حكم قيام الصيدلي بترخيص صيدلية لشخص غير صيدلي

حكم قيام الصيدلي بترخيص صيدلية لشخص غير صيدلي

ما حكم قيام الصيدلي بترخيص صيدلية لشخص غير صيدلي؟ علمًا بأنَّ قانون مزاولة مهنة الصيدلة يمنع ذلك.

لا يجوز للصيدلي أن يرخص صيدلية لغير صيدلي أو يرخصها باسمه ليقوم غير الصيدلي بالعمل فيها؛ لأنَّ قيامه بذلك مخالفة لآداب المهنة، ومعصية ومخالفة شرعية، وتضييع للأمانة، وإسناد الأمر إلى غير أهله، ولا يلزم أن يترتب على هذا الأمر ضرر على أحدٍ معين حتى تتقرر الحرمة، فإذا ترتب عليه ضرر فالمسؤولية تلحق المتسبب وهو الصيدلي الذي رخصها، والمباشر وهو من رُخِّصَت له.

التفاصيل ....

المحتويات

 

الوصف الوظيفي لمهنة الصيدلي

الصيدلة: هي العلم الذي يُعنَى بتجميع وتحضير وتوحيد معايير الأدوية.

والصيدلي: هو الشخص الذي يقوم بتحضير الأدوية، واستخدامها في معالجة الأمراض، والتحكم بها، والوقاية من حدوثها، ولا بد أن يكون مؤهَّلًا مصرحًا له بممارسة مهنة الصيدلة.

والصيدلية: هي المكان المرخص له في بيع الدواء؛ عامًّا كان أم خاصًّا، ويشمل ذلك مصانع المستحضرات الصيدلية، ومخازن الأدوية، ومستودعات الوسطاء في الأدوية، والمحال التي يُتَّجَرُ فيها في النباتات الطبية ومتحصلاتها الطبيعية.

وهذا يعني أنَّ الصيدلي لا يقتصر عمله على بيع الدواء؛ بل يلزم أن يكون متقنًا لمهنة الصيدلة، متمكنًا منها: بمعرفة استخدامات كل دواء، وجرعاته، وآثاره الجانبية، ومحظورات استخدامه، وتقاطعاته الدوائية، وتركيبه الكيميائي، وكيفية تأثيره، وكذلك عليه أن يكون متقنًا للتراكيب الصيدلانية متمكنًا فيها، ويقوم الصيدلي بمساعدة المرضى على فهم آلية عمل الدواء في السيطرة على المرض وعلاجه، ويشرح لهم الطريق الصحيحة لتناول جرعات الدواء وحفظه، كما أنَّ عليه أيضًا دورًا مهمًّا في ملاحظة الأدوية المؤثرة على الحالة النفسية والتي قد تكون وسيلة للإدمان، وأن يلتزم باللوائح المنظمة لصرفها فلا يصرفها إلا بوصفات طبية معتمدة.

ولأجل ذلك كان تفريط الصيدلي في قيامه بعمله مؤديًا إلى إلحاق الضرر بالمريض، وعدم استكماله مسيرة العلاج الصحيحة، فيفرط بذلك في الأمانة التي حمَّله الله تعالى إياها.

حكم ممارسة مهنة الطب والصيدلة دون علم

قد حافظ الإسلام على الكليات الخمس؛ وجعل رعايتها مقدمةً على غيرها؛ وهي: النفس، والدين، والعرض، والعقل، والمال، ومن هنا جاءت قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" لتَحُول بين الإنسان وكلّ ما يمكن أن يسبّب له الضرر على مستوى الأفراد والجماعات.

ومن مقتضيات الحفاظ على نفس الإنسان حمايتُه مِن كل ما يمكن أن يصيبه بالضرر في صحته؛ فحرمت الشريعة عليه كل ما يضره، وجرَّمَتْ إيصال الضرر إليه بشتى الوسائل، وشرعت التطبب والتداوي، ولكنها احتاطت في التعامل مع جسده؛ فأوجبت أن يكون الطبيب المعالج متخصصًا مؤهلًا للطب والعلاج، وقررت وجوب الضمان على كل مَن مارس مهنة الطب، أو التداوي دون علم، وجعلت ذلك من التعدّي الذي يُؤاخَذ صاحبُه عليه؛ فرَوى الإمام أبو داود في "سننه" من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ طِبٌّ، فَهُوَ ضَامِنٌ».

والصيدلة علم لصيق بالطب؛ فإنَّ عمل الصيدلي متمِّمٌ لعمل الطبيب في استكمال العلاج، والتهاون فيه مظنّة إيصال الضرر بالمريض.

وقد نص الفقهاء على تحريم الاشتغال بالطب والتداوي لمَن لا علم له به؛ جاء في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (4/ 60، ط. دار الكتاب الإسلامي): [سٌئل ابن الصَّلاح عن رجلٍ أرمدَ أتى امرأةً بالبادية تدَّعي الطبَّ لتُداوي عينَه فكحَّلته فتلفت عينُه هل يلزمها ضمانها؟ فأجاب: إن ثبت أنَّ ذهاب عينه بدوائها فعلى عاقلتها ضمانها، فإن لم تكن فعلى بيت المال، وإن تعدَّت فعليها في مالها] اهـ.

وجاء في "الفتاوى الحديثية" للعلامة ابن حجر الهيتمي (ص: 19- 20، ط. دار الفكر): [وسئل رضي الله عنه: في رجل ليست له معرفة تامَّة بالطبّ، ويجيء إليه أصحاب العلل فينظر في كتب الطب فما وجده موافقًا طبًّا لطبعه داوى به، ولم يدر تشخيص العلة لصاحب العلة، بل قال له: افعل؛ فمنهم مَن يبرأ ومنهم مَن لا، فما الحكم في ذلك؟ وما حكم المأخوذ منهم بالرضا؟

فأجاب نفع الله بعلومه وبركته: من يُطالع كتب الطبَّ ويذكر للنَّاس ما فيها من غير أن يتشخص العلة، فقد جازف وتجرأ على إفساد أبدان النَّاس وإلحاق الضرر بهم؛ لأنَّ مَن لا يتشخص العلَّة، ولا يتيقن كليات علم الطب لا يجوز له أن يُفتي بشيء من جزئياته؛ لأنَّ الجزئيات لا يضبطها إلا الكليات، ومن ثَمَّ قال بعض حذاق الأطباء: كتبنا قاتلة للفقهاء؛ أي: أنَّهم يرون فيها أنَّ الشيء الفلاني دواء للعلّة الفلانية فيستعملونه لتلك العلة غافلين عن أن في البدن علة خفية تضاد ذلك الدواء؛ فيكون القتل حينئذٍ مِن حيث ظنوه نافعًا، وحينئذ فلا يصلح ذلك الدواء إلا لمَن علم أنّه ليس في البدن مضاد له، ولا يحيط بذلك إلا الطبيب الماهر الذي أخذ العلم عن الصدور لا عن السطور، ولا خصوصية لعلم الطب بذلك، بل كل مَن أخذ العلم عن السطور كان ضالًّا مضلًّا؛ ولذا قال النووي رحمه الله: من رأى المسألة في عشرة كتب مثلًا لا يجوز له الإفتاء بها؛ لاحتمال أن تلك الكتب كلها ماشية على قول أو طريق ضعيف، ثم هذا الطبيب إذا داوى ظنًّا منه أنه ينفع فكان مضرًّا فلا شيء عليه غير الإثم الشديد والعذاب العظيم في دار الوعيد، فليتق الله ويرجع عن ذلك وإلا فهو من أهل المهالك، وأما ما يأخذه منهم فهو محرم عليه أكله؛ لأنّهَم لم يسمحوا له به إلا ظنًّا منهم أنه يعرف ما يصفه من الأدوية وغيرها، ولو علموا أنه معاقب آثم بما يفعله لم يعطه أحد شيئًا؛ فهو آخذ له بالغش والبهتان والجور والعدوان، والله أعلم] اهـ.

ولمّا كانت ممارسة مهنة الصيدلة من الأمور العامة اللصيقة بصحة الأفراد، فقد خوَّلَت الشريعةُ لولي الأمر أن يتدخل في تنظيمها وألا يتركها كلأً مباحًا للأفراد؛ لما فيها من الخطر على المجتمع بأسره، وعلى الأفراد أن يمتثلوا للوائح المنظمة لها.

وقد نص قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم (127) لسنة (1955) في المادة الأولى منه على أنَّه: [لا يجوز لأحد أن يزاول مهنة الصيدلة بأية صفة كانت إلا إذا كان مصريًّا، أو كان من بلد تجيز قوانينه للمصريين مزاولة مهنة الصيدلة به، وكان اسمه مقيدًا بسجل الصيادلة بوزارة الصحة العمومية وفي جدول نقابة الصيادلة] اهـ.

ونصت المادة الثانية على أنَّه: [يقيد بسجل وزارة الصحة العمومية مَن كان حاصلًا على درجة بكالوريوس في الصيدلة والكيمياء الصيدلية من إحدى الجامعات المصرية، أو مَن كان حاصلًا على درجة أو دبلوم أجنبي تعتبر معادِلًا لها وجاز بنجاح الامتحان المنصوص عليه في المادة الثالثة من هذا القانون] اهـ.

حكم قيام الصيدلي بترخيص صيدلية لشخص غير صيدلي

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا يجوز للصيدلي أن يُرَخِّص صيدلية لغير صيدلي أو يرخصها باسمه ليقوم غير الصيدلي بالعمل فيها، وهذه المخالفة ليست مخالفة تنظيمية فقط، بل هي -بالإضافة لكونها مخالفة لآداب المهنة- معصية ومخالفة شرعية وتضييع للأمانة وتوسيد للأمر إلى غير أهله، ولا يلزم أن يترتب على هذا الأمر ضرر على أحدٍ معين حتى تتقرر الحرمة، فإذا ترتب عليه ضرر فالمسؤولية تلحق المتسبب وهو الصيدلي الذي رخصها، والمباشر وهو من رُخِّصَت له.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا