ما حكم إطعام غير المسلم من لحم الأضحية؟ حيث اعتاد والدي كل عام في عيد الأضحى أن يهدي جارنا غير المسلم شيئًا من لحم الأضحية، وظل على ذلك إلى وقتنا الحالي، ثم اعترض عليه بعض الناس بعدم جواز إطعام غير المسلمين من الأضحية. فما حكم الشرع في هذه المسألة؟
إطعام غير المسلم من لحم الأضحية هو أمر مشروع على وجه الاستحباب؛ لأنه من البر الذي أمر به الشرع ورغَّبَ فيه ودعا إليه، وهو حقٌّ من حقوق الجار على جاره، والاستمرار على فعل ذلك والمداومة عليه يورث بينكم التآلف والصفاء وإرساء روابط التآخي والتعاون، وبث روح الوطنية والتكاتف، وحسن العشرة والجيرة وتقوية الروابط الإنسانية وزيادة الألفة والمحبة.
وقد حثَّ الشرع على كل عمل أخلاقي يوطد العلاقات بين الناس بعضهم البعض، وينشئ بينهم روح التعايش والتعاون والمحبة والمؤازرة في وجوه الخير المختلفة، والترغيب في التزاورِ والتوادِّ والتهادي بينهم، من غير نظرٍ إلى دين أو جنس أو لون، وإهداء غير المسلم وبره وإطعامه هو أمر مشروع ثبتت مشروعيته بعموم نصوص الكتاب والسنة المشرفة، واشتهر به الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ونصَّ عليه العلماء المعتبَرون.
المحتويات
الأضحية هي: اسم لما يذبح من الإبل والبقر والغنم، يوم النحر وأيام التشريق، تقربًا إلى الله تعالى، والأصل في مشروعيتها: قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 1-2]، وما رواه الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِكبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا".
والأضحية سنةٌ مؤكدةٌ في حق كل مسلم قادر موسر، وهذا ما عليه الفتوى، وهو الراجح من أقوال الفقهاءِ ومذهب جماعةٍ من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
قال الإمام النووي في "المجموع" (8/ 385، ط. دار الفكر) في بيان أحكام الأضحية: [مذهبنا: أنها سنة مؤكدة في حق الموسر ولا تجب عليه، وبهذا قال أكثر العلماء، وممن قال به: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وبلال وأبو مسعود البدري رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن المنذر، وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنًى، وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة: أنه إنما يوجبها على مقيمٍ يملك نصابًا.. وأما الجواب عن دلائلهم؛ فما كان منها ضعيفًا: لا حجة فيه، وما كان صحيحًا: فمحمول على الاستحباب؛ جمعًا بين الأدلة] اهـ.
من السنة أن يأكل المضحي من أضحيته، ويطعم أهله ومعارفه، ويهدي أقاربه وجيرانه منها، ويدخر لنفسه وعياله إن شاء؛ فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا» أخرجه البخاري في "الصحيح" واللفظ له، وأخرجه الترمذي في "السنن" من حديث بُريدة رضي الله عنه وقال: "حديث بريدة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم".
هذا، وقد نص على جواز الأكل والإطعام والادخار من الأضحية أئمة المذاهب المعتبرة؛ كما في "تكملة البحر الرائق" للعلامة الطوري الحنفي (8/ 203، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"الفواكه الدواني" للعلامة النفراوي المالكي (1/ 383، ط. دار الفكر)، و"الحاوي الكبير" للإمام الماوردي الشافعي (15/ 75، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للعلامة البهوتي الحنبلي (3/ 22، ط. دار الكتب العلمية).
نص جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على مشروعية إطعام غير المسلم من الأضحية وإهدائه شيئًا من لحمها؛ وهو المروي عن الحسن البصري، وأبي ثور؛ كما في "المحيط البرهاني" للعلامة ابن مازه الحنفي (6/ 94، ط. دار الكتب العلمية)، و"الفتاوى الهندية على مذهب الحنفية" (5/ 300، ط. دار الفكر)، و"الذخيرة" للإمام القرافي المالكي (3/ 369، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"المختصر الفقهي" للإمام ابن عرفة المالكي (2/ 357، ط. مؤسسة خلف)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (8/ 425، ط. دار الفكر)، و"الغرر البهية" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي (15/ 17، ط. المطبعة الميمنية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (9/ 450، ط. مكتبة القاهرة)، و"معونة أولي النهى شرح المنتهى" للعلامة ابن النجار الحنبلي (4/ 303، ط. مكتبة الأسدي).
ومشروعية إطعام غير المسلم من الأضحية أو إهدائه بعض لحمها هو المتفق مع ما قررته الشريعة الإسلامية وجاءت به ودعت إليه؛ إذ إنَّها دعت إلى الرحمة والبر والصلة، فأَمَرَت بالإحسان إلى الإنسان، وسعت إلى تقوية الروابط الإنسانية والاجتماعية بين المسلم وغير المسلم، ودعم التكافل بين الناس كافة لا بين المسلمين خاصة، وحثت على كل عمل أخلاقي يوطد العلاقات بين الناس بعضهم البعض، وينشئ بينهم روح التعايش والتعاون والمحبة والمؤازرة في وجوه الخير المختلفة، والترغيب في التزاورِ والتوادِ والتهادي بين جميع الناس، من غير نظر إلى دين أو جنس أو لون، وأخبرنا سبحانه وتعالى بأنه لا ينهانا عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم.. وما إلى ذلك من أشكال البر بهم، بل يأمرنا بذلك كله ويرغِّبنا في امتثاله؛ فقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9]، فهذه الآية تضع أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم أيًّا ما كانت أديانهم؛ فترسخ مبدأ العدل والإنصاف والمعاملة بالمثل، وتجعل ذلك سمة أساسية للتعامل مع المسلم وغير المسلم، وتدعو إلى البِرّ الذي هو "الاتِّساعُ في الإحسان، والزّيادةُ فيه"؛ كما قال الإمام الأزهري في "تهذيب اللغة" (15/ 138، ط. دار إحياء التراث العربي)، وتُرغِّب في بذل الهدية وغيرها لهم؛ كما في "الكوثر الجاري" للعلامة الكوراني (15/ 241، ط. دار إحياء التراث العربي).
قال الحافظ ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (4/ 448، ط. دار الوطن): [قال المفسرون: هذه الآية رخصةٌ في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وجوائزهم] اهـ.
قد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية من غير المسلمين؛ فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أَهْدَى كِسْرَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ مِنْهُ، وَأهْدَى لَهُ قَيْصَرُ فَقَبِلَ، وَأَهْدَتْ لَهُ الْمُلُوكُ فَقَبِلَ مِنْهَا" أخرجه الإمام أحمد -واللفظ له- والبزار في "المسند"، والترمذي في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ -أحد نصارى العرب- أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً" أخرجه مسلم في "الصحيح". وأحاديث هذا الباب كثيرة يغني ما ذكرناه منها عن حصر باقيها.
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقابل الهدية بأحسن منها ويَجزي بخير منها؛ امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86]؛ يعني: إذا أُهْدِيَ إليكم بهدية؛ فكافئوا بأفضل منها أو مثلها، وهذا التأويل ذُكِر عن أبي حنيفة؛ كما قال الإمام السمرقندي في "بحر العلوم" (1/ 373، ط. دار الكتب العلمية).
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا" أخرجه البخاري في "الصحيح".
وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ صَاحِبِ أَيْلَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا" متفق عليه واللفظ لمسلم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على يهودي، وعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قميصان، فقال اليهودي: يا أبا القاسم، اكسُني، فخلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضلَ القميصين، فكساه، فقلت: يا رسول الله، لو كسوته الذي هو دون! فقال: «لَيْسَ تَدْرِي يَا عُمَرُ أَنَّ دِينَنَا الْحَنَفِيَّةُ السَّمْحَةُ لَا شُحَّ فِيهَا!» أخرجه الحافظ أبو نعيم في "حلية الأولياء".
كما تواردت النصوص في إهداء الصحابة رضي الله عنهم الهدايا لغير المسلمين؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حُلَّةً، فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا" متفق عليه.
وعن مجاهد أنه قال: ذبحت لعبد الله بن عمرو شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» أخرجه الترمذي وأبو داود في "السنن"، والبخاري في "الأدب المفرد"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، والحديث مروي عن جماعة من الصحابة؛ حتى قال الإمام الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، والمقداد بن الأسود، وعقبة بن عامر، وأبي شريح رضي الله عنهم أجمعين.
قد فهم العلماء من هذه الأحاديث ونحوها أن قبول هدية غير المسلم والمجازاة عليها ليست مشروعة فحسب؛ بل ذلك سُنَّةٌ مستحبة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام، وبابٌ مِن أعظم أبواب الخير، ومِن ردِّ الإحسان بالإحسان، ومقابلةِ البر بالبر، وتلقي العطاء بالعطاء، وخلقٌ محمود من جملة مكارم الأخلاق السمحة التي دعت إليها جميع الأديان السماوية ورغَّبَت فيها وحثت عليها، ثم جاء الإسلام فزينها وتمَّمها وحسَّنها؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
قال الإمام السرخسي في "شرح السير الكبير" (1/ 70، ط. دار الكتب العلمية): [صلة الرحم محمود عند كل عاقل وفي كل دين، والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»، فعرفنا أن ذلك حَسَنٌ في حق المسلمين والمشركين جميعًا] اهـ.
إذا ثبت جواز إهداء المسلم لغير المسلم من لحم الأضحية من حيث العموم، وأن ذلك من مكارم الأخلاق، فإن اختص غير المسلم بالجيرة كان له حق الجوار زيادة على ما أولته الشريعة الإسلامية من استحباب الإهداء له وإطعامه من الأضحية؛ كما سبق بيانه.
هذا؛ لأن الشريعة الإسلامية قد أوصت بالجار توصية أكيدة، وأوجبت له حقوقًا على جاره، ودعت إلى مشاركته في أفراحه، ومواساته في أتراحه، ومن جملة هذه الوصايا: إطعامه مما يأكل؛ لعموم الوصية به؛ لا فرق في ذلك بين الجار المسلم وغير المسلم؛ كما ظهر ذلك جليًّا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهَدْيِ الصحابة رضي الله عنهم، ولما سبق ذكره من حديث مجاهد: أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ذُبحت له شاةٌ في أهله، فلما جاء قال: "أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟
وفي رواية أنه قال: "يا غلَامُ، إِذَا فَرَغْتَ فَابْدَأْ بِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ" حتى قالها ثلاثًا. أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" و"الآداب".
وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: إِنَّ خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَوْصَانِي: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ، ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ».
وفي رواية عنه أيضًا أنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ» أخرجهما مسلم في "الصحيح".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» متفق عليه. وَهَذَا الحديث خرج مخرج الْمُبَالغَة فِي شدَّة حفظ حق الْجَار، واسمُ الْجَار يَشْمَل المسلم وغير المسلم، والعابد والفاسق، والصَّديق والعدُو، والغريب والبلدي، والنافع والضار، والقريب والأجنبي، والأقربَ دَارًا والأبعد؛ كما في "عمدة القاري" للإمام بدر الدين العيني (22/ 18، ط. دار إحياء التراث العربي).
بناءً على ذلك: فالأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو التعايش والتكامل والتعارف والتعاون فيما بينهم؛ لأن الدين الإسلامي هو دين الرحمة والبر والصلة، فأَمَرَ بالإحسان إلى الإنسان، لا فرق في ذلك بين مسلم وغيره، بل هو في حق غير المسلم آكد استحبابًا وأشد مشروعية، وسعي إلى تقوية الروابط الإنسانية والاجتماعية بين المسلم وغير المسلم ودعم التكافل بين الناس عامة لا بين المسلمين خاصة، كما حثَّ الشرع على كل عمل أخلاقي يوطد العلاقات بين الناس بعضهم البعض، وينشئ بينهم روح التعايش والتعاون والمحبة والمؤازرة في وجوه الخير المختلفة، والترغيب في التزاورِ والتوادِّ والتهادي بينهم، من غير نظر إلى دين أو جنس أو لون، وإهداء غير المسلم وبره وإطعامه هو أمر مشروع ثبتت مشروعيته بعموم نصوص الكتاب والسنة المشرفة، واشتهر به الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ونص عليه العلماء المعتبَرون.
وفي واقعة السؤال: فإن ما يقوم به والدك من إهداء جاركم غير المسلم من لحم الأضحية هو أمر مشروع على وجه الاستحباب؛ لأنه من البر الذي أمر به الشرع ورغَّبَ فيه ودعا إليه، وحق من حقوق الجار على جاره، وباستمرار فعله والمداومة عليه يورث بينكم التآلف والصفاء وإرساء روابط التآخي والتعاون، وبث روح الوطنية والتكاتف، وحسن العشرة والجيرة وتقوية الروابط الإنسانية وزيادة الألفة والمحبة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم ادعاء الكفر للضرورة؟ فأنا مسلم منذ ما يقارب العشر سنوات، وقد كنت أعيش في بلدي حياة مرفهة ومريحة بحكم عملي كرجل أعمال رصيدي يقدر بـ 3.4 مليون دولار أمريكي، وأمتلك منزلًا كنت أعيش فيه مع خطيبتي السابقة والتي تمتلك نصفه يقدر بـ 4.5 مليون دولار أمريكي، لكن حين أصبحت مسلمًا أصبحت الحياة صعبة بالنسبة لي في بلدي؛ لأن أسرتي وأصدقائي أخذوا بالضغط علي لأترك الإسلام وأعود للكنيسة، وعندما يئسوا مني تبرأت من أسرتي، وابتعدت عن أصدقائي، وكانت بيننا شراكة في العمل، وقد نقل والدي أموالي من حسابي في البنك إلى حساب آخر، وذلك بموجب توكيل قد أعطيته إياه خلال إحدى رحلات عملي، وكذلك رفضت خطيبتي السابقة بيع المنزل أو شراء حصتي فيه، وقد تركت بلدي منذ ما يقارب الست السنوات وذهبت إلى الكويت؛ لأتمكن من الصلاة وقراءة القرآن والذهاب إلى المسجد واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه كان من الصعب أن أقوم بهذه الشعائر في منزلي، وأنا الآن متزوج من سيدة كويتية ولي ابن يبلغ من العمر ثلاث سنوات، وخلال هذه الفترة كنت أحاول أن أمارس عملي كرجل أعمال، لكن للأسف هناك العديد من العراقيل، فالكثيرون كانوا يريدون رشوة لتسهيل حصولي على صفقات تجارية؛ ولعلمي أنها حرام لا أوافق، وأما بالنسبة لمعارفي في بلدي فوالدي يتحدث إليهم كلما أردت أن أعقد صفقات عمل معهم فيتراجعون عن العمل معي، وقد أصبحت حياتي صعبة جدًّا خصوصًا وأنا لدي عائلة لأعولها، وقد كثرت ديوننا لعدم تمكني من العمل، وأصبحت العلاقة متوترة بيني وبين زوجتي، وأنا الآن أعيش وحيدًا وزوجتي في منزل أسرتها إلى أن أجد حلًّا لهذه الحالة التي نعيشها.
وقد اتصلتُ بوالدي منذ عدة أيام لأطلب أموالي؛ لأتمكن من سداد ديوننا وشراء منزل للاحتفاظ بعائلتي ومزاولة عملي، ولكنه رفض، وقال إنه حذرني من المسلمين، وإنهم يقتلون بعضهم بعضًا ويقتلون الأمريكيين، إلى جانب أن الحكومة الأمريكية حاليًّا تترصد المسلمين وتراقبهم في المساجد، والكثيرون في أمريكا يكرهون التعامل مع المسلمين؛ وقال: إنه لكي أتمكن من استرداد أموالي علي أن أطلق زوجتي وأريه قسيمة الطلاق، ثم أعود للكنيسة وأنضم لمجموعة فري مايسون التي ينتمي إليها، وأعترف أمام الجميع أني كنت مخطئًا بخصوص الإسلام، وأن أتزوج خطيبتي السابقة.
ولقد أصبحت مسلمًا لما علمته من أخلاقيات الإسلام في القرآن الكريم والسنة، لكن للأسف لم أرَ في الدول المسلمة التي ذهبت إليها أي دليل على ذلك؛ فقد رأيت الكذب، والرشوة، وشرب الخمر، وطعن الأصدقاء من الخلف، وبدأت أعتقد أن هذه الأخلاقيات كانت موجودة أيام الرسول والصحابة فقط، وقد قرأت أن المصاعب تزيد المسلم إيمانًا لكن للأسف إيماني في تناقص. فهل يستطيع المسلم الانضمام لمجموعة بطريقة سرية مثل الفري مايسون على أن يكون داخله مسلمًا؟ وللعلم فإن والدي وإخوته وأولادهم وعائلة خطيبتي يتبعون هذه المجموعة، ويَتَبَوَّءون فيها مراكز عالية.
وكما سبق أن ذكرت فإن لدي منزلًا ترفض خطيبتي السابقة بيعه أو شراء حصتي فيه، فهل أستطيع السكن فيه واستخدام غرف منفصلة عنها؟ وهل باستطاعتي التحايل على والدي وادعاء الرجوع للكنيسة والزواج من خطيبتي السابقة للحصول على أموالي، ثم العودة مرة أخرى إلى الكويت لزوجتي وابني؟ مع العلم بأنه مجرد ادعاء ولا يزال الإسلام في قلبي.
يتعذَّر علينا تحديد سن الأُضحية، علمًا بأننا نقوم بشراء العجول من الجاموس والبقر بأوزان تتراوح بين 350 كجم إلى 400 كجم، وعند سؤال التُجَّار عن ذلك أجابوا بأنَّ العجل يزيد بناءً على كمية الأكل والاهتمام به، فهل التضحية بهذه الهيئة جائزٌة شرعًا؟ نرجو منكم التفضل بالإفادة عن مدى صحة ذلك.
ما هو فضل إطعام الطعام للناس جميعًا؟ حيث أن عندي مال والحمد لله، وأريد أن أفعل الخير؛ فأرشدني بعض الناس إلى أنَّ من أفضل أنواع الخير إطعام الطعام؛ فهل هذا صحيح؟ وهل إطعام الطعام يكون مختصًّا بالمسلم فقط؟
ما الحكم في رجل أحدث بابًا في حائط منزل مشترك بينه وبين شركاء آخرين مع وجود الباب الأصلي للمنزل المذكور، وذلك من غير رضاء الشركاء ولا إرادتهم، فهل له إحداث الباب المذكور أو ليس له ذلك ويؤمر بسد الباب الذي أحدثه وإعادة جدار المنزل إلى الحالة التي كان عليها؟ مع العلم بأن هذا الحائط يحمل فوقه أخشاب سقف الطبقة الأولى وما يليها من طبقات المنزل المذكور.
وإذا أحدث أحد الشركاء طاقة -أي شباكًا- في منزل مشترك؛ لأجل الضوء والهواء، وذلك في حال حياة شريكه وبعلمه ورضاه، ثم مات هذا الشريك، فهل لوارثه الحق في طلب سد الشباك المذكور أو ليس له ذلك؟ مع العلم بأن هذا الشباك ليس مشرفًا على موضع نساء ولا على ساحة جار، وإنما يشرف على طريق.
أفيدونا بالجواب عن الحكم الشرعي في هاتين المسألتين، ولكم الثواب.
نرجو منكم بيان كيف حث الشرع الشريف على مراعاة الإحسان في المعاملة بين الزوجين.