نرجو منكم بيان كيف حث الشرع الشريف على الاعتدال في الإنفاق والتحذير من البخل والإسراف.
المقرر شرعًا أن على الإنسان أن يحقق الاتزان والاعتدال في شتى مناحي الحياة؛ فمع الأمر بالتصدق والإنفاق من الجميع في كل مصارف الخير -بما في ذلك الفقير-؛ إلا أن الإنسان مأمورٌ مع ذلك بأن يكون إنفاقه في تلك الوجوه على قدر من الوسطية والاعتدال؛ فلا يكون بخيلًا شحيحًا، وفي المقابل لا يبلغ في الإنفاق درجة السفه والإسراف مع حاجته وحاجة مَن يعول؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: 143].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29].
قال الإمام الزمخشري في "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" (2/ 662، ط. دار الكتاب العربي): [هذا تمثيل لمنع الشحيح وإعطاء المسرف، وأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير، ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا﴾ فتصير ملومًا عند الله؛ لأن المسرف غير مرضي عنده وعند الناس، يقول المحتاج: أعطى فلانًا وحرمني] اهـ.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» متفق عليه.
قال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في "شرح مشكل الصحيحين" (3/ 520، ط. دار الوطن): [اعلم أن الصدقة نافلة، وإغناء النفس والأهل واجب، فإذا أُغنوا حسنت الصدقة بعد ذلك، فهذا معنى قوله: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». فإن قيل: فكيف الجمع بين هذا وبين قوله: «أفضل الصدقة جهد مقل»؟
فالجواب: من وجهين: أحدهما: أن يكون جهد المقل بعد إغناء من يلزم إغناؤه، فكأنه يستسلُّ من فواضل الغنى شيئًا فيتصدق به] اهـ.
وفي لفظ آخر عند البخاري في "صحيحه": «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى».
قال الإمام ابن بطال في "شرحه على صحيح البخاري" (3/ 428، ط. مكتبة الرشد): [وقوله: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أي: لا صدقة إلا بعد إحراز قوته وقوت أهله؛ لأن الابتداء بالفرائض قبل النوافل أولى، وليس لأحد إتلاف نفسه وإتلاف أهله بإحياء غيره، وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء نفسه وأهله، إذ حق نفسه وحق أهله أوجب عليه من حق سائر الناس، ولذلك قال: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»، وقال لكعب: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك»] اهـ.
ومقتضى ذلك أن التوازن والاعتدال في الإنفاق في سبيل الله أمر من الفضيلة والحكمة، وسمة من وسطية شريعتنا الغراء.
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (6/ 402، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال الحكماء: الفضيلة بين طرفي الإفراط والتفريط، فالإنفاق الكثير هو التبذير، والتقليل جدا هو التقتير، والعدل هو الفضيلة وهو المراد من قوله: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: 219]، ومدار شرع محمد صلى الله عليه وآله وسلم على رعاية هذه الدقيقة؛ فشرع اليهود مبناه على الخشونة التامة، وشرع النصارى على المسامحة التامة، وشرع محمد صلى الله عليه وآله وسلم متوسط في كل هذه الأمور، فلذلك كان أكمل من الكل] اهـ.
وعلى الإنسان إذن أن يرتب بين الأولويات، وأن يفرق بين ما هو ضروري وما هو تحسيني؛ فإذا ما غطى الإنسان الاحتياجات الضرورية له ولمَن يعول: فلا مانع له من أن يساهم في النفع المجتمعي.
والشرع الشريف لم يلزم الإنسان بإخراج زكاة المال ما لم يبلغ ماله النصاب المحدد شرعًا -وهو يعادلُ خمسةً وثمانين جرامًا من الذهب عيار واحد وعشرين- وهو ما يتفق مع ما قرَّرناه من تقديم حق النفس ومن وجبت نفقته؛ وقد حثَّ ربُّ العزة سبحانه وتعالى عباده على الإنفاق في سبيله كل بحسب قدرته واستطاعته، وامتدح فاعل ذلك بقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
وفي الحديث الشريف الذي أخرجه أبو داود في "سننه" أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن أفضل الصدقة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «جَهْدُ الْمُقِلِّ»؛ أي الفقير.
قال العلامة الشيرازي الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/ 549، ط. دار النوادر): [(الجهد) بضم الجيم: الطاقة والاستطاعة، و(المُقِلّ): الفقير؛ يعني: أفضلُ الصدقة ما قَدرَ عليه الفقيرُ أن يعطيَه المسكينَ] اهـ. ومما ذكر يُعلم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائلٌ يسأل: توفيت أختي الشقيقة، وتركت بنتًا، وزوجًا، وإخوةً أشقاء، وتركت مؤخر صداق، وقائمة منقولات، وذهبًا، ومالًا نقديًّا، فما الذي يدخل في تركتها من هذه الأشياء؟ وهل يحقُّ لزوجها التصرف في مال البنت؟ بحيث يأخذ منه ليتزوج به، مع العلم أنها قاصر.
ما حكم قيام بعض الناس بشراء السلع المحتكرة من التاجر المحتكر دون حاجة لذلك، مما يساعد التجار على الاحتكار؟
ما حكم التحرش الجنسي؛ فالمنظمة العربية للإصلاح الجنائي تلقَّتْ شكوى من مواطنة مصرية حول حصول واقعة تحرش دنيئة بها، وأنها تناشد لذلك دار الإفتاء بما لها مِن مكانة عظيمة لدى الشعب المصري العملَ على وقف هذه الظاهرة، وإصدار فتوى تخص تلك الجريمة وتأثيرها على المجتمع والعقاب في الدنيا والآخرة لِمَن يقوم بالإتيان بتلك الأفعال.
ماذا وردَ في سماحة النبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم ومراعاته مشاعر الآخرين وجبر خواطرهم؟
اشتريت محلًّا تجاريًّا؛ فهل على ثمن هذا المحلّ زكاة؟ وهل يجوز دفع الزكاة للأقرباء؛ كالأخت إذا كانت مطلقةً مثلًا، وللأقارب بشكل عام؟
ما حكم الزكاة في نباتات الزينة؟ يقوم أحد الأشخاص بزراعة زهرة البنفسج، وهي تباع بأسعار غالية، فهل عليه زكاة فيها أو عليه زكاة عروض تجارة فيما يبيع؟ وعلى كلِّ حالٍ كيف يحدد مقدار الزكاة؟