حكم الجمع في النية بين صوم القضاء وصيام يوم عاشوراء

حكم الجمع في النية بين صوم القضاء وصيام يوم عاشوراء

سائل يقول: امرأةٌ عليها أيامٌ مِن رمضان تَقضيها، ودخل عليها شهر الله المحرَّم، فهل يجوز لها أن تجمع في الصوم بين نية قضاء ما عليها مِن رمضان ونية صوم يومَي تاسوعاء وعاشوراء، أو عاشوراء والحادي عشر مِن شهر الله المُحرَّم؟

يجوز الجمع في الصوم بين نيَّة قضاء الصوم، ونيَّة صوم التطوُّع، ويُعدُّ صحيحٌ شرعًا، ويحصل للصائم أصل ثوابهما معًا، كما هو مذهب المالكية والشافعية، إلا أن الأَكْمَلَ للثواب والأَعْظَمَ في الأجر أنْ يُفْرَدَ صومُ القضاء عن صوم التطوُّع.

التفاصيل ....

المحتويات

 

حكم صيام يوم عاشوراء

يوم عاشوراء يومٌ من أيام الله، نَجَّى اللهُ فيه سيدَنا موسى عليه السلام ومَن مَعَهُ مِن بطش عدُوِّهم؛ قال تعالى: ﴿يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ﴾ [طه: 80].

وصيامُ هذا اليوم سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ مُتَّبَعَةٌ؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. متفق عليه.

حكم صيام يوم عاشوراء مع يوم قبله أو بعده

وصيام يوم عاشوراء مشفوعًا بصيام يومٍ قَبْلَهُ أو يومٍ بَعْدَهُ أمرٌ مَسْنُونٌ؛ لِعَزْمِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه وترغيبه فيه، كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»، قَالَ ابن عباس رضي الله عنهما: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

وعنه أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في صيام عاشوراء: «صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا» أخرجه الأئمة: أحمد والبَزَّار في "المسند"، وابن خزيمة في "الصحيح".

وفي روايةٍ أخرجها الإمام البيهقي في "شعب الإيمان" أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَئِنْ بَقِيتُ لَأَمَرْتُ بِصِيَامِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، يَعْنِي: يَوْمَ عَاشُورَاءَ».

فضل صيام يوم عاشوراء

صيام يوم عاشوراء فيه نفحةٌ ربانيةٌ، حيث يُكفِّر ذنوب سَنَةٍ قَبْلَه؛ فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

الجمع بين نية صيام القضاء ونية صيام عاشوراء

وقد اختلف الفقهاء في مشروعية الجمع بين نِيَّة قضاءِ صوم رمضان، ونِيَّة التطوع بصيام عاشوراء وما يُشفَع به مِن تاسوعاء أو الحادي عشر مِن شهر الله المُحرَّم -كما هي مسألتنا-، وذلك بناءً على اختلافهم في صِحَّةِ التشريك في نيَّة العبادة، وذلك بـ"أن ينوي مع العبادة المفروضة عبادةً أخرى مندوبة"؛ كما في "الأشباه والنظائر" لجلال الدين السيوطي (ص: 21-22، ط. دار الكتب العلمية).

والمختار للفتوى: أنَّ الجمع بين النِّيَّتَيْن في هذه الحالة جائزٌ شرعًا، ومجزئٌ عن الصوم الواجب (قضاء صوم رمضان) وصوم التطوُّع (تاسوعاء وعاشوراء والحادي عشر)، وهو مذهب المالكية والشافعية، بل نصَّ بعضُهم على أن المكلَّف متى صام في الأيام التي يُستَحَب التطوُّع بصومها كعاشوراء -سواء فَعَل ذلك بنية الصوم الواجب فقط، أو بنيةٍ مطلقةٍ مِن غير تعيين نية الصوم المستحَب- حَصَل له ثواب تَطَوُّعِهَا ولو لَم يَنْوِهَا.

قال العلامة الدُّسُوقِي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 133، ط. دار الفكر): [واعلم أنه يؤخَذ مِن هذه المسألة صحَّةُ نِيَّةِ صوم عاشوراء للفضيلة والقضاء، ومَالَ إليه ابنُ عرفة] اهـ. ومثله عن العلامة أحمد الصَّاوِي المالكي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 175، ط. دار المعارف).

وقال العلامة العدوي المالكي في "حاشيته على شرح الخَرَشِي على مختصر خليل" (2/ 241، ط. دار الفكر): [قال البدر: انظر لو صام يوم عرفة عن قضاء عليه، ونوى به القضاء وعرفة معًا، فالظاهر أنه يجزئ عنهما معًا، قياسًا على مَن نوى بغُسله الجنابةَ والجمعةَ فإنه يجزئ عنهما معًا، وقياسًا على مَن صلَّى الفرض ونَوَى التحيةَ، وانظر النَّقْلَ في المسألة، وكذلك يُقال في عاشوراء وتاسوعاء ونحوهما، تأمل] اهـ.

وقال شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 150-151، ط. دار الكتب العلمية): [(ويجب) في النية (التعيين في الفرض).. احترز بالفرض عن النفل فإنه يصح بنيةٍ مطلَقةٍ. فإن قيل: قال في "المجموع": هكذا أطلَقَه الأصحابُ، وينبغي اشتراطُ التعيين في الصوم الراتب كعرفة، وعاشوراء، وأيام البِيض، وسِتَّةٍ مِن شوال، كرواتب الصلاة. أجيب: بأن الصوم في الأيام المذكورة منصرفٌ إليها، بل لو نَوَى به غيرَها حَصَل أيضًا كتحية المسجد؛ لأنَّ المقصودَ وجودُ صومها] اهـ.

وقال شمس الدين الرَّمْلِي الشافعي في "نهاية المحتاج" (3/ 208-209، ط. دار الفكر): [ولو صام في شوال قضاءً، أو نذرًا، أو غيرهما، أو في نحو يوم عاشوراء، حصل له ثوابُ تَطَوُّعِهَا، كما أفتى به الوالدُ رحمه الله تعالى تبعًا لِلبَارِزِيِّ، وَالأُصْفُونِيِّ، وَالنَّاشِرِيِّ، والفقيه علي بن صالحٍ الحَضْرَمِيِّ، وغيرهم] اهـ. ونقله عنه العلامة عبد الحميد الشَّرْوَانِيِّ في "حاشيته على تحفة المحتاج" (3/ 457، ط. المكتبة التجارية الكبرى).

ومع ذلك، فإنَّ الأَعْظَمَ أجرًا، والأَكْمَلَ ثوابًا، والأَتَمَّ عَمَلًا: أن يصوم المكَلَّف أيام القضاء التي عليه في غير أيام تطوُّعه، سواء بصيام يوم عاشوراء أو غيره من صيام التطوُّع؛ لأن الحاصل بالجمع بين النِّيَّتَيْن هو أصل الثواب، و"لَا يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ الْكَامِلُ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ"؛ كما قال شمس الدين الرَّمْلِي في "نهاية المحتاج" (3/ 208).

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإن الجمع في الصوم بين نيَّة قضاء الصوم، ونيَّة صوم التطوُّع، صحيحٌ وجائزٌ شرعًا، ويحصل للصائم أصل ثوابهما معًا، كما هو مذهب المالكية والشافعية، إلا أن الأَكْمَلَ للثواب والأَعْظَمَ في الأجر أنْ يُفْرَدَ صومُ القضاء عن صوم التطوُّع.

وفي واقعة السؤال: يجوز للمرأة المذكورة أن تجمع في صومها بين نية قضاء ما عليها مِن رمضان، ونية صوم تاسوعاء وعاشوراء، أو عاشوراء والحادي عشر مِن شهر الله المُحرَّم، ويكون صومُها هذا مجزئًا لها عن قضاء الصومِ الواجب عليها وصومِ التطوُّع معًا، والأَكمَلُ للثواب أن تصوم كلًّا على حِدَةٍ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا