هل يسقط عن الحاج طواف القدوم إذا ذهب إلى عرفة مباشرة؟ حيث إنه واجب في مذهب المالكية، وهل على تاركه فدية؟
مدى وجوب طواف القدوم على الحاج حال ذهابه إلى عرفة مباشرة
إذا ذهب الحاج إلى عرفة مباشرة ولم يدخل مكة سقط عنه طواف القدوم، ولا شيء عليه؛ لأنه شُرع عند دخول مكة؛ تحية للبيت العتيق، بحيث يكون أول عهد القادم من خارج مكة.
أما ما ورد عن السادة المالكية بخصوص إيجاب طواف القدوم، وترتب الدم جزاء لتركه؛ فإن هذا الإيجاب ليس على إطلاقه، بل مشروط عندهم بشروط، بحيث إذا تحققت وجب طواف القدوم، فلو تركه الحاج بعد وجوبه: لزمه دم، أما إذا اختل واحد منها: سقط الإيجاب، ولا شيء على تاركه في هذه الحال، ومِن هذه الشروط: اتساع الوقت.
التفاصيل ....المحتويات
- تعريف طواف القدوم
- حكم طواف القدوم، وهل يجب على تاركه فدية؟
- وقت طواف القدوم
- متى ينتهي وقت طواف القدوم؟
- متى يسقط طواف القدوم؟
- توجيه قول المالكية بوجوب طواف القدوم وشروط ذلك
- الخلاصة
تعريف طواف القدوم
طواف القدوم هو الطواف الذي يفعله القادم إلى مكة مِن غير أهلها، ويُسمَّى طواف القادم، وطواف الورود، وطواف الوارد، وطواف التحية؛ كما في "المجموع" للإمام النووي (8/ 12، ط. دار الفكر).
حكم طواف القدوم، وهل يجب على تاركه فدية؟
طواف القدوم متصور في حقِّ الآفاقي إذا كان مفرِدًا أو قارنًا، وهو سُنَّة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة؛ تحيةً للبيت العتيق، ولا شيء على مَن تركه، بل حجه صحيح، غير أنه قد فاتته الفضيلة، وهذا هو المختار للفتوى.
وقد ورد عن أمِّ المؤمنين السيدة عائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنهَا أنها قالت: "إنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ -حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ- أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ" أخرجه البخاري في "الصحيح".
قال بدر الدين العيني الحنفي في "البناية" (4/ 201-202، ط. دار الكتب العلمية): [م: (طواف القدوم، ويسمى طواف التحية) ش: ويسمى أيضًا: طواف اللقاء، وطواف إحداث العهد بالبيت، م: (وهو) ش: أي طواف القدوم، م: (سنة وليس بواجب) ش: أي طواف القدوم ليس بواجب عندنا] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 12): [(وأما) طواف القدوم فسُنَّة ليس بواجب، فلو تركه: فحجه صحيح، ولا شيء عليه، لكنه فاتته الفضيلة، هذا هو المذهب، ونص عليه الشافعي، وقطع به جماهير العراقيين والخراسانيين] اهـ.
وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير" (3/ 382، ط. دار الكتاب العربي): [إن كان مفردًا أو قارنًا بدأ بطواف القدوم، وهي سنة بغير خلاف] اهـ.
وقت طواف القدوم
الأصل في فعله أن يكون البيت أول عهد القادم إلى مكة المكرمة؛ لأنه شُرِع تحية للكعبة المشرفة.
قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (4/ 34، ط. دار المعرفة): [أما أحد الأطوفة في الحج فهو طواف التحية، ويسمى طواف القدوم وطواف اللقاء، وذلك عند ابتداء وصوله إلى البيت، وهو سُنَّة عندنا] اهـ.
وقال شهاب الدين النفراوي في "الفواكه الدواني" (1/ 356، ط. دار الفكر): [(فإذا دخل) المحرم بحج أو عمرة (مكة، فليدخل المسجد الحرام) سريعًا، ولا يُقَدِّم عليه إلَّا ما لا بد منه؛ كأكل خفيف أو حط رحله، لأنه المقصود بالذات، فالتأخر عنه إساءة أدب] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 12): [محل طواف القدوم: أول قدومه] اهـ.
وقال العلَّامة البهوتي في "كشاف القناع" (2/ 477، ط. دار الكتب العلمية): [(و) يبتدئ (بطواف القدوم -ويسمى طواف الورود- إن كان مفردًا أو قارنًا وهو تحية الكعبة)؛ فاستحبت البداءة به] اهـ.
متى ينتهي وقت طواف القدوم؟
ينتهي وقته بالوقوف بعرفة على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو المختار للفتوى.
قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 494، ط. دار الفكر): [وفي "اللباب": وأول وقته حين دخوله مكة، وآخره من وقوفه بعرفة، فإذا وقف فقد فات وقته] اهـ.
وقال العلَّامة الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (3/ 82، ط. دار الفكر): [ويسمى طواف القدوم، ونبه على أن محله قبل عرفة، وأنه يجب تقديمه قبل الخروج إلى عرفة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 12): [طواف القدوم إنما يُتَصَوَّرُ في حقِّ مُفْرِد الحج وفي حقِّ القارن، إذا كانا قد أحرمَا مِن غير مكة، ودخلاها قبل الوقوف بعرفات] اهـ.
متى يسقط طواف القدوم؟
لو أحرم الحاج بالحج ولم يدخل مكة وذهب إلى عرفة مباشرة فإنه يسقط عنه طواف القدوم، وهو المختار للفتوى.
قال فخر الدين الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (2/ 37، ط. الأميرية): [(مَن لم يدخل مكة ووقف بعرفة سقط عنه طواف القدوم)؛ لأنه شرع في ابتداء الحج على وجهٍ يُترتب عليه سائر الأفعال، فلا يكون الإتيان به على غير ذلك الوجه سُنَّة، ولأنه إذا دخل مكة بعد الإفاضة مِن عرفة يطوف للزيارة، فيغنيه عن طواف القدوم؛ كالصلاة الفرض تغني عن تحية المسجد] اهـ.
وقال شهاب الدين النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 357): [ليس للحج طواف قبل عرفة إلَّا طواف القدوم، وهو واجب فينجبر بالدم، ووجوبه بثلاثة شروط: أحدها: أن يكون أحرم من الحِلِّ: إما وجوبًا؛ كالآفاقي القادم محرمًا بحج، أو ندبًا؛ كالمقيم الذي معه نَفْسٌ وخرج وأحرم من الحِلِّ، وسواء أحرم من الحج مفردًا أو قارنًا، وكذا المحرم من الحرم إن كان يجب عليه الإحرام من الحِلِّ بأن جاوز الميقات حلالًا مقتحمًا للنهي، فمعنى إن أحرم من الحِلِّ: إن طولب بالإحرام من الحِلِّ أحرم منه أو من الحرم. وثانيها: أن لا يراهق، وأما لو ضاق عليه الوقت وخاف فوات عرفة، فإنه يسقط عنه. ثالثها: أن لا يردف الحج على العمرة في الحرم، فإن أردف بحرم فلا قدوم عليه.. ولا دم عليه في ترك طواف القدوم عند المراهقة أو الإرداف] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 12-13): [(وأما) مَن أحرم بالحج مفردًا أو قارنًا، ولم يدخل مكة إلَّا بعد الوقوف، فليس في حقِّه طواف قدوم] اهـ.
توجيه قول المالكية بوجوب طواف القدوم وشروط ذلك
بخصوص إيجاب المالكية لطواف القدوم والمترتب على تركه دم: فإن هذا الإيجاب ليس على إطلاقه، بل مشروطٌ عندهم بشروط، بحيث إذا تحققت وجبَ طواف القدوم، وإذا اختل واحدٌ منها سقط الإيجاب، ولا شيء على تاركه في هذه الحال؛ لأن الدم إنما يكون عوضًا عن ترك واجب، وقد سقط الوجوب؛ ومن هذه الشروط: اتساع الوقت، وهو ما أسموه بـ "عدم المراهقة"، بحيث لا يخشى فوات الوقوف بعرفة الذي هو ركن الحج الأعظم.
قال العلَّامة خليل في "التوضيح" (2/ 561، ط. مركز نجيبويه للمخطوطات): [وَيَتْرُكُهُ الْمُرَاهِقُ وَالْحائِضُ، فَإِنْ كَانَ إِحْرَامُهُمَا بِعُمْرَةٍ أَرْدَفَا الْحَجَّ، وَصَارَا قَارِنَيْنِ، وَإِلا فَعَلَى مَا كَانَا.. يعني: أن المراهق والحائض يتركان طواف القدوم، ولا يسعيان إلَّا بعد طواف الإفاضة، فإن كانا أحرما بعمرة أردفا الحج ويصيران قارنين.
وقوله: (وَإِلا فَعَلَى) أي: وإن لم يكونا أحرما بعمرة فإنهما يمضيان على ما كانا من إفراد أو قران. الباجي: ومتى يكون الحاج مراهقًا؟ قال أشهب: إن قدم يوم عرفة أحببت تأخير طوافه، وإن قدم يوم التروية أحببت تعجيله، وله في التأخير سعة، رواه أبو محمد في "المختصر" عن مالك، وإن قدم يوم عرفة: فليؤخر إن شاء، وإن شاء طاف وسعى، وإن قَدَم يوم التروية ومعه أهله: فليؤخر إن شاء، وإن لم يكن معه أهله: فليطف ولْيَسْعَ، ومعنى ذلك أن الاشتغال يوم عرفة بالتوجه إلى عرفة أولى، وأما يوم التروية فمَن كان معه أهله كان في شغل مما لا بد للمسافر بالأهل منه] اهـ.
وقال العلَّامة الحطَّاب في "مواهب الجليل" (3/ 82) في طواف القدوم: [أما كونه يجب إيقاعه قبل عرفة فهذا هو المذهب، وكذا إيقاع السعي بعده، قال ابن عبد السلام: وهو محلهما اتفاقًا، فمَن تركه أو ترك تقديم السعي بعده، وكان قد أحرم بالحج مِن الحِلِّ، وليس بمراهق، ولا حائض، ولا نَاسٍ: فعليه الدم على المشهور، وإن ترك ذلك نسيانًا: فلا دم عليه على المشهور، قاله المصنف في "توضيحه"، و"مناسكه"، وحكى ابن الحاجب في سقوط الدم قولين، وعزا السقوط لابن القاسم، وعزا في "التوضيح" القول باللزوم لابن الجلاب والأبهري، وقال ابن عرفة واللخمي والتونسي: ناسيه كعامده انتهى.
وفي كلام أبي إسحاق التونسي ما يدل على أن مذهب "المدونة" لزوم الدم، وصرَّح ابن الجلاب بأن مذهب ابن القاسم أن لا دم عليه، قال: وإن ترك الطواف والسعي ناسيًا، والوقت واسع، يعني أنه غير مراهق: فلا دم عليه عند ابن القاسم، والقياس عندي: أنه يلزمه الدم، بخلاف المراهق، وكذا قال الشيخ أبو بكر الأبهري] اهـ.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 33-34، ط. دار الفكر): [(ووجب) أي الطواف، والمراد به هنا: طواف القدوم؛ بدليل بقية الكلام (كالسعي) أي: كما يجب السعي، أي: تقديمه (قبل عرفة)، ولذلك شروط ثلاثة فيهما أشار لها بقوله: (إن أحرم) مَن وجب عليه مفردًا، أو قارنًا (مِن الِحلِّ) ولو مقيمًا بمكة: خرج إليه (ولم يراهق) بفتح الهاء أي: لم يزاحمه الوقت، وبكسرها أي: لم يقارب الوقت بحيث يخشى فوات الحج إن اشتغل بالقدوم، فإن خشيه: خرج لعرفة وتركه (ولم يردف) الحج على العمرة (بحرم، وإلا) بأن اختل شرط من الثلاثة (سعى) أي: أخر السعي الركني (بعد الإفاضة) ولا طواف قدوم عليه ولا دم، كما لا يجب على نَاسٍ وحائض ونفساء ومغمى عليه ومجنون، حيث بقي عذرهم بحيث لا يمكنهم الإتيان بالقدوم والسعي قبل الوقوف] اهـ.
الخلاصة
بناء على ذلك: فإذا ذهب الحاج إلى عرفة مباشرة ولم يدخل مكة سقط عنه طواف القدوم، ولا شيء عليه؛ لأنه شُرع عند دخول مكة؛ تحية للبيت العتيق، بحيث يكون أول عهد القادم من خارج مكة.
أما ما ورد عن السادة المالكية بخصوص إيجاب طواف القدوم، وترتب الدم جزاء لتركه؛ فإن هذا الإيجاب ليس على إطلاقه، بل مشروط عندهم بشروط، بحيث إذا تحققت وجب طواف القدوم، فلو تركه الحاج بعد وجوبه: لزمه دم، أما إذا اختل واحد منها: سقط الإيجاب، ولا شيء على تاركه في هذه الحال، ومِن هذه الشروط: اتساع الوقت؛ كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.