ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة معينة تتضمن قول: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها..)؟ علمًا بأنه يوجد من يقول بكون هذه الصيغة بدعة.
حكم الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام بصيغة: طبِّ القلوبِ ودوائِها
ظهرت في الأمة الصيغ المتكاثرة للصلاة على سيد الدنيا والآخرة، صلى الله عليه وعلى عترته الطاهرة؛ كالصلاة العلوية؛ التي كان سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يعلمها الناس على المنبر، والصلاة الأسعدية التي ذكرها الإمام الشافعي في أول "الرسالة"، والصلاة المشيشية للقطب السيد عبد السلام بن مشيش، وصلاة النور الذاتي للقطب السيد أبي الحسن الشاذلي، والصلوات القادرية للقطب السيد عبد القادر الجيلاني، والصلاة الذاتية للقطب السيد إبراهيم الدسوقي، والصلاة الأسبقية للقطب السيد أحمد الرفاعي، والصلاة النورانية للقطب السيد أحمد البدوي، والصلاة العظيمية لسيدي أحمد بن إدريس، وغير ذلك من الصيغ التي تنوعت فيها المشارب والأذواق، وسارت في المسلمين مسير الشمس في الآفاق، وانتشرت بين الذاكرين عباراتُها وكلماتُها، وكثرت في الأمة مجالسها وحلقاتُها، وظهرت في الصالحين بركاتها ونفحاتُها.
وقد حدَّث علماء الأمة بما رأوه من المبشرات النبوية، لمَنْ ألهمه الله هذه الصيغ المباركة في الصلوات النبوية، وتناقلوها جيلًا عن جيل؛ مستشهدين بها على عظم ثواب ذلك وقبوله، ووقوعه موقعَ الرضا من الله ورسوله؛ صلى الله عليه وآله وسلم؛ كمثل رُؤَى الأئمة لبشارات المغفرة والقبول والرضوان للإمام الشافعي رضي الله عنه على ما ألهمه الله إياه من الصلاة الأسعدية في مقدمة "الرسالة"؛ كرؤيا الإمامِ عبد الله بن عبد الحكم [ت: 214هـ] تلميذِ الإمام مالك، التي نقلها الإمامُ الطحاويُّ الحنفي [ت: 321هـ] وحدَّث بها، ورؤيا الإمام المُزَني [ت: 264هـ]، ورؤيا أبي الحسن الشافعي، ورؤيا ابن بُنان الأصبهاني، ورواها أو بعضَها جماعةٌ من الحفاظ؛ كالنميري، وابن بشكوال، وابن عساكر، وابن مسدي، والتاج السبكي في "الطبقات" (1/ 188، ط. هجر)، وساقها القاضي الحسين [ت: 462هـ] في "التعليقة" (1/ 116، ط. مكتبة نزار)، والحافظ ابن الجوزي في "صفة الصفوة" (1/ 438، ط. دار الحديث)، والشيخ ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص: 489)، والحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص: 467)، والعلامة ابن حجر الهيتمي في "الدر المنضود" (ص: 257، ط. دار المنهاج)، وغيرهم.
ومن ذلك الصلاة المذكورة في السؤال: صلاة طبِّ القلوب؛ التي صيغتُها: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، وقوت الأرواح وغذائها، وروح الأرواح وسر بقائها، وعلى آله وصحبه وسلم"، وهي صيغة مباركة صحيحة، للصلاة على سيد الأكوان وحبيب الرحمن وأعظم إنسان صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها من الفرج والخير والبركة والفتح الميمون، ونفحات الصلاة على الأمين المأمون، ما رآه الذاكرون، وسعد به المصَلُّون، وقرَّتْ به العيون.
ولا التفات إلى ما يثيره النابتة من بدعية هذه الصيغة واتهام قائليها بالشرك؛ فإنما أُتِيَ هؤلاء من جهلهم باللغة، وضيق أفهامهم عن سعتها وبلاغتها ومجازاتها، وسوء ظنهم بالمسلمين عبر القرون، وعدم إدراكهم للعجز البشري عن الإحاطة بالقدر المحمدي والمقام المصطفوي، ولو أنصفوا لعلموا أنَّ الله هو الذي وفَّق الأمة إلى إحسان الصلاة على نبيه المصطفى وحبيبه المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي ألْهَمَ المسلمين هذه الصيغ المباركة في الصلوات النبوية على خير البرية؛ لعظيم مكانته عليه، وكريم منزلته لديه، وأنَّ الناس لا يفهمون من قدره إلا بقدر ما تستطيعه أفهامهم وتبلغه عقولهم، وإلا فلا يَعْلَم قدَره، إلا الذي شرح صدره، ورَفَعَ ذكرَه، وأتمَّ نصره سبحانه وتعالى.
وبناءً على ذلك: فالصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جائزةٌ بكل صيغة واردة أو مستحدَثة؛ ما دامت لائقة بمقامه الشريف وكماله المنيف صلى الله عليه وآله وسلم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.