الآداب والضوابط الشرعية لتنظيم معاملات الناس

تاريخ الفتوى: 21 مارس 1991 م
رقم الفتوى: 6105
من فتاوى: فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي
التصنيف: آداب وأخلاق
الآداب والضوابط الشرعية لتنظيم معاملات الناس

ما أهم الآداب والضوابط التي جاءت بها شريعة الإسلام لتنظيم المعاملات بين الناس؟

إذا كانت شريعة الإسلام قد أباحت كلَّ معاملة تقوم على الحقِّ والعدل والصدق وتحقيق مصالح الناس في حدود ما أحلَّهُ الله تعالى لهم فإنها في الوقت ذاته قد حَرَّمَتْ كل معاملة يخالطها الظلم أو الغش أو الربا أو غير ذلك من الرذائل.

فمثلًا حرمت شريعة الإسلام الاحتكار؛ ومعناه: شراء الشيء وحبسه ليقِلّ بين الناس فيزيدُ سعره عن حدود الاعتدال، فتضطرب أحوال الناس، ويلحقهم الضرر والعنت، وفي الحديث الصحيح: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ» أي: فهو بعيد عن الحق والعدل، وفي حديث آخر: «مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللهُ تَعَالَى مِنْهُ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، وفي حديث ثالث: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» رواه الإمام ابن ماجه في "السنن"، أي: التاجر الذي يجلبُ السلع من مكان إلى آخر لينتفع بها الناس مرزوق ومأجور من الله، أما الـمُحْتَكِر للسلع لكي يستغل حاجة الناس فهو ملعون.

وحرَّمت الغَرَر؛ أي: المعاملة التي يشوبها الخداع والجهالة التي تؤدي إلى المنازعة.

وحرَّمت الغِش والحلف الكاذب من أجل ترويج السلع، وفي الحديث الصحيح: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ» أي: ليس على ديننا الكامل من استعمل الغش في معاملاته، وفي حديث آخر: «إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه"، أي: احذروا كثرة الحلف في بيعكم وشرائكم؛ فإنَّ الحلف قد يؤدي في الظاهر إلى رواج التجارة إلا أنَّه بعد ذلك يزيل بركتها.

وحرَّمت التطفيف في المكيال والميزان وأمرت بالقسط فيهما؛ قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ۝ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 1-3]، وعندما مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ برجل يَزِنُ للناس بالأجر قال له: «يا وَزَّانُ، زِنْ وَأَرْجِحْ» رواه الإمام ابن ماجه في "سننه".

وحرَّمت النَّجْش بإسكان الجيم؛ ومعناه: أن يزيد الشخص في ثمن السلعة لا ليشتريها وإنما لِيَخْدَع غيره.

وحرَّمت شراء الشيء المغصوب أو المسروق؛ لأن شراءه يمثل لونًا من التعاون على الإثم والعدوان، وفي الحديث الشريف: «مَنِ اشْتَرَى سَرِقَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ، فَقَدْ اشتركَ فِي عَارِهَا وَإِثْمِهَا» رواه الإمام الحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وشبيه بذلك في الحرمة: أن يبيع الإنسان العنب لمن يعلم أنه سيتخذه خمرًا، أو يبيع السلاح لمن يعلم أنه يستعمله في الأذى أو في القتل ظلمًا؛ وذلك لأنَّ البيع في هذه الحالات وأمثالها يؤدي إلى الفساد والضرر، وفي الحديث الشريف الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» رواه الإمام أبو داود في "السنن" وأحمد في "المسند"، وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع السلاح في أيام الفتن" رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" والبيهقي في "السنن الكبرى"، وشبيه بذلك في الحرمة والإثم بيع أو شراء كل ما يؤدي إلى إفساد الأخلاق ويعين على نشر الرذائل.

وإذا كانت شريعة الإسلام قد نهت عن كل معاملة يشوبها الغش أو الظلم أو الاحتكار أو الغرر؛ فقد أمرت أتباعها بآداب معينة في معاملاتهم:

1- أمرتهم بالتيسير على الـمُعْسِر والرأفة به، وتأجيل ما عليه من ديون حتى يوفقه الله تعالى لسدادها؛ قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280]، ومن الأحاديث النبوية التي وردت في ثواب الذين ييسرون على المعسر ما جاء في "الصحيحين" عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لاَ. قَالُوا: تَذَكَّرْ. قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ. قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ».

2- أمرتهم بتحرِّي الحلال وبالبعد عن الشبهات؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168].

3- أمرتهم بالحرصِ على العمل النافع الذي يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير، ويكفي في هذا المعنى قوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].

4- أمرتهم بأداء الحقوق إلى أصحابها دون مماطلةٍ أو تسويفٍ؛ ففي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى»، وفي حديث آخر: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ».

5- أمرتهم أن يبنوا معاملاتهم على التراضي المشروع؛ فالله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].

6- أمرتهم بتوثيق المعاملات؛ لأنَّ هذا التوثيق أدعى للاطمئنان وأصون للحقوق، ويكفي أنَّ أطول آية في القرآن تحدثت عن توثيق الديون؛ وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُۚ..﴾ [البقرة: 282].

وإذا نفَّذَ المسلمون هذه الآداب وتلك الأوامر والنواهي في معاملاتهم فتح الله عليهم بركات من السماء والأرض.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم قيام البائع ببيع المنتجات التي بها عيوب في الصناعة دون إظهار هذه العيوب عند البيع؟


سائل يقول: بعض الناس يعملون على إشاعة الفاحشة في المجتمع بتحسّس أخبار الآخرين الخاصة التي لا يُحِبُّون نشرها؛ فيُشِيعُونَها بين الناس؛ فما حكم ذلك شرعًا؟ نرجو منكم البيان.


زوجي كثير التحدث عن حقوق الزوج على زوجته، ويستخدمها في جعل الخطأ دائمًا لا يصدر إلا مني وأني دائمًا مقصرة في حقه، مما يسبب لي ضغوطًا نفسية كثيرة، فلا أعلم كيف أقوم بإرضائه. فما حكم هذا التصرف؟


ما الحكمة من تخصيص سيدنا إبراهيم عليه السلام بالذِّكر في الصلاة الإبراهيمية، التي تقال في التشهد الأخير في الصلاة من دون سائر الأنبياء، فنقول: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم... إلخ"؟ وهل هذا يتعارض مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل خلقِّ الله على الإطلاق؟


ما هي كيفية التصرف  الصحيح في هيكل عظمي لإنسان؟ فأنا طالب بكلية الطب بإحدى الجامعات، ويوجد عندي هيكل عظمي لإنسان، وهذا الهيكل يلزم للدراسة بهذه الكلية، وقد حصلت عليه من طالب قريب لي سبقني في الدراسة عليه، وقد أنهيت دراستي لعلم التشريح على هذا الهيكل، وأصبح لا يلزمني في دراستي، وأنا الآن أريد التصرف فيه وفق الشريعة الإسلامية حتى لا يتم سؤالي عنه يوم القيامة، مع العلم بأن الكلية يتم بيع الهياكل بها بصورة طبيعية للطلبة.


هل ورد في السنة النبوية المطهرة ما يُفِيدُ أنَّ المسلمَ إذا سلَّم على أخيه المسلم أو صافحه غفر الله لهما قبل تفرقهما؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 مايو 2025 م
الفجر
4 :37
الشروق
6 :12
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 33
العشاء
8 :57