حكم لبس المرأة قناعًا طبيًّا وهي محرمة

حكم لبس المرأة قناعًا طبيًّا وهي محرمة

ما حكم لبس قناع الوجه الطبي (Face Shield) للمرأة المحرمة؛ توقيًا من الإصابة بالأوبئة والأمراض، خصوصًا إذا ثبت خطرها وإمكان انتقالها عن طريق العدوى؟ علمًا بأن هذا القناع شفافٌ، ويُثَبَّت بحاملٍ أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس، ولا يكون ملاصقًا للوجه.

القناع الطبي للوجه لا يُعدُّ ضمن ما قرره الفقهاء مما يكون تغطيةً للوجه؛ فإنه ليس بساترٍ ملامسٍ للبشرة؛ كما قرر فقهاء الحنفية والشافعية، ولا يُعَدُّ ساترًا يُقصد به الترف أو الانتفاع بدفع الحر أو البرد؛ كما اشترطه فقهاء المالكية، وليس مما أُعِدَّ لستر الوجه؛ كالبرقع والنقاب ونحوهما مما اشترطه فقهاء الحنابلة فيه، بل هو أقرب للسدل؛ حيث يثبت بحامل أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس ولا يكون ملاصقًا للوجه، ولا يضر كون الحامل ملاصقًا لأعلى الجبهة؛ فإنه مما يحتاج إليه كي لا يكون القناعُ ملاصقًا للوجه فهو من المعفو عنه، على نحو ما نصَّ عليه الشافعية مما استعلى الجبهة واتَّصَل بقصاص الشعر الذي لا يمكن للمرأة ستر رأسها بالقناع إلَّا به؛ كما سبق بيانه.

وعلى ذلك؛ فإنه يجوز للمرأة شرعًا حال كونها مُحرِمةً لُبس قناع الوجه الطبي المذكور المعروف بالـ(Face Shield)؛ توقيًا من الإصابة بالعدوى، وحفاظًا على النَّفس من التهلكة، ولا فدية عليها في ذلك ولا حرج.

التفاصيل ....

المحتويات

 

المراد بقناع الوجه الطبي

قناع الوجه الطبي أو واقي الوجه (Face Shield): عبارة عن درعٍ يُستخدم لحماية منطقة الوجه والأغشية المخاطية المرتبطة بها (العين والأنف والفم) من البقع والبخاخات وتناثر سوائل الجسم، وهذا القناع يأتي بأشكال مختلفة توفر حاجزًا بلاستيكيًّا يكون في الغالب شفافًا ويُغطي الوجه للحصول على الحماية المثلى؛ بحيث يمتد الدرع أسفل الذقن من الأمام إلى الأذنين بشكل جانبي؛ كما أفاد موقع "المكتبة الوطنية للطب" (National Library of Medicine)، و"مجلة الجمعية الطبية الأمريكية" (JAMA Network).

بيان مفهوم الإحرام

من المقرر شرعًا أنَّ الإحرام ركنٌ مِن أركان الحج والعمرة؛ وهو: الدخول في حرمات مخصوصة، وتجنب محظورات؛ كالوطء، والطيب، والصيد، ولبس المخيط، وتغطية الرأس للرجال من غير ضرورة، وذلك كله مخصوص بنية أداء النسك من حج أو عمرة أو الجمع بينهما.

قال كمال الدين ابن الهمام في "فتح القدير" (2/ 429، ط. دار الفكر) في ذكر حقيقة الإحرام: [الدخول في حرمات مخصوصة: أي التزامها] اهـ.

وقال الإمام ابن عرفة [ت: 803هـ] في "المختصر الفقهي" (2/ 138، ط. خلف أحمد الخبتور) في تعريف الإحرام: [صفة حُكمية توجِب لموصوفها حُرمة مقدِّماتِ الوطءِ مطلقًا، وإلقاءِ التَّفَثِ، والطِّيبِ، ولُبْسِ الذكورِ المَخِيطَ، والصيدِ لغير ضرورة] اهـ.

حكم تغطية المرأة وجهها حال إحرامها 

اتفق الفقهاء على أنَّ المرأة محظورٌ عليها تغطية وجهها حال إحرامها بالعمرة أو الحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلاَ تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فأفاد أنَّه "يباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر؛ مخيطًا كان أو غيره، إلا وجهها؛ فإنه حرام"؛ كما قال شهاب الدين القسطلاني في "إرشاد الساري" (3/ 311، ط. المطبعة الأميرية الكبرى).

ضابط ما يعد تغطية لوجه المرأة وهي محرمة وتجب به الفدية

على الرغم من اتفاق الفقهاء على حرمة تغطية المرأة وجهها حال الإحرام، إلا أنَّهم اختلفوا فيما يكون تغطيةً للوجه فيَحرُم وتجب به الفدية، وما لا يكون فلا يحرُم ولا تجب به الفدية، وذلك على التفصيل الآتي:

فذهب الحنفية والشافعية إلى أنَّ ما يعدُّ تغطيةً للوجه هو السَّاتر الملامس للبشَرة دون ما سواه.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 488، ط. دار الفكر): [في تغطية كل الوجه أو الرأس يومًا أو ليلةً دمٌ، والربع منهما كالكل، وفي الأقل من يوم أو من الربع صدقة؛ كما في "اللباب"، وأطلقه فشمل المرأة؛ لما في "البحر" عن "غاية البيان": مِن أنها لا تغطي وجهها إجماعًا اهـ. أي: وإنما تستر وجهها عن الأجانب بإسدال شيءٍ متجافٍ لا يمسُّ الوجهَ كما سيأتي آخر هذا الباب، وأمَّا ما في "شرح الهداية" لابن الكمال من أنها لها ستره بملحفة وخمار وإنما المنهي عنه ستره بشيء فُصِّلَ على قدره كَالنِّقَابِ والبُرْقُعِ فهو بحث عجيب أو نقل غريب مخالف لما سمعته من الإجماع، ولما في "البحر" وغيره في آخر هذا الباب، ثم رأيت بخط بعض العلماء في هامش ذلك الشرح أن هذا مما انفرد به المؤلف، والمحفوظ عن علمائنا خلافه وهو وجوب عدم مماسة شيء لوجهها اهـ. ثم رأيتُ نحو ذلك نقلًا عن "منسك القطبي" فافهم] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (4/ 93، ط. دار الكتب العلمية): [إذا ثبت أن على المرأة كشف وجهها في الإحرام، فليس لها أن تغطي شيئًا منه، إلا ما استعلى من الجبهة واتَّصل بقصاص الشعر الذي لا يمكن للمرأة ستر رأسها بالقناع إلا بشده؛ لأنَّ ما لم يمكن ستر العورة إلا به فهو كالعورة في وجوب ستره، فإن سترت سوى ذلك مِن وجهها، بما يماس البشرة: فعليها الفدية: قليلًا كان أو كثيرًا] اهـ.

وقال تقي الدين الحصني الشافعي في "كفاية الأخيار" (ص: 222، ط. دار الخير): [وَأما الْمَرْأَة فَالْوَجْه فِي حَقّهَا كرأس الرجل وتستر جَمِيع رَأسهَا وبدنها بالمخيط وَلها أَن تستر وَجههَا بِثَوْب أَو خرقَة بِشَرْط أَلا يمسَّ وجههَا سواء كان لحاجة أَو لغير حاجة من حرٍّ أَو بردٍ أَو خوف فتْنَة وَنَحْو ذَلِك] اهـ.

وذهب المالكية إلى أن التغطية تحصل بكلِّ ساتر مطلقًا، إلا أنهم اشترطوا لوجوب الفدية أن تكون التغطية لأجل التَّرَفُّهِ والانتفاع بالاستتار من الحر أو البرد، أو تغطيته لفترة طويلة.

قال العلامة الخرشي في "شرحه على مختصر سيدي خليل" (2/ 345، ط. دار الفكر): [فإن فعلت المرأة شيئًا ممَّا حرم عليها بأن لبست القفازين، أو سترت وجهها، أو بعضه لغير ستر أو لستر وغرزت أو ربطت أو سترته لحر أو برد لزمتها الفدية إن طال، وإليه أشار بقوله: (وإلا ففدية)؛ فهو راجع إلى مسألة القفازين ومسألة الوجه؛ فقوله: (وستر وجه) أي: تَرَفُّهًا؛ بدليل قوله: (إلا لستر)] اهـ.

