الإثنين 08 ديسمبر 2025م – 17 جُمادى الآخرة 1447 هـ

هلاك السلعة بعد العقد وقبل التسليم وبيان من يلزمه الضمان

تاريخ الفتوى: 24 أكتوبر 2021 م
رقم الفتوى: 5868
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: البيع
هلاك السلعة بعد العقد وقبل التسليم وبيان من يلزمه الضمان

يقول السائل: دخلت أحد المتاجر لأشتري هاتفًا محمولًا، وبعد اختيار النوع ومعاينته وفحصه والاتفاق عليه، قمت بدفع ثمنه كاملًا، إلا أنه سقط من البائع على الأرض قبل أن أستلمه منه فانكسر، فأعطاني غيره، وأنا أخاف من الظلم؛ فهل يجب عليَّ أن أتحمل شيئًا من ثمن الهاتف المكسور؟

ما حصل بينك وبين التاجر بشأن الهاتف المحمول بعد اختياره ومعاينته ودفع كامل ثمنه؛ هو عقدُ بيعٍ صحيحٍ وجائز شرعًا، إلا أنَّ هلاك الهاتف في يد البائع بسقوطه منه على الأرض وانكساره قبل قبضك له يبطل البيع، ويكون الضمان على البائع، وتستحق ما دفعته إلى البائع من الثمن، وتصرف البائع بإعطائك هاتفًا محمولًا بدلًا من التالف مع رضاك به صحيح وجائزٌ أيضًا، ولا ظلم في ذلك ولا إثم.

المحتويات

 

اشتراط القبض في عقد البيع وبيان أثر ذلك

المعاملات الجارية بين الناس يُرَاعَى فيها ابتداءً تحقُّقُ شروط العقود عامة؛ من أهلية المتعاقدين، وحصول الرضا بينهما، وانتفاء الغرر، وكذلك خلو المعاملة من الشروط الممنوعة شرعًا؛ كما جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا» أخرجه الترمذي وصححه، والدارقطني والبيهقي في "السنن".

 ومن المقرر شرعًا أن عقد البيع إذا تحققت فيه أركانه كان صحيحًا؛ من العاقدين (البائع والمشتري)، والمعقود عليه (الثمن والمثمن)، والصيغة (الإيجاب والقبول)، وخلا مما يفسده أو يبطله.

قال الإمام الخرشي في "شرح مختصر خليل" (5/ 5، ط. دار الفكر): [اعلم أن للبيع أركانًا ثلاثة: الصيغة، والعاقد وهو البائع والمشتري، والمعقود عليه وهو الثمن والمثمن] اهـ.

والأصل في البيوع الإباحة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: 275]، إلا ما نهى عنه الشرع، أو كان في معنى ما نهى عنه؛ كما في "الأم" للإمام الشافعي (3/ 3، ط. دار المعرفة).

ويُشْتَرَطُ لتمام البيع قبض المبيع من قِبَل المشترِي؛ بأن يخلي البائع بين المشتري والمبيع بما يُمَكِّنُهُ من تمام التصرف فيه مع عدم وجود حائل يمنعه من ذلك، ويختلف القبض في كل مبيع بحسبه؛ فإن كان من المنقولات كان قبضه بالمناولة من يد البائع إلى يد المشتري، وإن كان من العقارات كان قبضه بالتخلية بين المشتري والعقار.

واشتراط القبض لتمام البيع هو مذهب الحنفية والشافعية، واشترطه الحنابلة في بعض الصور، وجعله المالكية أثرًا من آثار البيع.

قال العلامة السغدي في "النتف" (1/ 436، ط. دار الفرقان): [وَاعْلَم أن البيع لَا ينْعَقد إلا باجتماع خَمْسَة أشياء.. وَالْخَامِس: الْقَبْض] اهـ.

وقال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/ 244، ط. دار الكتب العلمية): [فتسليم المبيع إلى المشتري هو جعل المبيع سالمًا للمشتري؛ أي خالصًا له بحيث لا ينازعه فيه غيره، وهذا يحصل بالتخلية؛ فكانت التخلية تسليمًا من البائع، والتخلِّي قبضًا من المشتري، وكذا هذا في تسليم الثمن إلى البائع] اهـ.

وجاء في "مجلة الأحكام العدلية" (ص: 55، ط. نور محمد): [المادة (264): متى حصل تسليم المبيع صار المشتري قابضًا له] اهـ.

وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة" (5/ 122، ط. دار الغرب الإسلامي): [قال (ش) و(ح) -أي: الشافعي وأبو حنيفة-: تلف المبيع قبل القبض بأمر سماوي أو بجناية البائع يبطل البيع؛ لأن القبض من تتمة البيع؛ لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما لم يقبض، وإذا لم يتم البيع بطل، وجوابه: أنه عليه الصلاة والسلام جعل الخراج بالضمان، فلو كان مضمونًا على البائع لكان خراجه له، وليس كذلك اتفاقًا، ثم إنا نمنع أن القبض تتمة البيع، بل البيع تمَّ، ومن آثاره: استحقاق القبض] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الإقناع" (ص: 101، بدون طبعة): [ولا يتمّ -أي البيع- إلا بالقبض] اهـ.

 وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "دقائق أُولي النُّهى" (2/ 57، ط. عالم الكتب): [(يقبض منهما) الثمن والمثمن، (ويسلّم المبيع) لمشترٍ، (ثم) يسلّم (الثمن) لبائع؛ لأنَّ قبض المبيع من تتمَّات البيع في بعض الصور، واستحقاق الثمن مرتَّبٌ على تمام البيع، ولجريان العادة بذلك] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (4/ 85، ط. مكتبة القاهرة): [وَقَبْضُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ] اهـ.

هلاك السلعة بعد العقد وقبل التسليم وبيان من يلزمه الضمان

إن هلَكَ المبيعُ في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري: فقد نصَّ الفقهاء على أن هذا الهلاك يترتب عليه بطلانُ العقد، وأن يرُدَّ البائعُ الثمنَ أو ما دُفع منه إلى المشتري؛ لفوات محلّ التعاقد، أو يعطي البائعُ للمشتري مثل المبيع إن كان مثليًّا وقيمته إن لم يكن مثليًّا.

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي في "الحجة على أهل المدينة" (2/ 557، ط. عالم الكتب): [وَإِذا لم يقبض المُشْتَرِي مَا اشْترى؛ فَمَا ذهب مِنْهُ من قَلِيلٍ أَو كثيرٍ فَهُوَ من مَال البَائِع؛ لأنه هلك فِي ضَمَان البَائِع قبل أن يُسلمهُ إلى المُشْتَرِي] اهـ.

قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (5/ 42، ط. دار المعرفة): [ضمانُ المبيع في يد البائع ضمانُ مِلْكٍ، حتى لو هلك يَهْلِكُ على مِلْكِهِ؛ فكان قبضُ المشتري ناقلًا لضمان الملك] اهـ.

وقال العلامة ابن الحاجب المالكي في "جامع الأمهات" (ص: 363، ط. اليمامة للطباعة): [وَإِتْلَاف البَائِع وَالْأَجْنَبِيّ يُوجب الْغُرمَ] اهـ.

وقال الإمام الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (5/ 162): [وَإِتْلَاف الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ لِمَبِيعٍ عَلَى الْبَتِّ، وَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ يُوجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ قِيمَةَ الْمُقَوَّمِ وَمِثْلَ الْمِثْلِيِّ] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (5/ 136، ط. دار الكتب العلمية): [قال الشافعي: كل سلعةٍ باعها فهلكت قبل القبض فمِن مالِ بائعها؛ لأنه كان عليه تسليمُها، فلما هلكت لم يكن له أخذ ثمنها. وهذا صحيح إذا تلفت السلعة المبيعة في يد بائعها قبل قبض المشتري لها بطل البيع وكانت من ضمان البائع واستحق المشتري استرجاع الثمن؛ سواء بَذَلَهَا البائعُ فامتنع المشتري مِن قبضها، أو طَلَبَهَا المشتري فامتنع البائع مِن إقباضها؛ هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه] اهـ.

وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي [ت: 682هـ] في "الشرح الكبير" (4/ 116، ط. دار الكتاب العربي): [وما يحتاج إلى القبض إذا تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع.. ويثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن؛ لأن التلف حصل في يد البائع فهو كحدوث العيب في يده، وبين البقاء على العقد ومطالبة الـمُتْلِف بالمثل إن كان مثليًّا وبالقيمة إن لم يكن مثليًّا، وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا] اهـ.

وبنحو هذا جاء القانون المدني المصري، الصادر برقم 131 لسنة 1948م، وتعديلاته الصادرة في 16 يوليو لسنة 2011م؛ حيث نصَّت المادتان 159، 160 منه على: [(159) في العقود الملزمة للجانبين؛ إذا انقضى التزامٌ بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه.

(١٦٠) إذا فُسِخَ العقد أُعِيَد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فاذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما حصل بينك وبين التاجر بشأن الهاتف المحمول بعد اختياره ومعاينته ودفع كامل ثمنه؛ هو عقد بيع صحيح وجائز شرعًا، إلا أن هلاك الهاتف في يد البائع بسقوطه منه على الأرض وانكساره قبل قبضك له يبطل البيع، وتكون تَبِعَةُ الهلاك على البائع، وتستحق ما دفعته إلى البائع من الثمن، وتصرف البائع بإعطائك هاتفًا محمولًا بدلًا من التالف مع رضاك به صحيح وجائزٌ أيضًا، ولا ظلم في ذلك ولا إثم.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما مدى أحقية المشتري في رد الحيوان إذا اكتشف به مرضًا معيبًا؟ حيث اشترى أحد الناس ماشية ثم اكتشف أنَّها مريضةٌ مرضًا ينقص من ثمنها، وقد يُعرض حياتها للخطر؛ فهل له الحق في ردها على صاحبها؟ وهل هناك شروط لهذا الرد؟


السائل يقول: إنه في شهر يونيه سنة 1986م تعاقد مع مؤسسة عربية لبيع ماكينات الخياطة والتطريز على شراء ماكينتين للتطريز، على أن يطلب صاحب المؤسسة من الشركة إرسال هذه الماكينات في خلال مدة من 3 إلى 6 شهور، وتم الاتفاق بينه وبين البائع على تسليم الماكينات في ظرف ثلاثة أشهر مقابل مبلغ 74800 جنيه بالشروط التالية:
أ- يدفع من هذا المبلغ 20000 جنيه عند تحرير العقد، وقد دفع هذا المبلغ فعلًا.
ب- يدفع عند التسليم 10000 جنيه.
ج- باقي المبلغ 40800 جنيه تسدد على أقساط شهرية تبدأ بعد التسليم.
د- تحدد بالعقد شرط جزائي قدره 5000 جنيه يدفعها من يخل بشرط هذا العقد.
وسافر إلى عمان بعد أن وكل ابنه في استلام الماكينات، وادعى البائع بأن الماكينات في طريقها إلى الإسكندرية، وطلب المبلغ المتفق عليه عند التسليم، وفعلًا استلم مبلغ 10000 جنيه، وأصبح طرفه مبلغ 30000 جنيه، وعند عودته في يونيه سنة 1987م طالبه بالماكينات، ولكنه ادعى أن الشحنة وصلت بدون الماكينات المطلوبة، ووعد باستعجالها، وقرب السفر حدد موعدًا آخر يوافق وجوده بالسلطنة.
ومر عامٌ آخر وهو يعد ويخلف الوعد، وفي عام 1988م ادعى البائع بأن الماكينات سوف تصله، وحدد موعدًا يوافق يوم سفره بعد انتهاء الإجازة، وادعى بأنه مضطر أن يقدم من يدفع له الثمن نقدًا، ولكنه تقديرًا له يطلب منه مبلغ 10000 جنيه أخرى على أن يسلمه الماكينات في شهر سبتمبر سنة 1988م، وفعلًا دفع له هذا المبلغ، ثم قام زملاء السائل في شهر أكتوبر سنة 1988م بتجديد عقد الاتفاق السابق، وزادوا فيه قيمة الشرط الجزائي إلى 35% من قيمة المبلغ المدفوع أي ما يوازي 14 ألف جنيه، وحددوا موعدًا آخر هو 15 أغسطس سنة 1989م، في هذا الموعد كشف هذا البائع عن غدره، وأعلن أنه عاجز عن تنفيذ هذا العقد، وعن استعداده لدفع قيمة الشرط الجزائي، وفعلًا حرر السائل شيكات بمبلغ 50000 جنيه على خمسة أشهر، وبقي عنده 4 آلاف جنيه تحت المحاسبة.
ويسأل: هل يستحق هذا المبلغ 14 ألف جنيه قيمة الشرط الجزائي؟ وهل يكون حلالًا، أم لا؟ وكيفية التصرف فيه إذا كان غير حلال، وهل على المبلغ المدفوع زكاة باعتباره كان ثمنًا لآلات للعمل؟ وما مقدارها؟


ما حكم الشرع في بيع السلع بعرض عينات منها عن طريق مندوب المبيعات؟ فأنا أعمل مندوبًا للمبيعات في منتجات مصانع الأدوات والمستلزمات الطبية، وأبيع لمحلات المستلزمات والأدوات الطبية والصيدليات؛ بحيث أعرض عليهم عيِّنات من هذه المنتجات، وأتفق على بيع مثل هذه العيِّنة بكمية محددة وسعر محدد بناء على الاتفاق بيني وبين القائمين على المحل أو الصيدلية، فما حكم هذا البيع شرعًا؟


ما حكم دفع المشترك المتأخر في الأسانسير أكثر من المتقدم لزيادة السعر؟ فهناك مجموعةٌ من الجيران في إحدى العمارات اشتَرَكوا في شراء مِصْعَدٍ كهربائي، وبعد عامٍ تقريبًا أرادَ أحدُ الجيران -غيرَ هؤلاء- الاشتراكَ معهم في المِصْعَد، فطلبوا منه مبلغًا أكبر من المبلغ الذي كان سيدفعُه لو أنه اشتَرَكَ معهم أوَّل الأمر، وعلَّلوا تلك الزيادة بزيادة الأسعار، فهل هذا المبلغُ الزائدُ يُعتبر رِّبا؟


ما حكم أخذ ما تركه المستأجر بعد انتهاء عقد الإجارة ومغادرة المكان؟ فهناك إحدى الشركات استأجرَت قطعةَ أرضٍ كمخزنٍ للمعدات والمؤن، وبعد انتهاء مدة الإجارة انصرفت الشركة وغادرت المكان، لكنها تركت بعض الأدوات، ومَضَت مدةٌ ولَمْ تَطلُبها، فهل يجوز لصاحب الأرض أن يأخذها لنفسه؟


ما حكم البيع بالتقسيط؟ وما هو الربح أو المكسب المباح في البيع بالقسط والبيع الفوري؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 08 ديسمبر 2025 م
الفجر
5 :6
الشروق
6 :39
الظهر
11 : 47
العصر
2:36
المغرب
4 : 55
العشاء
6 :18