حكم قراءة القرآن في الركوع والسجود

حكم قراءة القرآن في الركوع والسجود

ما حكم قراءة القرآن في الركوع والسجود؟ فأنا كنت أصلي في جماعة وسمعت أحد المصلين يهمس بآيات من القرآن الكريم أثناء الركوع والسجود، وهذا أمر غير معتاد؛ فأرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي في ذلك.

الركوع والسجود محلّان لتعظيم الرب سبحانه وتعالى بالتسبيح والذكر والدعاء، وليسا محلًّا لقراءة القرآن، فيكره للمصلي قراءة القرآن الكريم في ركوعه وسجوده بقصد تلاوته، ويجوز ذلك بلا كراهة إذا كان بقصد الدعاء والثناء على الله عزَّ وجلَّ.

التفاصيل ....

المحتويات:

أفضل أركان الصلاة الركوع والسجود 

الصلاة من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أفضل أركانها الركوع والسجود؛ فقد أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" عن عَبْد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: «إِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ».


حكم قراءة القرآن في الركوع والسجود

من المقرر شرعًا أنَّ الركوع والسجود محلّان لتعظيم الرب سبحانه وتعالى بالتسبيح والذكر والدعاء، وأنهما ليسا محلًّا لقراءة القرآن، وعلى ذلك: أجمع العلماء على أن ذلك لا يجوز؛ قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 431، ط. دار الكتب العلمية): [أما قراءة القرآن في الركوع فجميع العلماء على أن ذلك لا يجوز.. وأجمعوا أن الركوع موضع لتعظيم الله بالتسبيح وأنواع الذكر] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (23/ 58، ط. مجمع الملك فهد): [وقد اتفق العلماء على كراهة القراءة في الركوع والسجود] اهـ.
والأصل في هذا الإجماع ما ثبت من النهي عنهما فيما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ؛ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».
وما أخرجه أيضًا من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: "نَهَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَأَنَا رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ".
فالحديثان يُقرّران النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، ويدلّان على أنَّ وظيفة الركوع؛ التسبيح، ووظيفة السجود؛ التسبيح والدعاء. انظر: "شرح النووي على مسلم" (4/ 197، ط. المطبعة المصرية بالأزهر).

أقوال المذاهب الفقهية في قراءة القرآن في الركوع والسجود

على ذلك جاءت نصوص الفقهاء من المذاهب الأربعة المتبوعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 523، ط. دار الفكر): [وفي "المعراج" أول الباب: وتُكره قراءة القرآن في الرّكوع والسّجود والتشهد بإجماع الأئمة الأربعة] اهـ.
وقال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 291، ط. دار الفكر): [وكذا تُكره القراءة في الركوع أو التشهد أو السجود] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 157، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وتُكره القراءة فيه)؛ أي: في الركوع (وفي السجود)، بل وفي سائر أفعال الصلاة غير القيام كما قاله في "المجموع"؛ لأنَّها ليست محل القراءة] اهـ.
وقال العلامة شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير على المقنع" (3/ 484، ط. هجر): [يُكره أن يَقرأ في الركوع والسجود] اهـ.

الحكمة من النهي عن قراءة القرآن أثناء الركوع والسجود

قد بين العلماء الحكمة من النهي عن قراءة القرآن حال الركوع والسجود؛ حيث ذكروا أن القرآن الكريم أعظم الذكر وأجله، وموضعه حال القيام لا محل الخفض من الركوع والسجود؛ تعظيمًا للقرآن، وتكريمًا لقارئه، ولأنَّ الركوع والسجود حالان دالان على الذل والانكسار، ويناسبهما التعظيم والتسبيح والدعاء.
قال الشيخ ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/ 338، ط. دار الكتب العلمية): [وفي نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود دليلٌ على أن القرآن أشرف الكلام؛ إذ هو كلام الله، وحالة الركوع والسجود ذلٌ وانخفاضٌ من العبد، فمن الأدب منع كلام الله أن لا يُقرأ في هاتين الحالتين، والانتظار أولى] اهـ.
وقال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (2/ 711، ط. دار الفكر): [إن الركوع والسجود حالان دالان على الذل ويناسبهما الدعاء والتسبيح، فنهي عن القراءة فيهما تعظيمًا للقرآن الكريم، وتكريمًا لقارئه القائم مقام الكليم، والله بكل شيء عليم] اهـ.

حكم الدعاء القرآني في السجود

تجدر الإشارة إلى أن الكراهة متوجهة لمَن يقرأ القرآن في الركوع والسجود بقصد تلاوة القرآن الكريم، فإن قصد المصلي بقراءته بعض الآيات القرآنية التي جاء فيها الدعاء في ركوعه وسجوده الدعاء والذكر والثناء على الله تعالى ولم يقصد تلاوة القرآن فيجوز بلا كراهة؛ كدعاء المصلي في سجوده بنحو ما جاء في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74].
قال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 339، ط. دار المعارف): [(و) كُره (القراءة بركوعٍ أو سجودٍ)، إلا أن يقصد في السجود بها الدعاء؛ كأن يقول: "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتنَا" إلخ، فلا يُكره] اهـ.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (1/ 62، ط. دار الفكر): [وتكره القراءة في غير القيام؛ للنهي عنها] اهـ.
قال الإمام عبد الحميد الشرواني مُحشِّيًا عليه: [قال الزركشي: ومحل كراهتها إذا قصد بها القرآن، فإن قصد بها الدعاء والثناء، فينبغي أن تكون كما لو قنت بآية من القرآن. اهـ. أي: فلا تكون مكروهة، وينبغي أن مثل قصد القرآن ما لو أطلق فيما يظهر أخذًا مما يأتي في القنوت. ع ش (قوله في غير القيام) أي: من الركوع وغيره من بقية الأركان] اهـ.

الخلاصة

وبناءً على ما سبق: فإنَّ الركوع والسجود محلّان لتعظيم الرب سبحانه وتعالى بالتسبيح والذكر والدعاء، وأنهما ليسا محلًّا لقراءة القرآن، فيكره للمصلي قراءة القرآن الكريم في ركوعه وسجوده بقصد تلاوته، ويجوز ذلك بلا كراهة إذا كان بقصد الدعاء والثناء على الله عزَّ وجلَّ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا