ما هي مظاهر حث الشرع الشريف على الوعي بما يحافظ على الوطن ومُقَدَّراتِه والتحذير من نشر الشائعات من دون تحقّق؟
حبُّ الوطن من الإيمان ومن سجايا الفطرة السوية، ومن مقتضيات ذلك المحافظة عليه وعلى أهله وعلى مُقَدَّراتِه ومكتسباته، والحذر من نشر الشائعات من دون تحقق؛ لما يترتب على ذلك من ضرر للمجتمع، وتفكيك روابطه، وتهديد تماسكه واستقراره، وتعويق مسيرة تقدمه وعمرانه.
المحتويات
حبُّ الوطن غريزة جبلت عليها النفس البشرية السوية، ولقد ضرب رسول الله صلى لله عليه وآله وسلم أروع الأمثلة في حب الوطن؛ حيث تأسف على إخراجه من وطنه ومكان مولده (مكة المكرمة)؛ فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج بمكة؛ حتى إذا كان بمكان قد سمَّاه قال: «وَالله إِنَّكَ لَخَيْرُ أَرْضِ الله وَأَحَبُّهُ إِلَى الله تَعَالَى، وَلَوْلَا أَنِّي كُنْتُ أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» أخرجه ابن عاصم في "الآحاد والمثاني".
كما عبَّر صلى الله عليه وآله وسلم عن حنينه إلى هذا الوطن بنفس العبارة مرة أخرى، فقال وهو مشاهد أطلال مكة يوم الفتح: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى في "المسند" من حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري.
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ» أخرجه الترمذي في "جامعه".
فظاهر هذه الأحاديث وغيرها يفيد: أنه صلى الله عليه وآله وسلم تأسف على ترك المقام بوطنه؛ ولولا أنَّ فيه معنى الوفاء ومظهر الحب الفطري والطبيعة السوية وفضيلة التمسك بأرض موطنه ومولده ما تأسف على ذلك؛ قال الإمام المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (3/ 364، ط. دار النوادر): [خاطب رسول الله عليه السلام عام الفتح مكة، وقال لها هذا الحديث، وإنما قاله عليه السلام؛ لغلبة حبِّ الكعبة وحَرَمِ الله ومسكن آبائه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام على قلبه، يعني: لولا أخرجني من مكة كفار قريش ما ينبغي لي أن أسكن بلدًا غيرها؛ لأنَّه ليس في الأرض بلد أشرف منها، والبلد إذا كان أشرف يكون توطنه أفضل، وترك الأفضل بالاختيار غير مرضي] اهـ.
بل إنَّه صلى الله عليه وآله وسلم حينما هاجر إلى المدينة لم ينسَ مكة، بل زاد شوقه إليها، ودعا ربه أن يحبب إليه المدينة كما حبب إليه مكة، فجاء في الحديث "المتفق عليه" واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ»؛ قال العلامة ابن حجر في "فتح الباري" (3/ 621، ط. دار المعرفة): [وفي الحديث دلالة على: ..، مشروعية حب الوطن والحنين إليه] اهـ.
وفي واقعة قدوم أصيل الغفاري من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها سألته: كيف تركت مكة يا أصيل؟ قال: تَرَكْتُهَا حِينَ ابْيَضَّتْ أَبَاطِحُهَا وَأَحْجَنَ ثُمَامُهَا وَأَعْذَقَ إِذْخِرُهَا وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا، فاغرورقت عيناه صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «تَشَوَّقْنَا يَا أُصَيْلُ». ويروى أنه قال له: «دَعِ الْقُلُوبَ تَقَرُّ» أورده السهيلي في "الروض الأنف" (5/ 31، ط. دار إحياء التراث العربي)، وقدَّم له بقوله: [وفي هذا الخبر وما ذكر فيه من حنينهم إلى مكة ما جبلت عليه النفوس من حبِّ الوطن والحنين إليه] اهـ.
لذلك كان من باب الوفاء الواجب على كل مَن يسكن وطنًا معيَّنًا أن يحافظ عليه وعلى مُقَدَّراتِه وأرضه وأمنه واستقراره، ولقد بين صلى الله عليه وآله وسلم فضل ذلك، فروى الإمام البيهقي في "السنن الكبرى" عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِلَيْلَةٍ أَفْضَلَ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ حَارِسٌ حَرَسَ فِي أَرْضِ خَوْفٍ لَعَلَّهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ».
وروى الإمام الترمذي في "جامعه" عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله»؛ قال العلامة المناوي في "فيض القدير" (4/ 369، ط. المكتبة التجارية): [أي: في الثغر أو الجيش أو نحوهما] اهـ.
لا شك في عِظَم خطورة الشائعات وضررها على الوطن، لذلك حذَّر الله تبارك وتعالى منها، فقال جلَّ شأنه: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83]؛ قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (10/ 153، ط. دار إحياء التراث): [وهو أنَّه إذا جاءهم الخبر بأمر من الأمور سواء كان ذلك الأمر من باب الأمن أو من باب الخوف أذاعوه وأفشوه، وكان ذلك سبب الضرر] اهـ.
لذلك يجب التأكد من الخبر قبل نقله كي لا يكون في نقله ضرر؛ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]؛ قال العلامة مقاتل بن سليمان في "تفسيره" (4/ 93، ط. دار إحياء التراث): [يقول: إن جاءكم كاذب بحديث كذب فتبيَّنوا أن تصيبوا قتل قوم بجهالة وأنتم جهال بأمرهم.. فتصبحوا على ما فعلتم نادمين] اهـ.
بناءً على ما سبق: فحبُّ الوطن من الإيمان ومن سجايا الفطرة السوية، ومن مقتضيات ذلك المحافظة عليه وعلى أهله وعلى مُقَدَّراتِه ومكتسباته، والحذر من نشر الشائعات من دون تحقق؛ لما يترتب على ذلك من ضرر للمجتمع، وتفكيك أواصره، وتهديد تماسكه واستقراره، وتعويق مسيرة تقدمه وعمرانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم العمل التطوعي في فترة الدراسة الجامعية؟ وهل يُثاب الطلاب على القيام بتجميل الجامعة وزرع وغرس للأشجار، ومساعدة الطلاب الجدد، ونحو ذلك من الأعمال النافعة؟
سائل يقول: يدَّعي بعض الناس أن الإسلام لم يكرم المرأة، بل انتقص من حقها؛ فنرجو منكم بيان الرد على ذلك. وبيان تكريم الإسلام لها وإبراز مكانتها.
ما المراد من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ»؟
ما حكم دفع مصاريف الفرح للفقراء والمحتاجين؟ حيث تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي قيام أحد الشباب بدفع مصاريف حفل زفافه كمساعدات للفقراء والمساكين؛ فهل من المستحب شرعًا -في هذه الأيام التي كثرت فيها حاجة الفقراء والمساكين- أن يقوم العريس بدفع مصاريف حفل زفافه إلى المحتاجين بدلًا من المبالغة في إقامة حفل الزفاف؟
ما حكم إخفاء درجة جودة السلعة عند بيعها؟ فأنا أعمل تاجرًا في مجال قطع الغيار، ومن المعروف عني أني لا أتاجر إلا في السلع عالية الجودة، لكن في الآونة الأخيرة وبسبب عدم توفر سيولة مالية كبيرة لن أتمكن من الاستمرار في ذلك، فهل يجوز لي التعامل في السلع متوسطة القيمة والجودة، فأبيعها على كونها ذات جودة عالية لكن بسعر منخفض؟ مع العلم بأني لن أُعلم المُشتري بطبيعة هذه السلع.
يقول السائل: وأنا صغير لا أعرف الحلال من الحرام ارتكبت معصية مرة واحدة، وقد تُبْتُ توبةً نصوحا. فهل يقبل الله توبتي من هذا الذنب الذي ارتكبته وأنا صغير ويغفر لي ويتوب عليَّ بعد هذه التوبة أو لا؟