حقيقة وصف النبي بأنه عليه السلام سببٌ في وجود الدنيا

تاريخ الفتوى: 29 أغسطس 2012 م
رقم الفتوى: 7110
من فتاوى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
التصنيف: آداب وأخلاق
حقيقة وصف النبي بأنه عليه السلام سببٌ في وجود الدنيا

بعض الناس يقوم بالإنكار على قول صاحب البردة:

وكيف تدعو إلى الدنيا ضَرُورَةُ مَن ... لولاه لم تُخْرَج الدنيا من العَدَم

وقد وصلت المبالغة إلى التعريض بكفر قائله ومن يُردده؛ فما البيان الشرعي في ذلك؟ وكيف نرد على هؤلاء؟

انتشر في الآونة الأخيرة القول بأن قصيدة "البردة" للإمام البوصيري فيها أمور شركية تخل بالعقيدة، وهذا في حد ذاته خللٌ في العقيدة؛ لأن فيه سلوكًا لمنهج الخوارج الذي يقوم على أساس حمل الآيات التي نزلت في المشركين على المسلمين، وقد وضَّح ابن عمر رضي الله عنهما أن هذا هو مدخل ضلالتهم فقال: "إِنَّهُم انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ" علقه البخاري في "صحيحه" ووصله ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" بسند صحيح، كما أن فيه خللًا في المنهج وفقدانًا للمعايير الإسلامية الصحيحة؛ حيث خلط أصحابه بين دائرة الشرك ودائرة الوسيلة، فحبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدحُه والتوسلُ به مِن الوسائل الشرعية التي تَعَبَّدَ اللهُ تعالى بها عبادَه المسلمين بنص الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة، فنَقْلُها إلى دائرة الشرك دليلٌ على افتقاد المعيار السليم الذي يُفرَقُ به بين الإيمان والكفر، وقد أنكر الله تعالى على أصحاب هذا المسلك الفاسد بقوله سبحانه: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ۝ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36].

ومن الأبيات التي يدعي فيها هؤلاء الجهلة أنها مخالفة للشريعة أو أنها شرك قول الإمام البوصيري:

وكيف تدعو إلى الدنيا ضَرُورَةُ مَن ... لولاه لم تُخْرَج الدنيا من العَدَم

وهذا المعنى قد ورد فيه جملة أحاديث، منها: ما رواه الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "دلائل النبوة" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللهُ: يَا آدَمُ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وحسنه الإمام التقي السبكي في "شفاء السقام".

وروى الدَّيْلَمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتانِي جبريلُ فقال: قال الله: يا مُحَمَّدُ، لَولَاكَ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ، وَلَولَاكَ مَا خَلَقْتُ النَّارَ».

ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه بلفظ: «ولقد خَلَقْتُ الدُّنيَا وأهْلَهَا؛ لأعَرِّفَهُمْ كَرَامَتَكَ وَمَنْزِلَتِكَ عِنْدِي، وَلَوْلَاكَ يَا مُحَمَّدُ مَا خَلَقْتُ الدُّنْيَا».

وروى الحاكم في "المستدرك" وأبو الشيخ في "طبقات الأصفهانيين" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما موقوفًا عليه: "أوحَى اللهُ إلَى عِيسَى عليه السلام: يَا عِيسَى، آمِنْ بِمُحَمَّدٍ، وأْمُرْ مَن أَدْرَكَهُ مِن أُمَّتِكَ أَن يُؤْمِنُوا بِهِ؛ فَلَولَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقتُ آدَمَ، وَلَولَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ وَلَا النَّارَ، وَلَقَدْ خَلَقتُ العَرشَ عَلَى المَاءِ فاضْطَربَ فَكَتَبْتُ عَلَيهِ: لَا إِلَهَ إلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَسَكَنَ". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وهذه الأحاديث والآثار وإن كان فيها أو في بعضها ضعف إلا أن معناها صحيح، فمعنى القول بأنه لولا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما خلق اللهُ الخلقَ هو أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، فتحقيق العبادة: هي حكمة الخلق، والعبادة لا تتحقق إلا بالعابدين، فالعبادة: عَرَضٌ قائم بالعابد نفسه، وأفضل العابدين: هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عنوان العبادة، وعنوان التوحيد، كما أن الآية تتكلم عن الجن والإنس ولا تتكلم عن الخلق أجمعين.

أما باقي ما في السماوات والأرض فهو مخلوق لخدمة الإنسان، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]، وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو عنوان الإنسانية، بل هو الإنسان الكامل.

وقد نصَّ على صحة هذه المقولة كثير من العلماء؛ كالعلامة مُلا علي القاري، والعَجْلُوني وغيرهما من الأئمة، وممَّن ذكر أنها مقبولة إذا فُسِّرَتْ بهذه المعاني الصحيحة في الكتاب والسنة الشيخُ ابن تيمية الحنبلي رحمه الله؛ حيث يقول في "مجموع الفتاوى" (11/ 96-98، ط. مجمع الملك فهد): [وقد ظهر فضلُ نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم على الملائكة ليلةَ المعراج لَمَّا صار بمستوى يسمع فيه صريف الأقلام، وعلا على مقامات الملائكة. ومحمد سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه؛ ومن هنا قال مَن قال: إن الله خلق من أجله العالَم أو: إنه لولا هو لَمَا خَلق الله عرشًا ولا كرسيًّا ولا سماءً ولا أرضًا ولا شمسًا ولا قمرًا.

ويمكن أن يفسر بوجه صحيح، فإذا كان الإنسانُ هو خاتمَ المخلوقات وآخرَها، وهو الجامع لِمَا فيها، وفاضلُه هو فاضل المخلوقات مطلقًا، ومحمدٌ إنسانُ هذا العين، وقُطبُ هذه الرَّحَى، وأقسام هذا الجمع كان كأنها غاية الغايات في المخلوقات، فما يُنكَر أن يُقال: إنه لأجله خُلِقَتْ جَميعُها، وإنه لولاه لَمَا خُلِقَتْ، فإذا فُسِّر هذا الكلامُ ونحوُه بما يدل عليه الكتابُ والسنةُ قُبِلَ ذلك] اهـ.

ومما ذكر يُعلم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما المراد من قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾؟


ماحكم تأديب الزوجة بترك زوجها المنزل؟ فقد ورد سؤال نصه كالتالي هل يجوز للزوج في حالة كثرة تجاوزات الزوجة وتطاولها عليه أن يهجرها بأن يترك المنزل لعدة أيام حتى تعود لرشدها؟ وإذا كان ذلك جائزًا، فما الوضع لو كان له أكثر من زوجة؛ حيث سيترتب على ذلك أنه لن يكون عندها في الأيام التي تخصها، فهل هذا مخالف للعدل خلال هذه المدة؟


سائل يقول: سمعت أن الدعاء مستجاب عند مصافحة المسلم لأخيه المسلم؛ فما مدى صحة هذا الكلام شرعًا؟


كيف حذرت الشريعة الإسلامية من التلاعب بقصد أكل أموال الناس بالباطل؟ نرجو منكم بيان ذلك.


ما هي القواعد التي نصَّت عليها الشريعة الإسلامية في التذكية -أي: الذبح- الشرعي للحيوانات والطيور؟


ما حكم  الدخول أو الخروج لأرض فيها وباء؟ فقد اجتاح فيروس كورونا بلدان العالم، ومات بسببه الكثير من الأشخاص؛ فما حكم الدخول إلى أرض انتشر فيها فيروس كورونا، أو الخروج منها؟ وهل يحرم الخروج إذا كان للمداواة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أغسطس 2025 م
الفجر
4 :59
الشروق
6 :30
الظهر
12 : 56
العصر
4:31
المغرب
7 : 22
العشاء
8 :43