اعتاد الناس في قريتنا على إقامة الحفلات والاجتماع لسماع القرآن الكريم في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المُعَظَّم، فادَّعى بعض الشباب أنَّ ذلك بدعة غير جائزة، فما رأي الشرع في ذلك؟

حكم الاجتماع لقراءة القرآن الكريم والاستماع إليه في ليالي رمضان

اجتماع المسلمين على قراءة القرآن الكريم والاستماع إليه أمر مستحب شرعًا، ولا خلاف في جوازه ومشروعيته؛ فقراءة القرآن الكريم أفضل أنواع ذكر الله الذي حضَّنا ربنا تبارك وتعالى عليه، كما أنَّ للاجتماع على قراءة القرآن الكريم فضلًا عظيمًا؛ فإن المولى سبحانه وتعالى جعل المجتمعين في هذا المجلس ممَّن تحفُّهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله تعالى فيمَن عنده.
التفاصيل ....المحتويات
- حث الشرع على الدعوة إلى الاجتماع على ذكر الله
- أفضل الذكر قراءة القرآن الكريم
- بيان الثواب الذي أعده الله للمجتمعين على قراءة القرآن الكريم
- الخلاصة
حث الشرع على الدعوة إلى الاجتماع على ذكر الله
جاء الشرع الشريف بالدعوة إلى الاجتماع والتعاون بين المسلمين في أعمال الخير والبر؛ فقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، ومِن حثّه على ذلك كان الأمر بالاجتماع على ذكر الله؛ حيث إنَّ الاجتماع على ذكره تعالى من أفضل العبادات، قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]، وجاءت النصوص من السنة النبوية ببيان ما أعدَّه الله تعالى للمُجْتَمِعين على ذكره من جزيل عطائه؛ فهم ممَّن تحفُّهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله تعالى فيمَن عنده؛ فروى مسلم في "صحيحه" عن الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ أنه قال: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
أفضل الذكر قراءة القرآن الكريم
فالأمر باستحباب الاجتماع على ذكر الله تعالى عام يشمل كلَّ حالٍ وزمانٍ ومكانٍ، كما يشمل شتى أنواع الذكر لله تعالى من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك من أنواع الذكر المحمود، وهو من باب أولى يشملُ قراءة القرآن الكريم؛ لأنه أفضلُ الذكر كما جاءت بذلك النصوص من السنة الشريفة وتكاثرت بذلك أقوال الفقهاء؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ. وَفَضْلُ كَلَامِ اللهِ عَلَى سَائِرِ الكَلَامِ كَفَضْلِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ» أخرجه الترمذي في "سننه" وحسنه.
قال العلامة الشيرازي الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/ 307، ط. دار النوادر): [قراءة القرآن أفضل من الذكر؛ لأنَّ القرآن كلام الله تعالى، وفيه المواعظ والحكم والاعتبارات، وغير ذلك من الفوائد التي لا يمكن إحصاؤها، وقد جاء في الحديث أنَّ القارئ يُعطَى بكل حرف عشر حسنات، ولأنَّ القيام والمداومة بالقرآن سبب بقاء القرآن بين الناس، وبقاءُ القرآن بقاءُ الدين، ولا شك أنَّ الساعي في شيء فيه بقاء الدين أفضل من غيره] اهـ.
وقال العلامة الشيخ العدوي المالكي في "حاشيته على شرح الخرشي على خليل" (2/ 67، ط. دار الفكر): [أفضلُ الذكرِ القرآنُ؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾ [الحجر: 9]] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (ص: 24، ط. ابن حزم): [واعلم أنَّ المذهب الصحيح المختار الذي عليه مَن يعتمد من العلماء أنَّ قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، والله أعلم] اهـ.
بيان الثواب الذي أعده الله للمجتمعين على قراءة القرآن الكريم
كما أنَّه قد وردت النصوص من السنة النبوية الشريفة في خصوص استحباب اجتماع المسلمين على قراءة القرآن الكريم، وبيان ما أعدَّ الله لهم على ذلك من جزيل الثواب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقْرَءُونَ وَيَتَعَلَّمُونَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وعن أبي الرُّدَيْنِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَتَعَاطَوْنَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا كَانُوا أَضْيَافًا لله عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يَقُومُوا أَوْ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، والشجري في "ترتيب الأمالي"، والهيثمي في "بغية الحارث".
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (17/ 21، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور.. ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة: الاجتماع فى مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى، ويدلُّ عليه الحديث الذي بعده؛ فإنه مطلقٌ يتناول جميع المواضع، ويكون التقييد في الحديث الأول خرج على الغالب لا سيما في ذلك الزمان، فلا يكون له مفهوم يعمل به] اهـ.
وقال الإمام ابن دقيق العيد في "شرح الأربعين النووية" (ص: 120، ط. مؤسسة الريان): ["وما اجتمع قوم" هذا نكرة شائعة في جنسها؛ كأنه يقول: أيُّ قوم اجتمعوا على ذلك كان لهم ما ذكره من الفضل كله؛ فإنه لم يشترط صلى الله عليه وآله وسلم هنا فيهم أن يكونوا علماء ولا زهادًا ولا ذوي مقامات] اهـ.
الخلاصة
وعليه: فاجتماع المسلمين على قراءة القرآن الكريم والاستماع إليه أمر مستحبٌّ شرعًا، ولا خلاف في جوازه ومشروعيته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.