وقال العلامة الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 55، ط. دار الفكر): [الوجه والرأس يخالفان سائر البدن إذ يحرم سترهما بكل ما يعد ساترًا مطلقًا] اهـ.

وقال في "الشرح الصغير" (2/ 75، ط. دار المعارف، مع "حاشية الصاوي"): [(و) حرم عليها (ستر وجهها) أو بعضه ولو بخمار أو منديل، وهذا معنى قولهم: إحرام المرأة في وجهها وكفيها فقط، وحرمة ستر وجهها. (إلا لفتنة).. (وإلا) بأن لبست مخيطًا بكفها أو بأصبع غير خاتم أو سترت وجهها بلا عذر، أو لعذر ولكن غرزته بنحو إبرة أو ربطته (ففدية) تلزمها] اهـ.

قال الشيخ الصاوي في "حاشيته عليه" (2/ 75): [قوله: (ففدية تلزمها) أي: إن فعلت شيئًا من ذلك، وحصل طول، وأما إن لم يحصل طول بأن أزالته بالقرب فلا فدية، لأن شرطها في اللبس انتفاع من حر أو برد] اهـ.

وذهب الحنابلة إلى أنَّ التغطية تحصل بكل ما يعد لستر الوجه كالبرقع والنقاب ونحوهما، أمَّا ما لم يُعد لذلك فلا شيء فيه.

قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 302، ط. مكتبة القاهرة): [فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطًا لَبُيِّنَ، وإنما منعت المرأة من البرقع والنِّقاب ونحوهما، مما يعد لستر الوجه] اهـ.

بل ذهب الشيخ ابن تيمية وتلميذه الشيخ ابن القيم إلى الاقتصار على مورد النص بما جاء النهي عنه؛ فأجازا تغطية المرأة وجهها ولو بملاصقٍ ما عدا النِّقاب والبرقع.

قال الشيخ ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5/ 383، ط. دار الكتب العلمية): [ويجوز للمرأة المحرمة أن تغطي وجهها بملاصق خلا النقاب والبرقع] اهـ.

وقال الشيخ ابن القيم في "بدائع الفوائد" (3/ 142، ط. دار الكتاب العربي): [جاء النص بالنهي عن النقاب خاصة كما جاء بالنهي عن القفازين.. بل وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمفصل على قدره؛ كالنقاب والبرقع] اهـ.

حكم لبس المرأة قناعًا طبيًّا وهي محرمة

بناءً على ما سبق: فإنَّ قناع الوجه الطبي خارجٌ عما قرره الفقهاء فيما يكون تغطيةً للوجه؛ فإنه ليس بساترٍ ملامسٍ للبشرة؛ كما قرر فقهاء الحنفية والشافعية، ولا يُعَدُّ ساترًا يُقصد به الترف أو الانتفاع بدفع الحر أو البرد؛ كما اشترطه فقهاء المالكية، وليس مما أُعِدَّ لستر الوجه؛ كالبرقع والنقاب ونحوهما مما اشترطه فقهاء الحنابلة فيه، بل هو أقرب للسدل؛ حيث يثبت بحامل أعلى الجبهة وعلى جانبي الرأس ولا يكون ملاصقًا للوجه، ولا يضر كون الحامل ملاصقًا لأعلى الجبهة؛ فإنه ممَّا يحتاج إليه كي لا يكون القناعُ ملاصقًا للوجه فهو من المعفو عنه، على نحو ما نصَّ عليه الشافعية مما استعلى الجبهة واتَّصَل بقصاص الشعر الذي لا يمكن للمرأة ستر رأسها بالقناع إلَّا به؛ كما سبق بيانه.

الخلاصة

في واقعة السؤال: يجوز للمرأة شرعًا حال كونها مُحرِمةً لُبس قناع الوجه الطبي المذكور المعروف بالـ(Face Shield)؛ توقيًا من الإصابة بالعدوى، وحفاظًا على النَّفس من التهلكة، ولا فدية عليها في ذلك ولا حرج.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا