هلاك السلعة بعد العقد وقبل التسليم وبيان من يلزمه الضمان

تاريخ الفتوى: 24 أكتوبر 2021 م
رقم الفتوى: 5868
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: البيع
هلاك السلعة بعد العقد وقبل التسليم وبيان من يلزمه الضمان

يقول السائل: دخلت أحد المتاجر لأشتري هاتفًا محمولًا، وبعد اختيار النوع ومعاينته وفحصه والاتفاق عليه، قمت بدفع ثمنه كاملًا، إلا أنه سقط من البائع على الأرض قبل أن أستلمه منه فانكسر، فأعطاني غيره، وأنا أخاف من الظلم؛ فهل يجب عليَّ أن أتحمل شيئًا من ثمن الهاتف المكسور؟

ما حصل بينك وبين التاجر بشأن الهاتف المحمول بعد اختياره ومعاينته ودفع كامل ثمنه؛ هو عقدُ بيعٍ صحيحٍ وجائز شرعًا، إلا أنَّ هلاك الهاتف في يد البائع بسقوطه منه على الأرض وانكساره قبل قبضك له يبطل البيع، ويكون الضمان على البائع، وتستحق ما دفعته إلى البائع من الثمن، وتصرف البائع بإعطائك هاتفًا محمولًا بدلًا من التالف مع رضاك به صحيح وجائزٌ أيضًا، ولا ظلم في ذلك ولا إثم.

المحتويات

 

اشتراط القبض في عقد البيع وبيان أثر ذلك

المعاملات الجارية بين الناس يُرَاعَى فيها ابتداءً تحقُّقُ شروط العقود عامة؛ من أهلية المتعاقدين، وحصول الرضا بينهما، وانتفاء الغرر، وكذلك خلو المعاملة من الشروط الممنوعة شرعًا؛ كما جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الترمذي وصححه، والدارقطني والبيهقي في "السنن".

 ومن المقرر شرعًا أن عقد البيع إذا تحققت فيه أركانه كان صحيحًا؛ من العاقدين (البائع والمشتري)، والمعقود عليه (الثمن والمثمن)، والصيغة (الإيجاب والقبول)، وخلا مما يفسده أو يبطله.

قال الإمام الخرشي في "شرح مختصر خليل" (5/ 5، ط. دار الفكر): [اعلم أن للبيع أركانًا ثلاثة: الصيغة، والعاقد وهو البائع والمشتري، والمعقود عليه وهو الثمن والمثمن] اهـ.

والأصل في البيوع الإباحة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: 275]، إلا ما نهى عنه الشرع، أو كان في معنى ما نهى عنه؛ كما في "الأم" للإمام الشافعي (3/ 3، ط. دار المعرفة).

ويُشْتَرَطُ لتمام البيع قبض المبيع من قِبَل المشترِي؛ بأن يخلي البائع بين المشتري والمبيع بما يُمَكِّنُهُ من تمام التصرف فيه مع عدم وجود حائل يمنعه من ذلك، ويختلف القبض في كل مبيع بحسبه؛ فإن كان من المنقولات كان قبضه بالمناولة من يد البائع إلى يد المشتري، وإن كان من العقارات كان قبضه بالتخلية بين المشتري والعقار.

واشتراط القبض لتمام البيع هو مذهب الحنفية والشافعية، واشترطه الحنابلة في بعض الصور، وجعله المالكية أثرًا من آثار البيع.

قال العلامة السغدي في "النتف" (1/ 436، ط. دار الفرقان): [وَاعْلَم أن البيع لَا ينْعَقد إلا باجتماع خَمْسَة أشياء.. وَالْخَامِس: الْقَبْض] اهـ.

وقال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 244، ط. دار الكتب العلمية): [فتسليم المبيع إلى المشتري هو جعل المبيع سالمًا للمشتري؛ أي خالصًا له بحيث لا ينازعه فيه غيره، وهذا يحصل بالتخلية؛ فكانت التخلية تسليمًا من البائع، والتخلِّي قبضًا من المشتري، وكذا هذا في تسليم الثمن إلى البائع] اهـ.

وجاء في "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 55، ط. نور محمد): [المادة (264): متى حصل تسليم المبيع صار المشتري قابضًا له] اهـ.

وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (5/ 122، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال (ش) و(ح) -أي: الشافعي وأبو حنيفة-: تلف المبيع قبل القبض بأمر سماوي أو بجناية البائع يبطل البيع؛ لأن القبض من تتمة البيع؛ لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما لم يقبض، وإذا لم يتم البيع بطل، وجوابه: أنه عليه الصلاة والسلام جعل الخراج بالضمان، فلو كان مضمونًا على البائع لكان خراجه له، وليس كذلك اتفاقًا، ثم إنا نمنع أن القبض تتمة البيع، بل البيع تمَّ، ومن آثاره: استحقاق القبض] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الإقناع" (ص: 101، بدون طبعة): [ولا يتمّ -أي البيع- إلا بالقبض] اهـ.

 وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "دقائق أُولي النُّهى" (2/ 57، ط. عالم الكتب): [(يقبض منهما) الثمن والمثمن، (ويسلّم المبيع) لمشترٍ، (ثم) يسلّم (الثمن) لبائع؛ لأنَّ قبض المبيع من تتمَّات البيع في بعض الصور، واستحقاق الثمن مرتَّبٌ على تمام البيع، ولجريان العادة بذلك] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (4/ 85، ط. مكتبة القاهرة): [وَقَبْضُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ] اهـ.

هلاك السلعة بعد العقد وقبل التسليم وبيان من يلزمه الضمان

إن هلَكَ المبيعُ في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري: فقد نصَّ الفقهاء على أن هذا الهلاك يترتب عليه بطلانُ العقد، وأن يرُدَّ البائعُ الثمنَ أو ما دُفع منه إلى المشتري؛ لفوات محلّ التعاقد، أو يعطي البائعُ للمشتري مثل المبيع إن كان مثليًّا وقيمته إن لم يكن مثليًّا.

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي في "الحجة على أهل المدينة" (2/ 557، ط. عالم الكتب): [وَإِذا لم يقبض المُشْتَرِي مَا اشْترى؛ فَمَا ذهب مِنْهُ من قَلِيلٍ أَو كثيرٍ فَهُوَ من مَال البَائِع؛ لأنه هلك فِي ضَمَان البَائِع قبل أن يُسلمهُ إلى المُشْتَرِي] اهـ.

قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 42، ط. دار المعرفة): [ضمانُ المبيع في يد البائع ضمانُ مِلْكٍ، حتى لو هلك يَهْلِكُ على مِلْكِهِ؛ فكان قبضُ المشتري ناقلًا لضمان الملك] اهـ.

وقال العلامة ابن الحاجب المالكي في "جامع الأمهات" (ص: 363، ط. اليمامة للطباعة): [وَإِتْلَاف البَائِع وَالْأَجْنَبِيّ يُوجب الْغُرمَ] اهـ.

وقال الإمام الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (5/ 162): [وَإِتْلَاف الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ لِمَبِيعٍ عَلَى الْبَتِّ، وَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ يُوجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ قِيمَةَ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلَ الْمِثْلِيِّ] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (5/ 136، ط. دار الكتب العلمية): [قال الشافعي: كل سلعةٍ باعها فهلكت قبل القبض فمِن مالِ بائعها؛ لأنه كان عليه تسليمُها، فلما هلكت لم يكن له أخذ ثمنها. وهذا صحيح إذا تلفت السلعة المبيعة في يد بائعها قبل قبض المشتري لها بطل البيع وكانت من ضمان البائع واستحق المشتري استرجاع الثمن؛ سواء بَذَلَهَا البائعُ فامتنع المشتري مِن قبضها، أو طَلَبَهَا المشتري فامتنع البائع مِن إقباضها؛ هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه] اهـ.

وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي [ت: 682هـ] في "الشرح الكبير" (4/ 116، ط. دار الكتاب العربي): [وما يحتاج إلى القبض إذا تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع.. ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن؛ لأن التلف حصل في يد البائع فهو كحدوث العيب في يده، وبين البقاء على العقد ومطالبة الـمُتْلِف بالمثل إن كان مثليًّا وبالقيمة إن لم يكن مثليًّا، وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا] اهـ.

وبنحو هذا جاء القانون المدني المصري، الصادر برقم 131 لسنة 1948م، وتعديلاته الصادرة في 16 يوليو لسنة 2011م؛ حيث نصَّت المادتان 159، 160 منه على: [(159) في العقود الملزمة للجانبين؛ إذا انقضى التزامٌ بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه.

(١٦٠) إذا فُسِخَ العقد أُعِيَد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فاذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما حصل بينك وبين التاجر بشأن الهاتف المحمول بعد اختياره ومعاينته ودفع كامل ثمنه؛ هو عقد بيع صحيح وجائز شرعًا، إلا أن هلاك الهاتف في يد البائع بسقوطه منه على الأرض وانكساره قبل قبضك له يبطل البيع، وتكون تَبِعَةُ الهلاك على البائع، وتستحق ما دفعته إلى البائع من الثمن، وتصرف البائع بإعطائك هاتفًا محمولًا بدلًا من التالف مع رضاك به صحيح وجائزٌ أيضًا، ولا ظلم في ذلك ولا إثم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الاتجار في أدوية التأمين الصحي بالمخالفة للقانون؟ فنحن نرجو من سيادتكم إفادتنا عن بعض الأمور المتعلقة بمهنة الصيدلة من حيث الحِل والحرمة وبيان الحكم الشرعي وهي: قيام بعض الصيادلة بشراء وبيع أدوية التأمين الصحي من خلال صيدلياتهم العامة لغير المستحقين من جمهور المرضى، مع العلم أنه لا يجوز صرفها إلا من هيئة التأمين الصحي وليس من الصيدليات العامة؛ مما يضيع الكثير من الأموال من الميزانية العامة للدولة.


ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ حيث توجد بعض الألعاب المنتشرة على شبكة الإنترنت تكون بين مجموعة من اللاعبين، يأخذ كل متسابق في بداية اللعبة عددًا من العملات الخاصة باللعبة (coins)، فإذا خسر قَلَّ عدد هذه العملات، وإذا تقدم في اللعبة زاد عددها، كما أنَّ اللاعب عند وصوله إلى مستوى معين يكون قد جمع الكثير من هذه العملات ولا يكون في حاجة إليها، فيبيعها لغيره بأموال حقيقية، عن طريق تحويلها إلى حساب الشخص الآخر في اللعبة، أو يبيع حساب اللعبة (account) بالكامل، بأن يعطي اسم الحساب والرقم السري للمشتري؛ فما حكم ذلك شرعًا؟


سأل رجل قال: إنه تاجر أسمدة كيماوية، يبيع الكيماوي لمدة سنة تقريبًا فأقل أو أكثر بثمن أكثر من ثمن الحال، فإذا اشترى منه مشتر إلى أجل بثمن المؤجل وكتب الكمبيالة وقبل أن يخرج من محله اشترى منه ما باعه له بالنقد بالسعر الحاضر. فهل في هذا التصرف حرمة؟


ما حكم البيع مع الاحتفاظ بحق التصرف إلى الممات؛ فامرأة باعت لزوجها فدانًا واحدًا بثمن قدره خمسون جنيهًا، وقد أبرأت البائعة المذكورة زوجها المشتري المذكور من قيمة ثمن هذا القدر، وقد تحرَّر بذلك عقد عرفيٌّ لا عن يد أحد قضاة المحاكم، وقد ذكر بصلب العقد: "ولي أنا البائعة المذكورة حق الانتفاع بالفدان المباع المذكور مدة حياتي، وما دمت على قيد الحياة، وبعد وفاتي ينتقل حق التصرف المذكور إلى زوجي المشتري المذكور".
والمشتري المذكور زوج البائعة المذكورة توفي إلى رحمة الله تعالى قبل وفاة زوجته البائعة المذكورة، وترك ذريةً من غير البائعة المذكورة -أي من زوجةٍ أخرى خلاف البائعة- فهل هذا العقد صحيح بجميع ما ذُكر فيه من الإبراء المذكور من قيمة هذا الثمن، ولا رجوع فيه؟ وهل ورثة المتوفى المذكورون يرثون في هذا القدر بعد وفاة زوجته البائعة المذكورة أم لا؟ أفيدوا الجواب، ولكم الثواب.


ما حكم بيع القمح في السوق السوداء لاستخدامه بدلًا من العلف الحيواني؟


يقول السائل: أنا رجل أضارب في أسهم بعض الشركات من خلال البورصة، وربما أشتري الأسهم وأنتظر فترة طويلة حتى يرتفع سعر الأسهم ثم أبيعها، وقد يستمر الانتظار فترة طويلة بعد حلول الحول، وهو ما يجعلني مضطرًّا لتأجيل إخراج الزكاة حتى يتمّ بيع هذه الأسهم، فكيف أُخْرِج الزكاة في هذه الحالة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 سبتمبر 2025 م
الفجر
5 :13
الشروق
6 :40
الظهر
12 : 49
العصر
4:18
المغرب
6 : 58
العشاء
8 :15