الرد على من يشككون في وقت إفطار الصائمين

الرد على من يشككون في وقت إفطار الصائمين

بعض الناس يشككون في موعد إفطار الصائمين ويدَّعون أنَّ وقته دخول ظلمة الليل، فما الوقت المحدد شرعًا لإفطار الصائم؟ 

أجمع المسلمون على أنَّ وقت إفطار الصائم إنما يحين بتمام غروب الشمس واختفاء قرصها، لا بعد ذلك، ولا قبله، وقد دلت على ذلك النصوص القطعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة سلفًا وخلفًا؛ فهذا من الأمور القطعية المجمع عليها التي صارت تشكل جزءًا من هوية الإسلام الثابتة وأحكامه القطعية؛ فلا يجوز إنكارُها أو التشكيك أو الخلاف فيها، ولا يجوز الالتفات إلى غير هذا من الأقوال الباطلة والدعاوى الكاذبة والآراء الشاذة التي تخالف إجماع المسلمين وتطعن في القطعي من الدين. 

التفاصيل ....

المحتويات

 

تحديد وقت إفطار الصائم

وقتُ الإفطار في الصوم إنما يكونُ بغروب الشمس، لا بدخول ظلمة الليل، وذلك ثابت بالكتاب الكريم، والسُنَّة النبوية الشريفة، وفهم الصحابة والسلف الصالح، واتفاق أهل اللغة، وإجماع الأمة سلفًا وخلفًا، جيلًا عن جيل، عبر الأمصار والأعصار:

الأدلة على وقت إفطار الصائم

أولًا: الدليل من القرآن

من الكتاب: قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].

وهذه آيةٌ محكَمَةٌ تبين أنَّ موعدَ الصوم يبدأ من طلوع الفجر الصادق وينتهي ببداية الليل، وقد أجمع المفسرون سلفًا وخلفًا على أن المقصود ببداية الليل هو غروب الشمس:

قال الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 105، ط. دار المعرفة): [الوقت الذي يَحْرُمُ فيه الطعامُ على الصائم: حين يتبين الفجرُ الآخرُ معترضًا في الأفق -وكذلك بلغنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم- إلى أن تغيب الشمس؛ وكذلك قال الله عز وجل: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾] اهـ.

وقال الإمام ابن عطية المالكي [ت: 542هـ] في تفسيره "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (1/ 259، ط. دار الكتب العلمية): [والليل الذي يتم به الصيام: مغيبُ قُرص الشمس] اهـ.

ثانيًا: الدليل من السنة

أمّا السُّنَّة النبوية المشرفة فأحاديثها الدالّة على ذلك كثيرة؛ منها:

حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» متفق عليه.

قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (7/ 209، ط. دار إحياء التراث العربي): [معناه: انقضى صومُهُ وَتَمَّ، ولا يوصف الآن بأنه صائم، فإنَّ بغروب الشمس خرج النهار ودخل الليل، والليل ليس محلًّا للصوم] اهـ.

وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لبعض القوم: «يَا فُلَانُ، قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا»، فقال: يا رسول الله، لو أمسيتَ؟ قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، قال: يا رسول الله، فلو أمسيت؟ قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، قال: إنّ عليك نهارًا، قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، فنزل فجدح لهم، فشرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَاهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» متفق عليه.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (4/ 198، ط. دار المعرفة): [وفي حديثي الباب -يعني: حديث عمر وحديث ابن أبي أوفى رضي الله عنهما- من الفوائد: بيان وقت الصوم وأن الغروب متى تحقق كفى، وفيه إيماء إلى الزجر عن متابعة أهل الكتاب؛ فإنهم يؤخرون الفطر عن الغروب] اهـ.

ثالثًا: الدليل من الأثر

أمّا فهم الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنه؛ فهو متواترٌ عنهم قولًا وفعلًا من غير خلاف بينهم؛ فمن ذلك:

ما أخرجه الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف": عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع ابن مسعود رضي الله عنه فوق بيته، فوجبت الشمس (أي: غربت)، فقال عبد الله رضي الله عنه: "هذا والذي لا إله غيره حين أفطر الصائم".

وأخرج الحافظ إبراهيم بن إسحاق الحربي في "غريب الحديث" (2/ 878، ط. جامعة أم القرى): عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ غَرَبَتْ وَنَشَأَ اللَّيْلُ، فقال: هَذَا وَقْتُ الْمَغْرِبِ".

وأمّا اتفاق أهل اللغة على أنَّ الليلَ يبدأ من غروب الشمس، وأن ذلك هو آخر النهار:

فقد قال إمام أهل اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي [ت: 170هـ] في كتاب "العين" (4/ 44، ط. دار ومكتبة الهلال): [والنَّهارُ: ضياء ما بينَ طلوع الفَجْر إلى غُروب الشَّمس] اهـ.

وكذلك قال الإمام أبو الحسن بن سيده في "المحكم والمحيط الأعظم" (4/ 303، ط. دار الكتب العلمية).

رابعًا: الدليل من الإجماع

أمَّا الإجماع:

فقد أجمعت الأمة الإسلامية قولًا وفعلًا، منذ أن بعث الله نبيه سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم الناس هذا، بفقهائها ومحدثيها وعلمائها، بنقل الكافة عن الكافة، والخلف عن السلف، جيلًا عن جيل، عبر الأمصار والأعصار: على أنَّ وقت الصوم ينتهي بتمام غروب الشمس وغياب كامل قرصها، ونقل هذا الإجماعَ كلُّ أصحاب المذاهب الفقهية الإسلامية:

قال الإمام الحافظ محمد بن نصر المروزي [ت: 294هـ] في كتاب "قيام الليل" -كما في "مختصره" للعلامة المقريزي (ص: 71، ط. حديث أكادمي)-: [قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾، فأجمع أهل العلم على أنَّ الشمس إذا غربت: فقد دخل الليل وحَلَّ فطر الصائم] اهـ.

وقال الإمام أبو محمد بن حزم الأندلسي [ت: 456هـ] في "مراتب الإجماع" (ص: 39، ط. دار الكتب العلمية): [وَاتَّفَقُوا على أَن الاكل لما يغذي من الطَّعَام مِمَّا يسْتَأْنف ادخاله فِي الْفَم وَالشرب وَالْوَطْء حرَام من حِين طُلُوع الشَّمْس إلى غُرُوبهَا، وَاتَّفَقُوا على أَن كل ذَلِك حَلَال من غرُوب الشَّمْس إلى مِقْدَار مَا يُمكن الْغسْل قبل طُلُوع الْفجْر الآخر] اهـ.

وقال الإمام الحافظ ابن عبد البر المالكي [ت: 463هـ] في "التمهيد" (10/ 62، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية): [والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، على هذا إجماع علماء المسلمين فلا وجه للكلام فيه] اهـ.

وقال الإمام الموفق بن قدامة الحنبلي [ت: 620هـ] في "المغني" (3/ 105، ط. مكتبة القاهرة): [والنهار الذي يجب صيامه: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا قول جماعة علماء المسلمين] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي [ت: 676هـ] في "المجموع" (6/ 304، ط. دار الفكر): [ينقضي الصوم ويتم بغروب الشمس بإجماع المسلمين] اهـ.

وقد فَهِم علماء الفلك المسلمون والمختصون في المواقيت عبر القرون هذه العلامات والمعايير الشرعية فَهمًا دقيقًا، ووضعوها في الاعتبار، وضبطوها بالمعايير الفلكية المعتمدة، ونقلوا ذلك جيلًا عن جيل، بالوسائل العلمية الصحيحة، والقواعد الفقهية الواضحة؛ بحيث صار التشكيك في فعلهم نوعًا من الجهل وضربًا من الهذيان.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإنَّ المجمع عليه بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وطوائفهم وأعصارهم وأمصارهم: أنَّ وقت إفطار الصائم إنما يحين بتمامِ غروب الشمس واختفاء قرصها، لا بعد ذلك، ولا قبله، وعلى ذلك دلَّت النصوص القطعية من الكتاب والسنة وإجماع الأمة سلفًا وخلفًا، وهذا من الأمور القطعية المجمع عليها التي صارت تشكل جزءًا من هوية الإسلام الثابتة وأحكامه القطعية؛ فلا يجوز إنكارُها ولا يسوغ الخلاف فيها، ولا يجوز الالتفات إلى هذه الأقوال الباطلة والدعاوى الكاذبة والآراء الشاذة التي تخالف إجماع المسلمين وتطعن في القطعي من الدين.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا