هل يجوز رمي الحصيات السبع دفعة واحدة؟ فأثناء رمي جمرة العقبة يحصل زحام شديد، فيقوم بعض الناس برمي الحصيات كلها دفعةً واحدةً؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
رمي الحاج للحصيات السبع دفعةً واحدةً يعتبر بمثابة رمي حصاة واحدة فقط، ويلزم من فعل ذلك أن يرمي بستٍّ سواها، بناء على المعتمد في المذاهب، وعلى مَن فعل ذلك دمٌ.
المحتويات
الرمي في اللغة: نبذُ الشيء وإلقاؤُه، والحصيات: جمع حصاة، والحصيات والجمرات يطلقان على صِغَارِ الحجارة، فرمي الحصى أو الجمار في اللغة: القَذْف بالأحجار الصغار. ينظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (2/ 435، ط. دار الفكر) و"لسان العرب" لابن منظور (4/ 145، ط. دار صادر).
وهذا المعنى اللغوي لرمي الجمار مراعًى في المعنى الاصطلاحي الشرعي؛ إذ يُراد برمي الحصيات أو الجمرات عند الفقهاء: القذف بالحصى في زمانٍ مخصوصٍ، ومكانٍ مخصوص، وعددٍ مخصوصٍ. ينظر: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" للكاساني الحنفي (2/ 137، ط. دار الكتب العلمية).
الرمي واجبٌ مِن واجبات الحج عند فقهاء المذاهب الأربعة؛ لما رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر وهو واقف عند الجمرة، فقال: يا رسول الله، إني حلقتُ قبل أن أرمي، فقال: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وأتاه آخر فقال: إني ذبحتُ قبل أن أرمي، قال: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وأتاه آخر، فقال: إني أفضتُ إلى البيت قبل أن أرمي، قال: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» قال: فما رأيته سُئِلَ يومئذ عن شيء، إلَّا قال «افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ». فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ارْمِ وَلَا حَرَجَ» أمرٌ ظاهره يقتضي وجوب العمل.
المراد بالواجب في الحج: ما يُجْبَر تركه بدمٍ، ولا يتوقف وجود الحج على فعله، كما أنَّ فقهاء المذاهب الأربعة متفقون على أنَّ عدد الحصيات لكلِّ جَمْرة سبعة؛ وذلك لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ثُمَّ سَلَكَ الطَّريقَ الوُسْطى التي تَخْرُجُ على الجَمْرةِ الكُبْرى، حتى أتى الجَمْرةَ التي عند الشَّجَرةِ، فرماها بسَبْعِ حَصَياتٍ -يُكَبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ منها- مِثْلَ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِن بطْنِ الوادي، ثم انصَرَفَ إلى المَنْحَر». رواه مسلم في "صحيحه". ينظر: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" للكاساني (2/ 136)، و"الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" للنفراوي المالكي (1/ 362، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" للخطيب الشربيني الشافعي (2/ 285، ط. دار الكتب العلمية)، و"زاد المستقنع في اختصار المقنع" للحجاوي (ص: 94، ط. دار الوطن).
التفريق بين الحصيات السَّبْع عند الرمي -بأن يرمي كلَّ حصاةٍ بانفرادها واحدةً واحدةً- شرطٌ عند جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة؛ وذلك لأنَّ الرمي وَجَبَ تَعبُّدًا فيراعى فيه مورد التعبد، وقد ورد بتفريق الرميات فوجب اعتباره.
قال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 158): [فإن رمى إحدى الجمار بسبع حصيات جميعًا دفعةً واحدةً فهي عن واحدةٍ، ويرمي ستةً أخرى؛ لأنَّ التوقيف ورد بتفريق الرميات فوجب اعتباره، وهذا بخلاف الاستنجاء أنه إذا استنجى بحجر واحد وأنقاه كفاه، ولا يراعى فيه العدد عندنا؛ لأن وجوب الاستنجاء ثبت معقولًا بمعنى التطهير فإذا حصلت الطهارة بواحد اكتفى به، فأمَّا الرمي فإنما وجب تعبدًا محضًا فيراعى فيه مورد التعبد، وأنه ورد بالتفريق فيقتصر عليه] اهـ.
وقال العلَّامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (1/ 363): [فشرائط الصحة: كون المرمي حجرًا؛ كرخام أو بِرَامٍ فلا يصح بطين ولا معدن، وكون إيصال الحصاة إلى الجمرة بواسطة الرمي، وكون الرمي باليد، فلا يصح بقوسٍ، ولا بِرِجْلٍ، ولا بفم، وأن يرمي كلَّ حصاةٍ بانفرادها، فإن رمى بالسبع مرةً واحدةً اعْتد بواحدةٍ] اهـ.
وقال العلَّامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (2/ 276): [وللرمي شروط؛ ذكرها في قوله: (ويشترط) في رمي النحر وغيره (رمي) الحصيات (السبع واحدة واحدة) للاتباع، رواه مسلم، والمراد: بسبع رميات فيجزئ وإن وقعن معًا أو سبقت الأخيرة الأولى في الوقوع. فلو رمى السبع مرة واحدة أو حصاتين كذلك إحداهما بيمينه والأخرى بيساره لم يحسب إلَّا واحدة وإن تعاقب الوقوع] اهـ.
وقال العلَّامة البُهُوتِي الحنبلي في "الروض المربع شرح زاد المستقنع" (ص: 278، ط. دار المؤيد): [(فإذا وصل إلى منى، وهي من وادي محسر إلى جمرة العقبة) بدأ بجمرة العقبة فـ(رماها بسبع حصيات متعاقبات) واحدة بعد واحدة، فلو رمى دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة] اهـ.
ذهب عطاء إلى أنه إن رمى الحصيات السبع دفعةً واحدةً يجزئه ويُكَبِّر لكلِّ حصاةٍ، ونُقل عن الإمام أبي حنيفة أنه إذا وقعتِ السبع متفرقةً على مواضع الجمرات جاز، وإن وقعتْ على مكانٍ واحدٍ لا يجوز، وهو وجهٌ عند الشافعيَّة؛ حيث جاء في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للرحماني" (9/ 184، ط. الجامعة السلفية): «قال ابن قدامة: وإن رمى الحصاة دفعة واحدة لم يجزه إلا عن واحدة، نص عليه أحمد، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال عطاء: يجزئه ويُكَبِّر لكلِّ حصاةٍ. انتهى. وما ذكره الحافظ من موافقة أبي حنيفة لعطاء في إجزاء رمي السبع دفعة واحدة لعله أخذه عن صاحب "التوضيح" من الشافعية كما سيأتي في كلام العيني أو عن الكرماني، فإنه ذهب إلى ذلك حيث قال: إذا وقعت السبع متفرقة على مواضع الجمرات جاز، كما لو جمع بين أسواط الحد بضربة واحدة وإن وقعت على مكان واحد لا يجوز، وليس هذا مشهورًا في مذهب الحنفيَّة، بل المصرح في فروعهم عدم الإجزاء مطلقًا كما هو قول الأئمة الثلاثة] اهـ.
وقال الإمام الرافعي في "العزيز شرح الوجيز" المعروف بـ "الشرح الكبير" (3/ 439، ط. دار الكتب العلمية): [ولو رمى حصاتين معًا نظر إن وقعتَا معًا فالمحسوب رميةٌ واحدةٌ، وكذا لو رمى سبعًا دفعةً واحدةً ووقعت دفعة واحدة أو مرتبًا في الوقوع فرمية لاتحاد الرمي، أو رميتان لتعدد الوقوع؟ فيه وجهان: أصحهما: أولهما، وهو المذكور في الكتاب، ويروى الثاني عن أبي حنيفة رحمه الله ولو أتبع الحجَرَ الحَجَرَ ووقعت الأولى قبل الثانية فهما رميتان، وإن تساويتا في الوقوع ففيه الوجهان، والأصح: وهو المذكور في الكتاب: أنهما رميتان، وأجروا الوجهين فيما لَوْ وقعت الثَّانِيةُ قَبْلَ الأولَى] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 176، ط. دار الفكر): [وحكى إمام الحرمين ومَن تابعه وجهًا شاذًّا ضعيفًا أنه يحسب بعدد الحصيات المترتبات في الوقوع] اهـ.
بذلك يظهر أن عامة الفقهاء قد ذهبوا في حالة رمي الحاج للسبع حصيات دفعة واحدة إلى أنه لا يجزئ، وذهب عطاء إلى كون ذلك مجزئًا، واعتبر الإمام أبو حنيفة -فيما نُقِل عنه- والشافعيَّة في وجهٍ ترتيب وقوع الحصيات؛ حيث ذهبوا إلى الإجزاء في حالة ما إذا وقعتِ الأولى قبل الثانية وهكذا.
وبناءً عليه وفي واقعة السؤال: فرميك للحصيات دفعةً واحدةً يعتبر بمثابة رمي حصاة واحدة فقط، ويلزمك أن ترمي بستٍّ سواها، بناء على المعتمد في المذاهب، وعلى مَن فعل ذلك دمٌ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز الحجّ من مالِ الزوجةِ الذي آلَ إليها عن طريقِ الميراثِ؟
ما حكم الجمع بين نية صوم التَّمتُّع وصومِ عاشُوراء؟
ما حكم من قضم ظفرًا من أظافره ناسيًا وهو محرم؟
سئل بإفادة واردة من وزارة الداخلية؛ صورتها: نحيط علم فضيلتكم أنه لما قامت الحرب الأوروبية في العام الماضي صار السفر إلى الحجاز صعبًا وطريقه غير مأمون للأسباب الآتية:
أولًا: عدم توفر الأسباب لسفر البواخر المخصصة لنقل الحجاج المصريين في ذهابهم وإيابهم، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في تأخيرهم بالحجاز زمنًا ليس بالقليل، وفي ذلك مخاطرة على أنفسهم وعائلاتهم.
ثانيًا: صعوبة المواصلات الخاصة بنقل المواد الغذائية للأقطار الحجازية التي انبنى عليها عدم إرسال مرتبات الغلال التي كانت ترسلها الحكومة المصرية للحجاز سنويًّا، ولا يبعد أن يكون ذلك سببًا في وجود خطر على الحُجاج أثناء وجودهم في الأراضي المقدسة.
ثالثًا: عدم تمكُّن الحكومة بسبب العسر المالي من اتخاذ التدابير اللازمة لوقاية الحجاج المصريين من الأخطار التي تهدد حياتهم سواء كان من اعتداء أعراب الحجاز عليهم، أو من تأخيرهم مدة طويلة بتلك الجهات.
رابعًا: عدم تمكن الحكومة بسبب العسر المالي أيضًا من اتخاذ الاحتياطات الصحية التي كانت تتخذها في كل سنة لوقاية القطر من الأوبئة والأمراض المعدية التي ربما تفد مع الحجاج.
لذلك قد أخذت الوزارة في ذلك الوقت رأي فضيلة المفتي السابق عما يراه موافقًا للشرع الشريف من جهة الترخيص للحجاج المصريين بالسفر إلى الحجاز، فرأى فضيلته أنه يجوز للحكومة والحالة هذه إعطاء النصائح الكافية للحجاج المصريين بتأجيل حجهم للعام المقبل مثلًا حتى تزول الأخطار ويتوفر أمن الطريق الذي لا بد منه في وجوب الحج. وحيث إن الأسباب التي انبنى عليها هذا الرأي ما زالت موجودة بل زادت خطورة بدخول تركيا في الحرب، وقد آن موسم الحج الذي فيه تصدر وزارة الداخلية منشورها السنوي الخاص بسفر الحجاج المصريين؛ لذلك رأينا لزوم الاستمداد برأي فضيلتكم فيما يوافق الشرع الشريف في هذا الشأن.
ما المقصود من قوله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ [الحج: 125]؟