سائل يسأل عن رأي فقهاء مذاهب الأئمة الأربعة المتبوعة في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين والتوسل بهم.
بيان رأي المذاهب الفقهية الأربعة في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين والتوسل بهم
اتفقت آراء المذاهب الفقهية الأربعة على مشروعية الاستغاثة بالأنبياء والصالحين والتوسل بهم، ونصوا على ذلك في كتبهم، وتناقلته أئمة هذه المذاهب، وثبت عنهم أنهم استغاثوا بالأنبياء والصالحين وتوسلوا بهم.
التفاصيل ....المحتويات
- آراء المذاهب الفقهية الأربعة في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين والتوسل بهم
- رأي المذهب الحنفي في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
- رأي المذهب المالكي في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
- رأي المذهب الشافعي في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
- رأي المذهب الحنبلي في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
- رأي علماء الأزهر الشريف في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
آراء المذاهب الفقهية الأربعة في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين والتوسل بهم
الاستغاثة بالأنبياء والصالحين ممَّا أجمعت عليه المذاهب الفقهية المتبوعة، وكلامهم في ذلك كثير لا مجال لاستيعابه وبسطه؛ حيث اتفقت المذاهب الأربعة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصالحين والاستغاثة بهم، بل واستحباب ذلك وعدم التفريق بين حياته في الدنيا وانتقاله الشريف صلى الله عليه وآله وسلم وكذا الصالحين.
رأي المذهب الحنفي في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
من أقوال الحنفية:
قال العلامة المحقق ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 186، ط. دار الفكر) ذاكرًا أنّ من آداب الاستسقاء أن يكون بالمسجد النبوي الشريف: [فينبغي الاجتماع للاستسقاء فيه؛ إذ لا يستغاث وتستنزل الرحمة في المدينة المنورة بغير حضرته ومشاهدته صلى الله عليه وآله وسلم في كل حادثة] اهـ.
وقال العلامة أبو سعيد الخادمي الحنفي في "البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية" (1/ 203، ط. دار إحياء الكتب العربية): [ويجوز التوسلُ إلى الله تعالى والاستغاثةُ بالأنبياء والصالحين بعد موتهم؛ لأن المعجزة والكرامة لا تنقطع بموتهم، وعن الرملي أيضًا بعدم انقطاع الكرامة بالموت، وعن إمام الحرمين: ولا ينكر الكرامةَ ولو بعد الموت إلا رافضيٌّ، وعن الأجهوري: الولي في الدنيا كالسيف في غمده، فإذا مات تجرد منه فيكون أقوى في التصرف. كذا نقل عن "نور الهداية" لأبي علي السنجي] اهـ.
رأي المذهب المالكي في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
من أقوال المالكية:
قال الإمام ابن الحاج المالكي في كتابه "المدخل" (1/ 254-260، ط. دار التراث) الذي ألفه للتحذير من البدع: [فإن كان الميت المزار ممن تُرجَى بركته فيُتَوَسَّل إلى الله تعالى به، وكذلك يتوسل الزائر بمَن يراه الميت ممن ترجى بركته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل يبدأ بالتوسل إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ هو العمدة في التوسل والأصل في هذا كله والمُشَرِّع له، فيتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم وبمَن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.. ثم يتوسل بأهل تلك المقابر أعني بالصالحين منهم في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه.. ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء عندهم ويكثر التوسل بهم إلى الله تعالى؛ لأنه سبحانه وتعالى اجتباهم وشرفهم وكرمهم، فكما نفع بهم في الدنيا ففي الآخرة أكثر، فمَن أراد حاجة فليذهب إليهم ويتوسل بهم؛ فإنهم الواسطة بين الله تعالى وخلقه، وقد تقرَّر في الشرع وعلم ما لله تعالى بهم من الاعتناء، وذلك كثير مشهور، وما زال الناس من العلماء والأكابر كابرًا عن كابر مشرقًا ومغربًا يتبركون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسًّا ومعنًى.. ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم؛ ألم يسمع قول الله عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، فمَن جاءه ووقف ببابه وتوسل به وجد الله توابًا رحيمًا؛ لأن الله عز وجل منزه عن خلف الميعاد، وقد وعد سبحانه وتعالى بالتوبة لمَن جاءه ووقف ببابه وسأله واستغفر ربه، فهذا لا يشك فيه ولا يرتاب إلا جاحد للدين معاند لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم نعوذ بالله من الحرمان] اهـ.
رأي المذهب الشافعي في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
من أقوال الشافعية:
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 274، ط. دار الفكر) في آداب زيارة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: [ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومِن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال: "كنت جالسًا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي"] اهـ.
وقال الإمام القسطلاني في "المواهب اللدنية" (4/ 593، ط. التوفيقية): [وينبغي للزائر أن يكثر من الدعاء والتضرع والاستغاثة والتشفع والتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم؛ فجدير بمَن استشفع به أن يشفعه الله تعالى فيه] اهـ.
رأي المذهب الحنبلي في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
من الحنابلة:
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 599، ط. دار الفكر): [ثم تأتي القبر فتولى ظهره القبلة وتستقبل وتقول: السلام عليك أيها النبي صلى ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أشهد أنك قد بلغت إلى قوله: اللهم إنك قلت وقولك الحق: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمَن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الآخرين والأولين، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم يدعوا لوالديه ولإخوانه وللمسلمين أجمعين] اهـ.
والمقام يضيق عن استقصاء أقوال العلماء في ذلك، فالأمر ممَّا أجمع العلماء عليه ولا خلاف فيه بين أحد من السلف أو الخلف إلا من شذَّ ممَّن لا عبرة بقوله.
رأي علماء الأزهر الشريف في الاستغاثة بالأنبياء والصالحين
القول بجواز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم هو الذي عليه علماء الأزهر ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون، ولم تكد هذه البدعة -بدعة التكفير بالاستغاثة بالأنبياء والصالحين والاستمداد منهم- تدب في جسد الأمة حتى انبرى بياطرة العلم وأساطين الفهم من علماء الأزهر الشريف بالرد الوافي والبيان الكافي والدواء الشافي، وبينوا أنها بدعة ضلالة تخالف المنقول والمعقول وما استقر عند علماء المسلمين وعامتهم، وأنها عين منهج الخوارج الذين هم شرار الخلق عند الله، والذين كان أُسُّ ضلالتهم: أنهم عمدوا إلى آيات نزلت في المشركين فجعلوها في المسلمين. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عن السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.