ما الحكم في أموال وثيقة "صندوق الزمالة" إذا ماتت المستفيدة منه، والتي حددها المشترك في الصندوق قبل موته، ولم يحدد غيرها حتى مات؟
وفاة المستحق في وثيقة صندوق الزمالة وعدم تحديد آخر
حق الاستفادة من صندوق الزمالة بعد وفاة العضو يكون لمن عينهم العضو حال اشتراكه، فإذا سبقت وفاةُ المستفيدين وفاةَ العضو ولم يحدد العضو مستفيدين آخرين، آلت إلى تركته؛ فتكون ميراثًا يرثه ورثة العضو الشرعيون بعد وفاته بحسب أنصبتهم المقررة في الميراث، ما لم تنص وثيقة صندوق الزمـــالة أو اللوائح المعمول بها في هذا الشأن على خلاف ذلك؛ فيُعمَل به حينئذ.
التفاصيل ...."صندوق الزمالة" جهة اعتبارية تقوم المؤسسات بإنشائها بهدف التعاون والتكافل بين أفرادها حال الوفاة أو العجز أو التقاعد عن العمل، بحيث يدفع المشتركون فيه أقساطًا من المال على جهة التبرع، كما يقوم الصندوق بصرف مبلغ للمستفيدين الذين حدَّدهم العضو المشارك في الصندوق عند الوفاة على جهة التبرع المقابل أيضًا.
وعلى ذلك فالتكييف الفقهي لهذه الصورة أن العضو المشارك في الصندوق يتبرع بمبلغ مستقطَع من المال على جهة هبة الثواب، نظير أن يعطي الصندوق من يحددهم العضو مبلغًا معينًا.
وإذا مات المستفيد الذي عينه العضو عيَّن غيرَه، فإذا مات دون تعيين غيره رجع المال ميراثًا يرثه ورثة العضو؛ كما هو الحال في موت الموصَى له قبل الموصِي؛ إذ تبطل الوصية وتعود لملك الموصي.
قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (8/ 516، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لو مات الموصَى له قبل موت الموصِي بطلت الوصية؛ لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وفي الحال ملك الْمُوصِي ثابت فيه، ولا يتصور تملك الموصي له بعد موته فبطلت] اهـ.
وجاء في "المدونة" عن الإمام مالك (4/ 377، ط. دار الكتب العلمية): [إذا أوصى له وهو حي، ثم مات الموصَى له قبل موت الموصي، فقد بطلت وصيته] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي" (8/ 257، ط. دار الكتب العلمية): [فإن مات الموصَى له في حياة الموصِي، فالذي عليه جمهور الفقهاء أن الوصية له قد بطلت، وليس لوارثه قبولها بعد موت الموصِي، وحكي عن الحسن البصري أن الوصية لا تبطل بموته ولورثته قبولها،
وهذا فاسد من وجهين: أن الوصية في غير حياة الموصي غير لازمة، وما ليس بلازم من العقود يبطل بالموت؛ ولأن الوصية له، لا لورثته، وهو لا يملك الوصية في حياة الموصي] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (6/ 152، ط. مكتبة القاهرة): [(فإن مات الموصَى له قبل موت الموصِي، بطلت الوصية) هذا قول أكثر أهل العلم، رُوي ذلك عن علي رضي الله تعالى عنه، وبه قال الزهري، وحماد بن أبي سليمان، وربيعة، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي] اهـ.
وقد نص فقهاء الشافعية على أن المال الناتج بعد الوفاة مما تسبب فيه الإنسان حال حياته: يُعدُّ من تركته، وكذلك هنا؛ فإن السبب في تبرع الصندوق للمستحق: هو مساهمة العضو فيه والتزامه بشروطه.
قال الإمام الرملي الشافعي في "حاشية الرملي على أسنى المطالب" (3/ 3، ط. دار الكتاب الإسلامي): [التعبير بالتركة يشمل ما لو مات عن خمر فتخللت بعد موته، أو عن شبكة نصبها فوقع بها صيد بعد موته، وكذلك الدية المأخوذة في قتله بناء على الأصح] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (6/ 382، ط. المكتبة التجارية): [(من تركة الميت)، وهي ما يخلف من حق كخيار، وحد قذف، أو اختصاص، أو مال، كخمر تخللت بعد موته ودية أخذت من قاتله لدخولها في ملكه، وكذا ما وقع بشبكة نصبها في حياته على ما قاله الزركشي، وفيه نظر لانتقالها بعد الموت للورثة؛ فالواقع بها من زوائد التركة، وهي ملكهم إلا أن يجاب بأن سبب الملك نصبه للشبكة لا هي وإذا استند الملك لفعله يكون تركة] اهـ.
وبناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن حق الاستفادة بالوثيقة المبرمة بين العضو المشارك في صندوق الزمالة وبين الصندوق بعد وفاة العضو، تؤول إلى أسماء المستفيدين التي عينها حال اشتراكه، فإذا سبقت وفاةُ المستفيدين وفاةَ العضو كان من حق العضو تحديد مستفيدين آخرين، فإن توفي قبل تحديدهم آلت إلى تركته؛ فتكون ميراثًا يرثه ورثة العضو الشرعيون بعد وفاته بحسب أنصبتهم المقررة في الميراث، ما لم تنص وثيقة صندوق الزمـــالة، أو اللوائح المعمول بها في هذا الشأن، على خلاف ذلك؛ فيُعمَل به حينئذ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.