الحكمة من كون السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط

الحكمة من كون السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط

نرجو منكم بيان الحكمة من تحديد السعي بين الصفا والمروة بسبعة أشواط. ولماذا لا يكون أكثر من ذلك أو أقل؟ خاصة لمن يحب السعي ويريد أن يُكثر، ومن كان مريضًا ويودُّ أن يقلل من عدد الأشواط. وهل صحة العمرة أو الحج تتعلق فيهما بالعدد المذكور؟

الحكمة من تحديد السعي بين الصفا والمروة بسبعة أشواط غير معقولة المعنى، وهو ما يُعَبِّرُ عنه العلماء بأنَّها تعبدية، والأمور غير معقولة المعنى والمحددة من الشرع لا يتحقق الامتثال فيها إلا بالإتيان بها على الشكل الذي حدده الشرع الشريف، فلا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه.

التفاصيل ....

المحتويات

 

مفهوم السعي بين الصفا والمروة

السعي لغةً: المشيُ والعَدْوُ مِن غيرِ شَدٍّ؛ قال العلامة الزبيدي في "تاج العروس" (38/ 279، ط. دار الهداية): [(سَعَى) الرجُلُ (يسعَى سَعْيًا، كرَعَى) يَرعَى رَعْيًا: إذا (قَصَدَ).. (و) سَعَى لهم وعليهم: (عَمِلَ) لهم فكَسَبَ. (و) سَعَى: إذا (مَشَى)، زاد الراغبُ: بسرعةٍ. ومنه: أُخِذَ السعي بين الصفا والمروة. (و) سَعَى: إذا (عَدَا)، وهو دون الشَّدِّ وفوق المشي] اهـ.

والسعي شرعًا: المشي بين جبلي الصفا والمروة سبعةَ أشواطٍ بعد طوافٍ في نُسُكِ حجٍّ أو عُمرةٍ؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158].

الحكمة من تحديد السعي بين الصفا والمروة بسبعة أشواط

أمَّا علة السعي بين الصفا والمروة وكونه مُحدَّدًا بسبعة أشواط، فإن هذا من الأحكام غير معقولة المعنى، والتي يُعَبِّر عنها الأصوليون بالتعبدية؛ فالسعي ثبتت مشروعيته بأمر الله سبحانه وتعالى؛ كما في الآية السابقة.

وثبت أيضًا بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد أخرج الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، فَطَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلَمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا، حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ".

وأخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ".

وأصل مشروعيته: ما أخرجه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: "وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ المَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، أَوْ قَالَ يَتَلَبَّطُ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ المَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ المَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا».

فوجه الدلالة من هذا في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا» أي: بين الصفا والمروة. ينظر: "شرح صحيح البخاري" للعلامة القسطلاني (5/ 345، ط. الأميرية).

قال الإمام ابن الجوزي في "مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن" (ص: 209-210، ط. دار الحديث): [الأصل في شروع السعي: سعي هاجر بين الصفا والمروة.. ثم زالت تلك الأشياء، وبقيت آثارُها وأحكامُها، وربما أشكلت هذه الأمور على مَن يرى صورها ولم يعرف أسبابها، فيقول: هذا لا معنى له، فقد بينتُ لك الأسباب مِن حيث النقل، وها أنا أمُهد لك مِن المعنى قاعدة تبني عليها ما جاءك من هذا:

اعلم أن أصل العبادة معقول، وهو ذل العبد لمولاه بطاعته، فإن الصلاة فيها من التواضع والذل ما يفهم منه التعبد، وفي الزكاة إرفاق ومواساة يفهم معناه، وفي الصوم كسر شهوة النفس لتنقاد طائعة لمخدومها، وفي تشريف البيت ونصبه مقصدًا، وجعل ما حواليه حرمًا تفخيمًا له، وإقبال الخلق إليه شعثًا غبرًا -كإقبال العبد إلى مولاه ذليلًا معتذرًا- أمر مفهوم، والنفس تأنس من التعبد بما تفهمه، فيكون ميل الطبع إليه معينًا على فعله وباعثًا، فوظفت لها وظائف لا تفهمها، فيتم انقيادها كالسعي والرمي، فإنه لا حظ في ذلك للنفس، ولا أنس فيه للطبع، ولا يهتدي العقل إلى معناه، فلا يكون الباعث إلى امتثال الأمر فيه سوى مجرد الأمر والانقياد المحض، وبهذا الإيضاح تعرف أسرار العبادات الغامضة] اهـ.

