فكرة بنك العيون قبل قانون 274 لسنة 1959م

فكرة بنك العيون قبل قانون 274 لسنة 1959م

ما فكرة بنك العيون قبل قانون 274 لسنة 1959م؟ فنحن نرجوا بيان حكم الشريعة الإسلامية في الاستيلاء على عيون الموتى عقب وفاتهم وحفظها في بنك يسمى بنك العيون أسوة بحفظ الدم من الأحياء في بنك الدم. هل هو حرام أم حلال؟ وذلك لاستخدام هذه العيون في ترقيع القرنية لمن تحرقت قرنياتهم حديثًا أسوة بما يفعله الأطباء الآن ليعيدوا البصر إلى المكفوفين.
وبيان ما إذا كان الدين يمنع من صدور قانون يقضي بالاستيلاء على عيون الموتى لاستعمالها في تطبيب عيون الأحياء.

إننا بحثنا هذا الموضوع، ووجدنا أن الإنسان الحر بعد موته تجب المحافظة عليه ودفنه وتكريمه وعدم ابتذاله؛ فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم النهيُ عن كسر عظم الميت لأنه ككسره حيًّا، ومعنى هذا الحديث أن للميت حرمة كحرمته حيًّا، فلا يُتعدى عليه بكسر أو شق أو غير ذلك، وإخراج عين الميت كإخراج عين الحي؛ يعتبر اعتداء عليه غير جائز شرعًا إلا إذا دعت إليه ضرورة تكون المصلحة فيها أعظم من الضرر الذي يصيب الميت، وذلك لأن قواعد الدين الإسلامي مبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة يكون تفويتها أشد من هذا الضرر، فإذا كان أخذ عين الميت لترقيع قرنية عين المكفوف الحي يحقق مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت جاز ذلك شرعًا؛ لأن الضرر الذي يلحق بالحي المضطر لهذا العلاج أشد من الضرر الذي يلحق الميت الذي تؤخذ عينه بعد وفاته، وليس في هذا ابتذال للميت ولا اعتداء على حرمته المنهي عنه شرعًا؛ لأن النهي إنما يكون إذا كان التعدي لغير مصلحة راجحة أو لغير حاجة ماسَّة، وقد ذهبنا إلى جواز ذلك في تشريح جثث الموتى ممن لا أهل لهم قبل دفنهم في مقابر الصدقة؛ لتحقيق مصلحة عامة راجحة للناس إحياء لنفوسهم، أو علاجًا لأمراضهم، أو لمعرفة أسباب الحوادث الجنائية التي تقع عليهم مستندين في ذلك إلى ما سبق أن أوضحناه، وإلى أن القواعد الأصولية تقضي بإيجاب ما يتوقف عليه أداء الواجب، فإذا أوجب الشارع شيئًا تضمن ذلك إيجاب ما يتوقف عليه ذلك الشيء.
وعلى ذلك -وتطبيقًا لما ذهبنا إليه في الإفتاء بجواز تشريح الجثث للموتى الذين لا أهل لهم- نقول: إن الاستيلاء على عين الميت لتحقيق مصلحة للحي الذي حرم نعمة البصر عقب وفاته وحفظها في بنك يسمى بنك العيون لاستعمالها في ترقيع قرنية المكفوفين الأحياء الذين حرموا نعمة النظر ليس فيه اعتداء على حرمة الميت، وهو جائز شرعًا؛ لأن الضرورة دعت إليه، ولأن الضرورة شرعًا تقدر بقدرها نرى قصرها في هذا الاستفتاء على أخذ عين الميت الذي لا أهل له قبل دفنه لاستخدامها في الغرض المنوه عنه سابقًا، وبذلك يحقق مصلحة للأحياء المكفوفين أعظم بكثير من الضرر الذي يصيب الميت الذي أخذت عينه، وليس فيه امتهان لكرامته أو ابتذال له.
أما صدور قانون يقضي بالاستيلاء على عيون الموتى فإننا نرى الاحتياط فيه بحيث يقتصر فيه على الحاجة الماسة فقط، وأن لا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل، وأما الأموات الذين لهم أهل فإن أمر الاستيلاء على عيون موتاهم يكون بيدهم وبإذنهم وحدهم؛ فإن أذنوا جاز ذلك، وإلا فلا يجوز بدون إذنهم. وبهذا علم الجواب عن هذا الاستفتاء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا