مشاورة الزوجة ومعنى قوامة الرجال على النساء

مشاورة الزوجة ومعنى قوامة الرجال على النساء

هل من حقّ المرأة أن تستشار وتشارك برأيها في أمور الحياة الزوجية؟

فأنا امرأة متزوِّجة وكثيرًا ما تحصل خلافات بيني وبين زوجي، بسبب أنَّه يريد أن يفرض عليَّ كل أمر يعزم عليه من غير مشاورة لي، ودائمًا ما يردِّد عبارات من نحو: "أنَّ استشارة الرجل زوجته تقل من قيمته"، و"المرأة أقل عقلًا من الرجل" وغير ذلك من العبارات التي تقلل من شأن المرأة، وينسب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "شاورهم وخالفوهم"، وكلما راجعتُه احتجَّ عليَّ بقوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾، وأنَّ ما يفعله من قبيل استخدام حق القوامة الذي خوَّله له الشرع الشريف؛ فهل للمرأة الحق في أن تُستَشار وتُشَارك برأيها في أمور الحياة الزوجية؟ وما معنى القوامة في الآية؟

من حقِّ المرأة أن تُستَشار وتُشَارك برأيها فيما يتعلَّق بأمور الحياة الزوجية؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولنا فيه الأسوة والقدوة الحسنة.

والمراد من قوامة الرجل على المرأة: قيامه على شؤونها ورعايتها والمحافظة عليها وتدبير أمورها، وليس المراد منها تَسلُّطَه عليها وقَهْرَه لها، واستدلال زوجكِ بما نسبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بما ذكره من "مقولات شائعة" غير صحيح، وهو مخالف لمسلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام في المشاورة، سواء مع المرأة عمومًا أو مع الزوجات.

التفاصيل ....

الشورى في اللغة: مأخوذة من المشاورة والاستشارة لمعرفة المصلحة.

جاء في "الكليات" (ص: 541، ط. مؤسسة الرسالة ): [الشورى: مصدر كالفتيا، بِمَعْنى التشاور] اهـ.

وفي "الصحاح" للجوهري (2/ 705، ط. دار العلم للملايين): [الشورى -وكذلك المَشُورَةُ بضم الشين- تقول منه: شاورْتُهُ في الأمر واسْتَشَرْتُهُ، بمعنىً] اهـ.

وأيضًا جاء في "المصباح المنير" للفيومي (1/ 326، ط. المكتبة العلمية): [وشاورته في كذا واستشرته: راجعته لأرى رأيه فيه، فأشار عليَّ بكذا: أراني ما عنده فيه من المصلحة فكانت إشارة حسنة. والاسم المشورة..، ويقال: من شرت العسل؛ شبه حسن النصيحة بشرب العسل.

وتشاور القوم واشتوروا والشورى اسم منه، وأمرهم شورى بينهم مثل قولهم أمرهم فوضى بينهم؛ أي: لا يستأثر أحد بشيء دون غيره] اهـ.

والشورى في الاستعمال لا تبعد عن معناها اللغوي الذي يفيد أخذ الرأي والنصيحة من أهلها.

ذكر الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 390، ط. دار ابن الجوزي) -عندما لا يجد المفتي نصًّا في المسألة-: [ثم يذكر المسألة لمَن بحضرته ممَّن يصلح لذلك من أهل العلم ويشاورهم في الجواب، ويسأل كل واحد منهم عما عنده، فإنَّ في ذلك بركة واقتداء بالسلف الصالح؛ وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159]، وشاور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع وأشياء وأمر بالمشاورة، وكانت الصحابة تشاور في الفتاوى والأحكام] اهـ.

والشورى حقٌّ أصيلٌ منحته الشريعة الإسلامية الغرَّاء لعموم المسلمين -ممَّن كان أهلًا لها، كلٌّ في مجاله-، رجالًا ونساءً، أزواجًا وزوجاتٍ؛ وهذا الحق مشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة؛ استنادًا لقول الله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: 159].

ومع أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان أكمل الناس وأرجحهم عقلًا، إلَّا أنَّ الله تعالى أمره بطلب المشورة؛ لتصير سنة في أمته؛ قال الإمام فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (9/ 409، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال الحسن وسفيان بن عيينة: إنَّما أمر بذلك ليقتدي به غيره في المشاورة، ويصير سنة في أمته] اهـ.

كما أنَّ حق الشورى مقرَّرٌ أيضًا لكافة المسلمين بقول الله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38].

قال الإمام الواحدي في "الوسيط" (4/ 57، ط. دار الكتب العلمية): [المعنى: أنَّهم يتشاورون فيما يبدو لهم، ولا يعجلون في الأمر] اهـ.

وقد ورد في الهدي النبوي الشريف ما يقرِّر ويثبت ذلك الحق، وذلك فيما أخرجه الإمام البيهقي في "السنن الكبرى" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَّنَّه قال: "ما رأيت أحدًا قط كان أكثر مشورةً لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".

وعن الحكمة التي من أجلها شرعت الشورى: أنَّ القدرة الإلهية اقتضت أن تخص كل مخلوق بمزية لا توجد في مخلوق آخر؛ وإلى هذا المعنى أشار الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي في "الفتوحات المكية" (2/ 423، دار الكتب العربية الكبرى)، فقال: [والسبب الموجب للمشورة: كون الحق له وجه خاص في كل موجود، لا يكون لغير ذلك الموجود؛ فقد يُلقى إليه الحق سبحانه في أمرٍ ما، ما لا يُلقيه لمَن هو أعلى منه طبقة.. ومن ذلك الوجه يُفتقر كل موجود إليه] اهـ، وفي هذا إشارة لما جعله الخالق سبحانه في خلقه من اختلاف بين الأجناس والأنواع موجب للتكامل في أداء الوظائف ملزم بالتبادل البيني للمعارف والخبرات.

ومن الأمور التي منحها الشرع الحنيف للمرأة وأحاطها بالحماية، وكلَّلها بالرعاية: الرجوع إليها بالتشاور، والاستبصار برأيها السديد؛ فقد كانت المرأة تستشارُ ويُرْجعُ إلى رأيها في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ أشار إلى ذلك ابن قتيبة الدينوري في "عيون الأخبار" (1/ 82، ط. دار الكتب العلمية)، فقال: [عن الحسن قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستشير حتى المرأة، فتشير عليه بالشيء؛ فيأخذ به] اهـ.

وقد ورد في الشريعة الغراء جملة من الشواهد تشير إلى رجاحة ووفور عقل المرأة، وسداد رأيها ومشورتها، لا سيما في الأمور الجِسَام والقضايا المصيرية؛ فمن ذلك المشورة الحكيمة لأم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله تعالى عنها في صُلح الحديبية، والتي نفع الله عزَّ وجلَّ بها الأمة الإسلامية ممثلة في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث أنجاهم من حدثٍ جلل وأمرٍ عصيب، وذلك عندما التبس الأمر عليهم، فانتظروا في أمر النحر والحلق حين أمرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك؛ فأشارت عليه السيدة أم سلمة رضي الله تعالى عنها بقولها: «يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا» أخرجه البخاري.

قال العلامة ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (8/ 124، ط. مكتبة الرشد): [شاور النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة رضي الله عنها؛ فأراه الله بركة المشورة، ففعل ما قالت؛ فاقتدى به أصحابه.. وفيه: جواز مشاورة النساء ذوات الفضل والرأي] اهـ.

أما بخصوص احتجاج زوجك بما نسبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "شاورهم وخالفوهم" فبخلاف مخالفته لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهديه فهو غير ثابت ولا أصل له؛ ولا يسوغ الاحتجاج أو الاستشهاد به على ما هو مقرر في علوم الحديث؛ فقد حكم علماء الحديث على حديث لفظه: «شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ» بما يفيد أنه لا أصل له؛ جاء في "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للحافظ السخاوي (ص: 400-401، ط. دار الكتاب العربي): [حديث: «شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ»، لم أره مرفوعًا.. وقد استشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة رضي اللَّه عنها كما في قصة صلح الحديبية، وصار دليلًا لجواز استشارة المرأة الفاضلة، لفضل أم سلمة رضي الله عنها ووفور عقلها] اهـ.

وقال عنه الإمام السيوطي في "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" (ص: 134، ط. جامعة الملك سعود-الرياض): [باطل، لا أصل له] اهـ.

وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (4/ 263، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [لا أصل له] اهـ.

وكذلك ما ذكره زوجك من بعض المقولات والأفكار الموروثة التي احتجّ بها على عدم استشارة المرأة في شئون الحياة الزوجية فظاهرٌ مخالفتها لما تقرّر في الشريعة الغراء من طلب استشارتها واعتماد رأيها فيما تحسنه من أمور الحياة وبالأخص شئون الحياة الزوجية.

وعلى هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم سار الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم في استشارة النساء، واعتبار مشورتهن الكلمة الفاصلة في النوازل الجِسَام، وكان في مقدمتهم الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه، وذلك حين استشار ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله تعالى عنها في المدة التي تُطِيقُها المرأة في ابتعاد زوجها عنها، فأشارت عليه أن أربعة أشهر، فأمضى كلامها، وكتب به مرسومًا؛ فقد روي أنَّ عمر رضي الله عنه دخل على حفصة رضي الله عنها فقال: "إنِّي سائلك عن أمرٍ قد أهمَّني فأفرجيه عنِّي، كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟"، فخفضت رأسها فاستحيت، فقال: "فإنَّ الله لا يستحيي من الحق"، فأشارت ثلاثة أشهر وإلَّا فأربعة، فكتب عمر: "ألَّا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر".

وممَّا يُؤثَر عن سداد رأي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وحسن مشورتها في أمور عامة المسلمين وخاصتهم؛ ما أورده الإمام ابن حجر العسقلاني في "الإصابة" (8/ 233، ط. دار الكتب العلمية)، قال: [قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامَّة.. وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه: ما أشكل علينا أمر، فسألنا عنه عائشة، إلَّا وجدنا عندها فيه علمًا] اهـ.

ومشاورة الزوجة والاستماع لنصيحتها وقبولها منها: من تمام المعروف في العشرة، لا سيَّما إذا لمس الرجل من امرأته الحكمة والعقل، وأهليَّتها للشورى؛ عملًا بقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 9]؛ وبوصية النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم التي قال فيها: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

أمَّا بالنسبة لأمر القوامة، فإنَّ إسنادها للرجال في قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، يُعدُّ في المقام الأول تكليفًا لهم بمزيدٍ من الالتزامات والمسئوليات والحقوق والواجبات الشرعية والحياتية: يلزم منه مشاورةُ أزواجهم في أمور الحياة الزوجية، ولا يقصد منها إثبات سيادة الرجل على المرأة وتسلطه عليها بحال من الأحوال.

فليس معنى القوامة -كما يتوهَّم البعض- قهر الرجل للمرأة وتسلُّطه عليها، إنما هي المسئولية والرعاية والتقويم والحفظ والمصلحة في نطاق الأسرة.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فمن حقِّكِ أن تُستشاري وتُشَاركي برأيكِ فيما يتعلَّق بأمور الحياة الزوجية؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولنا فيه الأسوة والقدوة الحسنة. وقوامة الرجل على المرأة: المراد منها: قيامه على شؤونها ورعايتها والمحافظة عليها وتدبير أمورها، وليس المراد منها تَسلُّطَه عليها وقَهْرَه لها، واستدلال زوجكِ بما نسبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بما ذكره من "مقولات شائعة" غير صحيح، وهو مخالف لمسلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام في المشاورة، سواء مع المرأة عمومًا أو مع الزوجات.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا