ما حكم الكلام في الهاتف المحمول أثناء الطواف؟ حيث إن هناك من تأتي إليهم مكالمات على هواتفهم المحمولة أثناء الطواف بالبيت فيقومون بالرَّدِّ عليها؛ فهل هذا جائز شرعًا؟
رغَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدم الإكثار من الكلام في الطواف لغير حاجة، وحثَّ على الإقلال منه قَدْر الاستطاعة؛ فلا مانع شرعًا من الكلام في الهاتف المحمول أثناء الطواف عند الحاجة إليه من غير كراهة؛ رفعًا للحرج عن الطائفين، فإذا انتفت الحاجة فالأَوْلَى تَرْكُهُ إلا أن يكون بخير؛ كالذكر، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونحو ذلك.
المحتويات
مِن أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه عزَّ وجلَّ: الطواف بالبيت، فهو مِن أَجَلِّ العبادات وأعظمها، وقربةٌ مِن أفضل القُرُبات وأرفَعِها، وركنٌ في الحج والعمرة فلا يصحان إلا به، وهو أكثر المناسك عملًا في الحج والعمرة، وشعيرةٌ يُثاب عليها المسلم في جميع حالاته؛ سواء فعلها على سبيل الوجوب والفريضة أو على سبيل الندب والتطوع؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158]، وقال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].
قال الإمام البيضاوي في "أنوار التنزيل" (1/ 115، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ أي: فعل طاعةً فرضًا كان أو نفلًا، أو زاد على ما فرض الله عليه مِن حج أو عمرة، أو طواف.. ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ مُثِيبٌ على الطاعة لا تَخْفَى عليه] اهـ.
قد وَصَفَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الطوافَ بالبيت بأنه صلاة؛ لحُرمته ومكانتِه وفَضلِه وعَظَمتِه، وأجاز صلى الله عليه وآله وسلم الكلامَ فيه، إلا أنه نَهَى عن الإكثار مِنه، وحثَّ على الإقلال منه قَدْر الاستطاعة، فإن كان لا بد منه فلْيَكُن كلامًا بخَيْرٍ أو مَعروفٍ.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، وَلَكِنَّ اللهَ أَحَلَّ لَكُمْ فِيهِ النُّطْقَ، فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إِلَّا بِخَيْرٍ» أخرجه الأئمة: الدارمي والبيهقي في "السنن"، وابن حبان في "الصحيح"، وابن الجارود في "المنتقى" واللفظ له، والحاكم في "المستدرك" وغيرُهم.
وفي روايةٍ عنه رضي الله عنه رَفَعَهَا: «إِنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمْ إِلَّا بِخَيْرٍ» أخرجه الأئمة: الترمذي والنسائي في "السنن"، وابن خزيمة في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
وعنه أيضًا رضي الله عنه موقوفًا: "الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ، فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ فِيهِ" أخرجه الأئمة: عبد الرزاق وابن أبي شيبة في "المصنف"، والبيهقي في "السنن الصغرى".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أَقِلُّوا الْكَلَامَ فِي الطَّوَافِ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ" أخرجه الأئمة: النسائي والبيهقي في "السنن"، والفاكهي في "أخبار مكة".
قد نصَّ الحنفية والمالكية وعطاء على كراهة الكلام في الطواف إلا لحاجة، مع استحباب الإقلال منه حينئذٍ للانشغال بالدعاء والذكر، بل إذا كان الطواف واجبًا، فإنَّ تَرْكَ الكلام فيه بِالْكُلِّيَّةِ هو الأفضل والأَوْلَى.
قال علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 131، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره إنشاد الشعر، والتحدث في الطواف.. لأن ذلك يشغله عن الدعاء] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البَر المالكي في "الكافي" (1/ 369، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [ولا يتحدث أحد في طوافه، ولا يأكل ولا يشرب في أضعافه، فإن ذلك مكروهٌ له، وإقلال الكلام في الطواف سُنَّة، ولا يَضُرُّ مَن تكلم فيه في حاجَةٍ، وإنما يؤمَر بإقلال الكلام فيه؛ للإقبال على الذكر] اهـ.
وقال في "الاستذكار" (4/ 219، ط. دار الكتب العلمية): [وذكر ابن جريج عن عطاء: أنه كان يَكره الكلام في الطواف إلا الشيءَ اليسير، وكان يَستحب فيه الذكر والتلاوة للقرآن] اهـ.
وقال الإمام أبو الوليد البَاجِيُّ المالكي في "المنتقى شرح الموطأ" (2/ 297، ط. مطبعة السعادة): [روي عن مالكٍ: ولْيُقِلَّ الكلامَ في الطواف، وتَركُهُ في الواجب أَحَبُّ إليَّ] اهـ.
ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز الكلام في الطواف مُطلقًا مِن غير كراهة، لكنَّ تَرْكَ الكلام أَوْلَى وأفضلُ إلا أن يكون كلامًا بخير؛ كنحو: ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل.. ونحو ذلك.
قال الإمام الشِّيرَازِيُّ الشافعي في "المهذب" (1/ 407، ط. دار الكتب العلمية): [ويجوز الكلام في الطواف.. والأفضل ألَّا يتكلم] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 46، ط. دار الفكر): [قال الشافعي والأصحاب: يجوز الكلام في الطواف، ولا يَبطل به، ولا يُكره، لكن الأَوْلَى تَرْكُهُ، إلا أن يكون كلامًا في خيرٍ؛ كأمرٍ بمعروفٍ، أو نهيٍ عن منكرٍ، أو تعليمِ جاهلٍ، أو جواب فتوى، ونحو ذلك] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 343، ط. مكتبة القاهرة): [ويُستحب أنْ يَدَعَ الحديث، إلا ذكر الله تعالى، أو قراءة القرآن، أو أمرًا بمعروفٍ، أو نهيًا عن منكرٍ، أو ما لا بد منه] اهـ.
هذا، وإن كان بعضُ الفقهاء قد أجازوا الكلام في الطواف مطلقًا، وكرهه البعض إلا لحاجة، فإن ما عليه عامة أهل العلم وجرى عليه العمل: أنهم يَستحبون ألَّا يتكلم الرجل في الطواف إلا لحاجة، أو بذكر الله تعالى، أو مِن العِلم؛ كما قال الإمام الترمذي في "جَامِعِهِ" (3/ 284، ط. مطبعة الحلبي).
ومن ثَمَّ فإن الكلام عمومًا -أو في الهاتف المحمول خصوصًا- وإن كان جائزًا في الطواف، أو مكروهًا عند عدم الحاجة أو الضرورة، فإنَّ مِن كمال الأدب في الطواف أن يكون الطائفُ وقورًا، خاشعًا متخشعًا، حاضر القلب، مستحضرًا لعظمة المولى سبحانه وتعالى، خاضعًا له، مقبلًا عليه، مستشعرًا كونه بين يديه، متأدبًا بظاهره وباطنه، مقتديًا بهدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإقلال من الكلام في الطواف، وعدم التمادي في الحديث فيما لا حاجة فيه أو ضرورة.
قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 46): [قال أصحابنا وغيرهم: ينبغي له أن يكون في طوافه خاشعًا متخشعًا، حاضر القلب، مُلازِم الأدب بظاهره وباطنه وفي هيئته وحركته ونظره، فإن الطواف صلاة، فيتأدب بآدابها، ويستشعر بقلبه عظمة من يطوف ببيته] اهـ.
ويُضاف إلى ذلك: أنَّ كثرة الكلام لغير حاجة -سواء في الهاتف أو مع الصاحب في الطواف- يؤدي إلى التشويش على الطائفين العابدين الذاكرين، فكان الأَوْلَى لِمُؤَدِّي هذه الشعيرة العظيمة أن يشغل نفسه بالإقبال على ربه في طوافه، خاشعًا بقلبه، ذاكرًا بلسانه، يَطلب فضل مولاه، ويعتذر إليه عما جَنَت يداه، فإن كان كذلك، تَحَقَّقَ فيه قولُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِالطَّائِفِينَ» أخرجه الأئمة: الفاكهي في "أخبار مكة"، وابن راهويه وأبو يعلى في "المسند"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، مِن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وعنها أيضًا رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ لَيُبَاهِي بِالطَّائِفِينَ مَلَائِكَتَهُ» أخرجه الإمام ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال".
بناءً على ذلك: فقد رغَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدم الإكثار من الكلام في الطواف لغير حاجة، وحثَّ على الإقلال منه قَدْر الاستطاعة؛ ولأجْل ذلك كَرِهَ بعضُ الفقهاء الكلام في الطواف إلا لحاجة، وأجازه البعض مطلقًا، والأَوْلَى تَرْكُهُ ما لم يكن كلامًا بخَيْرٍ أو معروفٍ؛ كنحو: ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي واقعة السؤال: لا مانع شرعًا من الكلام في الهاتف المحمول أثناء الطواف عند الحاجة إليه من غير كراهة؛ رفعًا للحرج عن الطائفين، فإذا انتفت الحاجة فالأَوْلَى تَرْكُهُ إلا أن يكون بخير؛ كالذكر، وتلاوة القرآن، ونحو ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
نحيطكم عِلمًا بأن صندوق خاص بإحدى الجهات الرسمية يقوم بتنظيم بعثة سنوية للحج، وذلك حسب البرنامج التالي ذكره، فبرجاء التفضل بإبداء الرأي في مدى صحة هذا البرنامج من الناحية الشرعية:
تقوم البعثة بالسفر بالملابس العادية إلى المدينة أولًا، وتمكث البعثة بالمدينة لمدة خمسة أيام، قبل التوجه إلى مكة لأداء مناسك الحج، ونقوم بشراء صكوك الهدي من المدينة، والإحرام من فندق الإقامة بنية القران بين الحج والعمرة.
ثم نقوم بعد ذلك بالتوجه إلى الحرم المكي لأداء طواف القدوم والسعي بعده، فهل يجزئ هذا السعي عن سعي الحج؟
في يوم التروية نذهب ليلًا مباشرة إلى عرفة، ولا نبيت بمِنى ولا ندخلها، ونبيت ليلة عرفة بمقر البعثة بعرفة والذي يكون داخل حدود عرفة، ونمكث بالمخيَّم داخل عرفة دون الذهاب إلى جبل الرحمة، وعند غروب الشمس نبدأ في التحرك إلى المزدلفة، فنصل إليها ليلًا، ونصلي المغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء، ونسرع بجمع الحصى من المزدلفة، ثم نبادر بعد ذلك وفي منتصف الليل بمغادرة المزدلفة إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، ويمكن لكبار السن والسيدات التوكيل في رمي الجمرات، ثم نتوجه إلى مكة المكرمة لطواف الإفاضة، وبعدها نتوجه إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة.
ثم نتوجه في ظهيرة يوم النحر من مكة إلى منى للمبيت بها حتى الساعة 12 صباحًا، ثم نقوم برمي الجمرات ليلة أول أيام التشريق وثاني أيام العيد، ثم التوجه إلى فندق الإقامة لمَن يرغب. وفي ظهر أول أيام التشريق وثاني أيام العيد نتوجه إلى منى ونقيم بها حتى نرمي جمرات اليوم الثاني من أيام التشريق في حدود الساعة 12 صباحًا، ونتعجل اليوم الثالث، ونقوم بمغادرة مِنى إلى مكة ليلة ثاني أيام التشريق بعد رمي الجمرات.
ننصح الكثير من أعضاء البعثة وخاصة كبار السن بالذهاب بعد العشاء بساعة أو ساعتين ليلة 12 من ذي الحجة بالذهاب إلى الجمرات ورمي جمرات اليوم الأول، ثم يمكثون إلى أن ينتصف الليل ويرمون لليوم الثاني. كما ننصح كبار السن والنساء ومن لا يستطع الذهاب إلى منى أن يبقى بمكة ويوكِّلَ من يرمي عنه الجمرات. ويمكن لمن أحب عمل أكثر من عمرة أن يقوم بذلك بعد الرجوع إلى مكة والتحلّل الأكبر، ويقوم أعضاء البعثة بطواف الوداع في يوم 13 من ذي الحجة، أي: قبل المغادرة بيوم.
كما ننصح كبار السن والمرضى أن يجمعوا في طواف الإفاضة بين نية الإفاضة ونية الوداع.
وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام
ما حكم تكرار العمرة أكثر من مرة للمتمتع بعد التحلل من عمرته الأولى التي نوى بها التمتع بالعمرة إلى الحج؟
ما حكم السفر للحج بدون محرم حيث إن عمري الآن تجاوز 52 سنة. فهل يحق لي الذهاب إلى الحج من دون محرم؟
ما حكم التطوع بالطواف من غير الحاج والمعتمر؟ حيث إن هناك شخصًا قد دخل المسجد الحرام لصلاة فريضة الظهر، وكان الوقت قبل الصلاة كبيرًا، فأراد أن يتطوع بطواف البيت. فهل يجوز له ذلك مع كونه غير قاصدٍ لنسكٍ من حجٍ أو عمرة؟
هل الترتيب بين السعي والطواف بالبيت أمر لا بد منه في أداء مناسك الحج والعمرة؟ وما العمل لو سعى الناسك قبل أن يطوف وعاد إلى بلده؟
ما هي أعمال الحج؟ نرجو بيانها بطريقة عملية وبأسلوب سهل ومختصر.