ما حكم إمامة الصبي لأمِّه أو أفراد أسرته في صلاة النافلة عمومًا، وصلاة التراويح خصوصًا؟ وذلك بهدف تحصيل ثواب الجماعة.
إمامة الصبيِّ الـمُمَيِّز لأمِّه أو أفراد أسرته في صلاةِ النافلة مطلقًا -ومنها التراويح-: جائزة شرعًا، وصلاة المقتدي به صحيحةٌ؛ بشرط أنْ يكون عالِمًا بالصلاة وأحكامها، ملتزمًا بأركانها وشروط صحتها.
وهذا يُعدُّ من العمل الصالح بين أفراد الأسرة الواحدة، وفيه المحافظة على تعليم الصغار شعائر الإسلام وإقامتها؛ فصلاة الجماعة لها شأنٌ عظيمٌ ومنزلةٌ رفيعة؛ فهي تزيد في الأجر والفضل عن صلاة المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة.
المحتويات
إمامة الصلاة في الإسلام لها شأنٌ عظيمٌ ومنزلةٌ رفيعة؛ إذ بها تُقام جماعة المسلمين فتفضل صلاتهم وترتفع درجاتها عن صلاتهم منفردين؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفق عليه.
لِعِظَمِ شأن الإمامة اشترط الشرع لها تقديم أفضل مَن يحضُرُ الصلاة مِن المسلمين قراءةً لكتاب الله، وعلمًا بالسنة، وكبرًا في السنِّ، ونحو ذلك؛ فكان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إمامَ المسلمين في صلاتهم إذا حضرها، وتبعه على ذلك أفاضل الأمة عِلْمًا وعَمَلًا من الصحابة والتابعين ومَن تَبِعَهُم من أهل القرون المفضَّلة الـمُثْلَى، وهذا ما عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا في تقديم مَن يؤُمُّهُم في صلاتهم، وإلى يوم الناس هذا.
فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا. وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (2/ 299- 300، ط. مكتبة الرشد): [وقال الطبري: لمَّا استخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصديقَ رضي الله عنه على الصلاة، بعد إعلامه لأمته أن أحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله- صح أنه يَوْمَ قَدَّمَهُ للصلاة كان أقرأَ أُمَّتِهِ لكتاب الله وأعلمَهم وأفضلَهم] اهـ.
إنما قَدَّم الشرع لإمامة المصلين أفضلهم وأعلمهم: رعايةً لأحكام الصلاة وشروطها؛ إذ الإمام ضامنٌ لصلاتهم، فإن أصاب فَلَهُ وَلَهُم، وإن أخطأ فعليه ولا عليهم؛ ولذلك استحقَّ الأئمةُ دعاءَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بالرشد؛ لِعِظَمِ ما أقامهم اللهُ فيه من أمر الصلاة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» أخرجه أحمد في "المسند"، وأبو داود والترمذي في "السنن"، وابن خزيمة في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط".
وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ أَمَّ النَّاسَ فَأَصَابَ الْوَقْتَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ؛ فَلَهُ وَلَهُمْ، وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ فَعَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ» أخرجه أحمد في "المسند"، وأبو داود وابن ماجه والبيهقي في "السنن"، وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
ذهب جمهور الفقهاء مِن المالكية والشافعية وبعض فقهاء الحنفية وأصح الروايتين عند الحنابلة إلى: صحة إمامة الصبيِّ المميِّز للبالغ في صلاة النافلة -ومنها: صلاة التراويح-، وهو المروي عن أم المؤمنين عائشة، وعمرو بن سلمة رضي الله عنهما، وجماعة من التابعين؛ كالأشعث بن قيس، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وعطاء، والزهري، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبي ثور، رحمهم الله جميعًا، وقد قيَّد المالكية صحتها حال وقوعها لا ابتدائها، على المشهور عندهم.
فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كُنَّا نَأْخُذُ الصِّبْيَانَ مِنَ الْكُتَّابِ لِيَقُومُوا بِنَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَنَعْمَلَ لَهُمُ الْقَلِيَّةَ، وَالْخِشْكِنَانْجَ" أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" و"فضائل الأوقات".
والقَلِيَّة: هي ما يُقلَى من الطعام.
والخِشْكِنَانْج: خُبزٌ يُعمَل مِن دقيق القمح ويُعجَن بزيت السمسم.
وعن عمرو بن سلمة رضي الله عنهما أنه قال: قَالَ أَبِي: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَقَالَ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا»، قَالَ: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنِّي قُرْآنًا، فَقَدَّمُونِي وَأَنَا ابْنُ سِتّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ. أخرجه البخاري في "صحيحه".
والحديث حُجَّةٌ في إمامة الصبي المميز في الفريضة؛ كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 23، ط. دار المعرفة)؛ فدلَّ ذلك على أنَّ مَن جازَت إمامته من الصبيان في الفريضة فإنها تجوز في النفل مِن باب أَوْلَى.
وعن عمرو بن سلمة رضي الله عنهما أيضًا أنه قال: "مَا شَهِدْتُ مَجْمَعًا مِنْ جَرْمٍ إِلَّا كُنْتُ إِمَامَهُمْ، وَكُنْتُ أُصَلِّي عَلَى جَنَائِزِهِمْ إِلَى يَوْمِي هَذَا" أخرجه أحمد والطيالسي في "المسند"، وأبو داود والبيهقي في "السنن"، فأفاد تقديمه في أيِّ صلاةٍ حضرها فيهم، ولم يفرق في ذلك بين فرض ونفل.
وعَنِ الْحَسَنِ البصري، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي أنه قَالَ: "لَا بَأْسَ أنْ يَؤُمَّ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ".
وعَنْ هِشَامٍ بن عروة، عَنْ أَبِيهِ، أنه قَالَ: لَمَّا قَدَّمَ الْأَشْعَثُ بن قيس، قَدَّمَ غُلَامًا، فَعَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ! فَقَالَ: "مَا قدَّمْتُهُ، وَلَكِنِّي قَدَّمْتُ الْقُرْآنَ". أخرجهما ابن أبي شيبة في "المصنف".
قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 57، ط. دار إحياء التراث): [وأما الصبي: فلأنه متنفل؛ فلا يجوز اقتداء المفترِض به. وفي التراويح والسنن المطلقة: جوَّزه مشايخ بَلْخ] اهـ.
وقال العلامة البابرتي الحنفي في "العناية شرح الهداية" (1/ 357، ط. دار الفكر): [وقوله: (والسنن المطلقة) يعني به السنن الرواتب المشروعة قبل الفرائض وبعدها وصلاة العيد على إحدى الروايتين والوتر عندهما، وصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء عندهما. وقوله: (جَوَّزه مشايخ بلخ) لأنهم قاسوا هذه المسألة بمسألة المظنون، بِعِلَّةِ أنَّ النفل في حق الصبي غير مضمون، فصار كنفل البالغ إذا كان غير مضمون، وهي في مسألة المظنون؛ لأنهما سواء في هذا الوصف (ولم يجوِّزه مشايخنا) يعني مشايخ ما وراء النهر: بُخَارَى وسَمَرْقَنْد (ومنهم) أي مِن المشايخ (مَن حقق الخلاف في النفل المطلق بين أبي يوسف ومحمد) فقال أبو يوسف: لا يجوز اقتداء البالغ بالصبي في النفل المطلق أيضًا، ومحمد: جَوَّزه] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 25، ط. دار الفكر): [مَن صلى خلفه -أي: الصبي- في النفل فصلاته صحيحة] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 329، ط. دار الفكر): [قوله: (أو صبي... إلخ) فإن أَمَّ في النفل صحت الصلاة وإن لم تجز ابتداءً على المشهور، وقيل بجواز إمامته في النافلة، وكل هذا إذا كان المؤتمُّ به بالغًا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 249، ط. دار الفكر): [(فرع) في مذاهب العلماء في صحة إمامة الصبي للبالغين: قد ذكرنا أن مذهبنا صحتها، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وإسحاق بن راهويه وأبي ثور.. وقال الزهري: إن اضطروا إليه أَمَّهُم، قال ابن المنذر: وبالجواز أقول] اهـ.
وقال في "روضة الطالبين" (1/ 353، ط. المكتب الإسلامي): [يصح الاقتداء بالصبي المميز في الفرض والنفل] اهـ.
وقال الشيخ أبو الفرج ابن قدامة الحنبلي [ت: 682هـ] في "الشرح الكبير" (2/ 55، ط. دار الكتاب العربي): [فأما إمامته -أي: الصبي- في النفل؛ ففيها روايتان: (إحداهما:) لا تصح لذلك، (والثانية:) تصح؛ لأنه متنفِّلٌ يؤم متنفِّلين، ولأن النافلة يدخلها التخفيف، ولذلك تنعقد الجماعة به فيها إذا كان مأمومًا] اهـ.
هذا، بالإضافة إلى ما سبق ذِكره مِن عظيمِ مكانةِ الصلاةِ في جماعةٍ، وأنها تزيد في الفضل عن صلاة المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة، علاوةً على أنَّ السؤال الوارد إنما هو في سياق التواصي بالعمل الصالح بين أفراد الأسرة الواحدة، والحفاظ على صلاة التراويح، وليس في بيان الأحق بالإمامة في الصلاة منهم.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن إمامة الصبيِّ المميِّز لأمِّه أو أفراد أسرته في صلاةِ النافلة -ومنها التراويح-: جائزة شرعًا، وصلاة المقتدي به صحيحةٌ؛ بشرط أنْ يكون عالِمًا بالصلاة وأحكامها، ملتزمًا بأركانها وشروط صحتها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الخروج من المسجد بعد الأذان؟ فأنا دخلت المسجد لأصلي الظهر، ثم حدث أمرٌ طارىء فخرجت من المسجد قبل الصلاة؛ فما حكم الشرع في الخروج من المسجد بعد الأذان؟
ما كيفية وضوء ذوي الهمم من أصحاب الاحتياجات الخاصة لأداء الصلاة؟
هل تشرع الصلاة عند حدوث الزلازل؟ وما كيفيتها؟
ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.
ما حكم المصافحة عقب الصلاة بين المصلين؟ حيث إن هناك بعض الناس يقول بأنها بدعة؛ بحجة أنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا صحابته الكرام، وأنها تشغل المصلي عن أذكار ختام الصلاة؟
سائل يسأل عن كيفية وقوف المأموم مع الإمام إذا كان المأموم فردًا واحدًا، وهل يقف إلى جوار الإمام أو عن يمينه أو عن يساره؟