وقال الإمام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (2/ 71، ط. مطبعة السنة المحمدية): [وبهذه النكتة يظهر لك أن كثيرًا من الأعمال التي وقعت في الحج، ويقال فيها: "إنها تَعَبّد" ليست كما قيل.

ألَا ترى أنَّا إذا فعلناها وتذكرنا أسبابها: حصل لنا من ذلك تعظيم الأولين، وما كانوا عليه من احتمال المشاقِّ في امتثال أمر الله، فكان هذا التذكر باعثًا لنا على مثل ذلك، ومقررًا في أنفسنا تعظيم الأولين، وذلك معنى معقول.

مثاله: السعي بين الصفا والمروة، إذا فعلناه وتذكرنا أن سببه: قصة هاجر مع ابنها، وترك الخليل لهما في ذلك المكان الموحش منفردين منقطعي أسباب الحياة بالكلية، مع ما أظهره الله تعالى لهما من الكرامة، والآية في إخراج الماء لهما، كان في ذلك مصالح عظيمة، أي: في التذكر لتلك الحال.

وكذلك "رمي الجمار" إذا فعلناه، وتذكرنا أن سببه: رمي إبليس بالجمار في هذه المواضع عند إرادة الخليل ذبح ولده: حصل من ذلك مصالح عظيمة النفع في الدِّين] اهـ.

ضابط تقييد بعض العبادات بعدد معين والحكمة من ذلك

السعي بين الصفا والمروة من الأحكام المقيدة بعدد من الأعداد؛ وهو سبعة أشواطٍ، وهذا من الأحكام غير المعللة بعلةٍ ظاهرةٍ منصوص عليها، وقد حاول الإمام الشاطبي أن يقدِّم لنا ضابطًا لهذا الباب من الأفعال؛ فقال في "الموافقات" (3/ 46، ط. دار المعرفة): [كلُّ دليلٍ شرعي ثبت في الكتاب مطلقًا غير مقيد ولم يُجْعَل له قانون ولا ضابط مخصوص، فهو راجع إلى معنى معقول وُكِّلَ إلى نظر المكلف، وهذا القسم أكثر ما تجده في الأمور العادية التي هي معقولة المعنى؛ كالعدل والإحسان والعفو والصبر والشكر في المأمورات، والظلم والفحشاء والمنكر والبغي، ونقض العهد في المنهيات، وكل دليل ثبت فيها مقيَّدًا غير مطلق وجُعل له قانون وضابط فهو راجع إلى معنى تعبدي، لا يهتدي إليه نظر المكلف لو وُكل إلى نظره؛ إذ العبادات لا مجال للعقول في أصلها، فضلًا عن كيفياتها، وكذلك في العوارض الطارئة عليها؛ لأنها من جنسها، وأكثر ما يوجد في الأمور العبادية، وهذا القسم الثاني كثير في الأصول المدنية؛ لأنها في الغالب تقييدات لبعض ما تقدم إطلاقه، أو إنشاء أحكام واردات على أسباب جزئية] اهـ.

والمقصود بقول العلماء أن "الحكم المعين تعبدي": أي لا يظهر وجه الحكمة من تشريعه غير مجرد التعبُّد وإظهار الامتثال. وعدم اهتدائنا لمعنى التشريع إنما يعني خفاء الحكمة علينا فحسب، لا أن الحكم شُرع لا لحكمة، فكلُّ أمرٍ تعبدي؛ كما قال الإمام القرافي في "الفروق" (2/ 141، ط. عالم الكتب): [معناه: أن فيه معنًى لم نعلمه، لا أنه ليس فيه معنًى] اهـ.

وقال أيضًا (2/ 80): [لما كانت قاعدة الشرع رعاية المصالح في جانب الأوامر، والمفاسد في جانب النواهي على سبيل التفضل لا على سبيل الوجوب العقلي -كما تقوله المعتزلة- لزم أن نعتقد -فيما لم نطلع فيه على مفسدة ولا مصلحة إن كان في جانب الأوامر- أن فيه مصلحة، وإن كان في جانب النواهي أن فيه مفسدة، كأن نقول في أوقات الصلوات: إنها مشتملة على مصالح لا نعلمها، وكذلك كل تَعَبُّدِيٍّ معناه أن فيه مصلحة لا نعلمها] اهـ.

ومن ثمَّ، فإن تحديد الطواف والسعي ونحوها من الأفعال كعدد الركعات والمقادير.. ونحو ذلك إنما هي من الأمور التعبدية؛ فإن الأحكام التي خاطب الله عزَّ وجلَّ المكلفين بها على لسان الشرع تأتي على قسمين:

- قسم يُعرف بالأحكام المعللة أو معقولة المعنى، وهي الأحكام التي من شأنها أن يدركَ العقلُ لها حكمة أو علة موجبة للحكم؛ كما في حاشية العلامة الشرواني على "تحفة المحتاج" (4/ 272، ط. دار إحياء التراث العربي)، وحاشية العلامة الشبراملسي على "نهاية المحتاج" (3/ 424، ط. دار الفكر).

- وقسم يعرف بالأحكام التعبدية، وهي -في اصطلاح الفقهاء والأصوليين-: الأحكام الشرعية التي لا يظهر للعباد في تشريعها حكمة فضلًا عن علة موجبة للحكم، غير مجرد التعبد، أي التكليف بها لاختبار عبودية العبد، فإن أطاع أثيب، وإن عصى عوقب.

قال شمس الدين البابرتي في "العناية شرح الهداية" (1/ 39، ط. الحلبي): [والأمر التعبدي أي: أمر تُعُبِّدنا به، أي كلفنا الله به من غير معنى يعقل] اهـ.

وسار على هذا التعريف متأخرو الفقهاء، فصرحوا بأن "التعبدي هو الذي لم يدرك له معنى"، ويقصدون بالمعنى هنا: ما يشمل الحكمة والعلة الموجبة للحكم؛ كما في "حاشية العلامة الشرواني على تحفة المحتاج" (4/ 272).

فالحكم التعبدي يتضمَّن العلة والمصلحة، لكنهما خافيتان عنَّا؛ قال الإمام القرافي في "نفائس الأصول في شرح المحصول" (1/ 324، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [عادة الله تعالى أن شرائعه مصالح لعباده، فكل مكان لا نعلم فيه مصلحة، قلنا: فيه مصلحة لم نطلع عليها، وهكذا كل تعبدي معناه أنَّا لم نعلم بمصلحته، لا لأنه لا مصلحة فيه، فهذه أوقات العبادات المتقدم ذكرها متضمنة لمصالح، هي سبب تعينها دون غيرها] اهـ.

وقال الإمام أمير بادشاه في "تيسير التحرير" (3/ 279، ط. مصطفى البابي الْحلَبِي): [(فما لم يعقل) معناه من الأحكام (كأعداد الركعات والأطوفة)، فإن كون ركعات الفجر ثنتين والظهر أربعًا والمغرب ثلاثًا، وكون اشتراط الطواف سبعًا -أحكام لا نعرف عِلتها (ومقادير الزكاة) من رُبُع العُشْر في النقدين ونحوهما وغيره على أنحاء مختلفة] اهـ.

ولا شكَّ أن علَّة التعبُّد لا تنفكُّ عن عدد أشواط السعي بين الصفا والمروة؛ فإنها أحكام تعبدية، ومتى قلنا: إن حكمًا مَا تعبدي، صارت القاعدة فيه ألَّا يسأل عن معناه. ينظر: "حاشية الرشيدي على نهاية المحتاج" (3/ 327، ط. دار الفكر).

الحكمة من مشروعية التعبد بالسعي بين الصفا والمروة

الحكمة من مشروعية التعبد بالسعي بين الصفا والمروة بشكل عام، فهو إقامة ذكر الله تعالى؛ فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ، لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "السنن"، والترمذي في "جامعه" وصحَّحه، وابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح الإسناد.

الدليل على تقييد بعض العبادات بعدد معين والحكمة من ذلك

ورد في السُّنَّة المطهرة ما يدل على الحكمة من تحديد المقادير الشرعية التي اندرجت تحت سطوة السَّبْعِيَّة في الأمور الشرعية؛ كالسعي، والطواف، وركعات الصلاة، ومقادير الزكاة.. ونحو ذلك؛ ومن ذلك: ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، أَمَا تَرَى السَّمَوَاتِ سَبْعًا، وَالْأَرْضَ سَبْعًا، وَالطَّوَافَ سَبْعًا» وَذَكَرَ أَشْيَاءَ.
أخرجه الإمام ابن خزيمة في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط"، وأخرجه الإمام الحاكم في "المستدرك" بدون إضافة «سَبْعًا» للطواف؛ وعلَّق عليه بقوله: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ، إنما اتفقا على: «مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» فقط" اهـ.

وفي بيان وجه دلالة تحديد هذه الأمور بهذه المقادير وأنَّ هذا من قبيل الوتر الذي يفضله الله سبحانه وتعالى ويحبه؛ قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (17/ 6، ط. دار إحياء التراث العربي): [الوتر: الفرد، ومعناه في حق الله تعالى الواحد الذي لا شريك له ولا نظير، ومعنى «يحب الوتر»: تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات؛ فجعل الصلاة خمسًا، والطهارة ثلاثًا، والطواف سبعًا، والسعي سبعًا، ورمي الجمار سبعًا، وأيام التشريق ثلاثًا، والاستنجاء ثلاثًا، وكذا الأكفان، وفي الزكاة خمسة أوسقٍ، وخمس أواقٍ من الوَرِق، ونصاب الإبل وغير ذلك، وجعل كثيرًا من عظيم مخلوقاته وترًا؛ منها: السماوات والأرضون والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك، وقيل: إن معناه منصرف إلى صفةِ مَن يعبد الله بالوحدانية والتفرد مخلصًا له. والله أعلم] اهـ.

ومن ذلك أيضًا: ما أخرجه الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (2/ 210، ط. أوقاف المغرب) رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما -في تحديد أي ليلة وترية هي ليلة القدر- قال: "سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يسألني مع الأكابر منهم، وكان يقول: لا تَكَلَّمْ حتى يتكلموا، قال: لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في ليلة القدر: اطلبوها في العشر الأواخر وترًا، ففي أيِّ الوتر؟

فأكثر القوم في الوتر، فقال: ما لكَ لا تَتَكَلم يا ابن عباس؟ قال: قلتُ إن شئتَ تكلَّمتُ، قال: ما دعوتك إلَّا لتتكلم، فقلت: "رأيت الله أكثر من ذكر السبع، فذكر السماوات سبعًا، والأرضين سبعًا، والطواف سبعًا، والجمار سبعًا، وذَكَر ما شاء الله من ذلك، وخُلِقَ الإنسان مِن سبعٍ وجعل رزقه في سبعةٍ".

وفي هذا المعنى يقول الإمام الزرقاني في "شرح الموطأ" (1/ 619، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [قال بعض العلماء: حكمة هذا العدد أنَّه لَمَّا كان للوترية أثرٌ عظيمٌ في التذكير بالوَتْر الصمد الواحد الأحد، وكان للسبعة منها مدخلٌ عظيمٌ في الشرع جعل تكبير صلاة العيد وترًا، وجعل سبعًا في الأولى لذلك، وتذكيرًا بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقًا إليها؛ لأنَّ النظر إلى العيد الأكبر أكثر، وتذكيرًا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السماوات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع] اهـ.

بيان مدى أفضلية الرقم سبعة على غيره من الأرقام

اختص الرقم سبعة من الأرقام الوترية بالتفضيل على ما ذكرنا؛ إذ إنه دليل على تمام الشيء واكتماله، حتى قيل: إن السَبْع سمي بذلك لتمام قوته، والأسبوع لاكتمال أيامه، ويُعَقُّ عن المولود في ليلة السبع لاكتمال أول مرحلة من مراحل حياته ودورته، وقد اكتمل الخلق في سبعة أيام، واستقرت السماوات على سبعٍ، والأرض على سبعٍ، وصار ذلك تمام أمرهما وأفضل أحوالهما على ما ثبت من الإبداع في الخلق، ولأجل ذلك طولب المؤمن بأن يطوف حول الكعبة سبعًا، وأن يسعى سبعًا، وسائر ما يكثر ذكره في العبادات مما يقصد بالعدد سبعة إنما هو لأجل كونه رمزًا للكمال وغاية في التمام في كل ما يقصد فعله من أفعال.

قال العلامة الفيروزآبادي في "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" (3/ 180، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية-القاهرة): [السَّبُع والسَّبْع والسَّبَع سُمِّي به لتمام قوَّته؛ وذلك لأَنَّ السَّبْع من الأَعداد التَّامَّة، كأَنه سَبْع حيوانات، والجمع: سِبَاع وأَسبُع. وأَرضٌ مَسْبعة: ذات سباع، وسَبَعَ القوم كمنع: كان سابعهم أَو أَخذ سُبْع أموالهم.

والأُسبوع من الأَيام، والجمع: أَسابيع. وطاف بالبيت أُسبوعًا وسَبْعًا وسُبُوعًا] اهـ.

وهذا الأمر التعبدي تكليف من الله سبحانه وتعالى لا تخرج عهدة المكلف عنه إلا بالإتيان به على الحالة التي شرعه الله سبحانه وتعالى عليها، فالسعي بين الصفا والمروة سبعًا فلا يصح إلا أن يكون سبعًا، ولا تصح العبادة حجًّا كان أم عمرة إلَّا بأن يكون السعي بين الصفا والمروة سبعًا؛ فالأمر المُعَيَّنُ لا يقع الامتثال به إلا على الحالة التي شرع عليها، وهذا أمر مقرر عند العلماء.

قال الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (2/ 166، ط. دار الكتبي): [لا خلاف بين المسلمين في أن المكلف مأمور بالإتيان بالفعل المأمور به قبل أن يشرع فيه، ولا يخرج عن عهدة الأمر إلَّا بالامتثال، ولا يحصل الامتثال إلَّا بالإتيان بالمأمور به] اهـ.

ولا يتأتى الإتيان بالأمر المكلف شرعًا إلا بالصفة الشرعية له، ما دام أنَّه من الأمور المُعَيَّنة؛ قال الإمام العطار في "حاشيته على شرح جلال الدين المحلي على جمع الجوامع" (1/ 334، ط. دار الكتب العلمية): [الأمر إذا تعلق بشيء بعينه لا يقع الامتثال إلَّا بذلك الشيء، فلا يخرج عن العهدة بغيره، سواء كان الذي تعلق به الأمر صفةً أو نعتًا] اهـ.

وقال الإمام السرخسي في "المبسوط" (4/ 66، ط. دار المعرفة): [فإن فيما لا يعقل المعنى فيه إنما يحصل الامتثال بعين المنصوص] اهـ.

حكم السعي بين الصفا والمروة في الحج أو العمرة

أما فيما يتعلق بصحة الحج والعمرة بكون السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط؛ فقد ذهب المالكية والشافعية إلى أنَّ السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ ركن من الأركان لا يصح الحج والعمرة بدونه.

قال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (2/ 250، ط. دار الفكر): [(ثم السعي) أي: لهما، وحذفه استغناء بذكره عقب الطواف أشواطًا (سبعًا) للحج، وكذا للعمرة (بين الصفا والمروة منه) أي الصفا (البدء) حال كونه معدودًا (مرةً) فإن بدأ من المروة فلا يحتسب به وإلا بطل سعيه] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 76، ط. دار الفكر): [السعي ركن من أركان الحج، لا يتم الحج إلا به، ولا يُجبَر بدمٍ، ولا يفوت ما دام صاحبه حيًّا، فلو بقي منه مرة من السعي أو خطوة لم يصحَّ حجُّه ولم يتحلل من إحرامه حتى يأتي بما بقي، ولا يحل له النساء وإن طال ذلك سنين، ولا خلاف في هذا عندنا] اهـ.

واختلف الحنابلة في حكم السعي بين الصفا والمروة؛ لاختلاف الرواية عن الإمام أحمد في حكمها، فهناك رواية بركنيته، ورواية بسنيته، وذهب بعضهم إلى وجوبه، وأنَّه يجبر بدم عند تركه، وهذه هي الرواية الراجحة عند الإمام ابن قدامة.

قال الإمام ابن قدامة في "الكافي في فقه الإمام أحمد" (1/ 517، ط. دار الكتب العلمية): [والسعي ركن لا يتم الحج إلا به] اهـ.

وقال أيضًا في "المغني" (3/ 352، ط. مكتبة القاهرة): [وقال القاضي: هو واجبٌ، وليس بركن، إذا تركه وجب عليه دم.

وهو مذهب الحسن، وأبي حنيفة، والثوري، وهو أولى؛ لأن دليل من أوجبه دلَّ على مطلق الوجوب، لا على كونه لا يتم الحج إلا به] اهـ.

وقال الإمام المرداوي في "الإنصاف" (4/ 44، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا) هذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه، وعنه: يكتفي بسعي عمرته، اختاره الشيخ تقي الدين، وأطلقهما في "الفائق".

قوله: (أو لم يكن سعى مع طواف القدوم فإن كان قد سعى: لم يسع) هذا المذهب وذكر في "المستوعب" وغيره رواية بأن القارن يلزمه سعيان: سعي عند طواف القدوم، وسعي عند طواف الزيارة.

فائدتان: إحداهما: إذا قلنا السعي في الحج ركن: وجب عليه فعله بعد طواف الزيارة إن كان متمتعًا، أو مفردًا، أو قارنًا، ولم يكن سعى مع طواف القدوم، فإن فعله قبله عالمًا: لم يعتد به وأعاده، رواية واحدة، وإن كان ناسيًا: فهل يجزئه؟ فيه روايتان منصوصتان ذكرهما في "المستوعب" وغيره، وصحح في "التلخيص" وغيره: عدم الإجزاء، وإن قلنا: السعي واجب أو سُنَّة؟

فقال في "الفروع": وإن قيل: السعي ليس ركنًا قيل: سُنَّة، وقيل: واجب ففي حِلِّه قبله وجهان، قلت: ظاهر كلام أكثر الأصحاب: أنه يحل قبل السعي، لإطلاقهم الإحلال بعد الطواف] اهـ.

وذهب الحنفية إلى أن السعي بين الصفا والمروة في الحج والعمرة واجبٌ، يجبر تركه بدم، ولو ترك معظمَه كذلك، أما لو ترك ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك، فعليه لكلِّ شوط نصف صاع من حنطة، هذا إذا كان تركه لغير عذر، أما لو كان تركه لعذر خارجًا عن إرادة الإنسان؛ كالحيض والنفاس بالنسبة للنساء، فلا دم عليه.

قال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (1/ 148، ط. مطبعة الحلبي): [السعي بين الصفا والمروة واجبٌ] اهـ.

وقال الإمام محمد بن الحسن في "الأصل" (2/ 407، ط. إدارة القرآن والعلوم الإسلامية-كراتشي): [وإنْ ترَكَ السعيَ فيما بين الصفا والمروة رأسًا في حجٍّ أو عُمرةٍ، فعليه دم، وكذلك إن ترك منه أربعة أشواط، وإن ترك ثلاثة أشواط أطعَمَ لكل شوطٍ مسكينًا نصفَ صاعٍ من حنطة] اهـ.

وقال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 133، ط. دار الكتب العلمية): [أما السعي.. فقد قال أصحابنا: إنه واجب.. وإذا كان واجبًا فإنْ تَرَكَهُ لعذرٍ فلا شيء عليه، وإنْ تركه لغير عذر لزمه دم؛ لأن هذا حكم ترك الواجب] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 544، ط. دار الفكر): [يُستثنى من الإطلاق المارِّ في وجوب الجزاء ما في "اللباب": لو ترك شيئًا من الواجبات بعذرٍ لا شيء عليه على ما في "البدائع"، وأطلق بعضهم وجوبَه فيها إلا فيما ورد النص به، وهي: ترك الوقوف بمزدلفة، وتأخير طواف الزيارة عن وقته، وترك الصدر للحيض والنفاس، وترك المشي في الطواف والسعي، وترك السعي، وترك الحلق لعِلَّة في رأسه، لكن ذكر شارحه ما يدل على أن المراد بالعذر ما لا يكون من العباد] اهـ.

وقال أيضًا (2/ 512): [وكذا كل واجب إذا تركه بعذر لا شيء عليه.. ولو فاته الوقوف بمزدلفة بإحصارٍ فعليه دم من أن هذا عذر من جانب المخلوق، فلا يؤثر] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فالعلة في كون السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ غير معقولة المعنى، وهو ما يعبر عنه العلماء بأنَّها تعبدية، والأمور غير معقولة المعنى والمعيَّنة من الشرع لا يتحقق الامتثال فيها إلا بالإتيان بها على الشكل الذي حدده الشرع الشريف، فلا يجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه دون عذرٍ يبيح له ذلك؛ كما سبق بيانه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا