّة الصلاة بمن كان من أهل فرضها وقت الموت، بأن كان مكلفًا مسلمًا طاهرًا؛ لأنه يؤدِّي فرضًا خُوطب به، بخلاف من لم يكن كذلك، وقيَّد الحنابلةُ الوقتَ بشهر من حين وفاته، وعلَّلوا بأنه لا يعلم بقاء الميت من غير تلاشٍ أكثر من ذلك. راجع: "نهاية المحتاج" (2/ 486)، و"شرح المنتهى" (1/ 363، ط. عالم الكتب).
والأصل في ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ".
ويقول الإمام النووي فيما يدلُّ عليه هذا الحديث في "شرح صحيح مسلم" (7/ 21، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه إثباتُ الصلاة على الميت، وأجمعوا على أنها فرضُ كفاية، والصحيحُ عند أصحابنا أن فرضها يسقط بصلاة رجل واحد، وقيل: يشترط اثنان، وقيل: ثلاثة، وقيل: أربعة، وفيه أن تكبيراتِ الجنازة أربع، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وفيه دليلٌ للشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت الغائب] اهـ.
صلاة الغائب كصلاة الجنازة؛ فيجوز أن تُصلَّى فرادى وجماعاتٍ، فصلاةُ الغائب أيضًا يجوزُ أن تصلى جماعة، وأن تصلى فرادى؛ فقد صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بمفرده على أم سعد بن عبادة، فقد أخرج البيهقي في "السنن الكبرى" عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: لو صليت على أم سعد، فصلى عليها وقد أتى لها شهر، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم غائبًا".
بناءً على ذلك: فإنه لا يجوزُ دفْنُ إنسانٍ مسلمٍ من غير صلاة الجنازة عليه بغير عذر، ويتأدَّى ذلك ولو بصلاة واحدٍ فقط، فإذا ثبت أنَّ في الصلاة عليه ضررًا على الحيّ؛ فإن الحكم ينتقلُ لوجوب الصلاة عليه في قبره، ويجوزُ للغائبِ أن يصليَ عليه صلاة الغائب، وذلك كلُّه يجوز جماعةً وفرادى، والأولى أن يكون في جماعة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
كما تعلمون أن تفشي جائحة الكورونا في معظم أنحاء العالم ترتب عليه خسارة عظيمة في الأرواح، وحتى إن الدول التي انتشر بها الفيروس تأثر اقتصادها وأسلوب حياتها بشكل قوي.
وبالنسبة لأهمية هذا الأمر: طلب الأطباء المختصون إغلاق الأماكن العامة من مؤسسات تعليمية واجتماعية وخدمية؛ لأن الفيروس ينتقل باللمس، وإيقاف صلاة الجماعة والجمعة في المساجد، حتى تنكشف الغمة، ونتخطى هذه المرحلة الصعبة. لكن هناك بعض الأئمة في المساجد في أفغانستان، وعدد منهم من خريجي الأزهر الشريف، يعلنون على المنابر أن فيروس كورونا حرب شائعات من أعداء الإسلام لإخلاء المساجد من المصلين، ويؤكدون على عدم الإصغاء والامتثال لهذه الشائعات والحضور المكثف في المساجد؛ إفشالًا لخطة أعداء الإسلام! وهذا الموقف سَبَّبَ حيرة عند الناس؛ هل يستمعون إلى الأطباء والمتخصصين أم إلى هؤلاء الأئمة والخطباء؟
وكما تعلمون أن أفغانستان من البلاد التي مرت بحروب طويلة وتأثرت البنى التحتية والمؤسسات العامة بها، والحروب حتى الآن مستمرة، وهذا كله استنزفها اقتصاديًّا؛ مما خفض قدرة المؤسسات الحكومية على تقديم الخدمات الصحية بالمستوى المطلوب.
وهنا تضطرنا مستجدات الأمور للتركيز على الجوانب الوقائية أكثر من العلاجية تماشيًا مع الواقع.
وبناءً على أهمية الموضوع وارتباطه بحياة الناس وسلامة أرواحهم: نرجو منكم إيضاح حكم الشريعة الإسلامية بهذا الخصوص.
هذا وتنتهز سفارة جمهورية أفغانستان الإسلامية بالقاهرة هذه الفرصة لتعرب لدار الإفتاء بجمهورية مصر العربية عن فائق الاحترام والتقدير.
ما حكم صلاة الغائب على المتوفى بفيروس كورونا، ففي ظل ما يعانيه معظم بلاد العالم من "فيروس كوفيد-19" والإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدولة؛ ومنها حظر حركة المواطنين حفاظًا على التباعد الاجتماعي لمنع تفشي الوباء؛ فهل تجوز صلاة الغائب على مَنْ مات بهذا الفيروس؛ نظرًا لعدم استطاعة البعض الصلاة على الميت في ظل هذه الأوضاع؟
ما حكم تلقين الميت، مع ذكر السند؟
هل يغسل الميت في ثيابه، أم يجرد ثم يستر بما تيسر؟
ما حكم وضع الجنازات في طوابق عند الصلاة عليها، حيث أني أعمل في مسجد "الرحمن الرحيم" الكائن في طريق صلاح سالم بالعباسية، وفي يوم الجمعة يكون المسجد مكتظًّا بالجنازات التي كثيرًا ما تزيد عن العشرة، ويتعثر علينا كعمال بالمسجد حمل الجنازات إلى الأمام في وقت الجمعة لشدة الازدحام، وعليه: فإننا نرجو من فضيلتكم التكرم بفتوى تبين حكم وضع الجنازات في ركات متعددة الطوابق في شقٍّ صغيرٍ أمام المصلين حتى لا تأخذ الجنازات مساحة كبيرة من المسجد. مع العلم أننا سنضع ساترًا يفصل الجنائز عن المصلين، فهل هناك مانع شرعي من هذا؟
ما حكم الشرع في بناء المقابر بالطوب الأحمر الحراري (الذي به فتحات) والمعتاد استعماله في بناء البيوت؟