حكم حمل الناس في سيارة لزيارة قبر السيدة آمنة وأخذ الأجرة على ذلك

حكم حمل الناس في سيارة لزيارة قبر السيدة آمنة وأخذ الأجرة على ذلك

ما حكم حمل الناس في سيارة لزيارة قبر السيدة آمنة وأخذ الأجرة على ذلك؟ حيث إن زوجي يملك سيارة أجرة، ويقوم بحمل الزوَّار لزيارة قبر السيدة آمنة بنت وهب أم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويأخذ مقابل ذلك أجرة مالية يشترطها قبل إركاب الزائرين والحجاج والعمَّار معه، أو يتفق مع المسؤول عن حَمْلَةِ من يقومون بالمناسك على ذلك، فهل عمله ذلك جائز شرعًا؟ وهل ما يأخذه من أجرة تجوز له؟

زيارة قبر السيدة آمنة بنت وهب أُمِّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم القربات، وآكد المستحبات، وما يقوم به زوجُكِ من حمل الزوَّار لزيارة قبرها المنيف في سيارة الأجرة خاصته، وأخذه أجرًا على ذلك جائز شرعًا، بل إن له مزيد ثواب لمساعدة الزوار على ذلك.

التفاصيل ....

المحتويات

 

القول بإيمان السيدة آمنة أم النبي عليه السلام

من المقرر شرعًا أن كل ما ينتفع به الإنسان مع بقاء عينه تجوز الإجارة عليه؛ إذ حاجة الناس إلى المنافع التي لا قدرة لهم على شرائها متحققة كحاجتهم إلى الأعيان، وبخصوص الجواب على محل السؤال، فلا بد من بيان أمرين:

الأول: مشروعية زيارة قبر السيدة آمنة بنت وهب أُمِّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لئلا يُتَوَهَّمَ منعه، فيمتنع عن حمل الزوار له.

الثاني: حكم إجارة السيارة، وأخذه الأجرة على ذلك.

أما الأمر الأول؛ فقد أَوْلت الشريعة الإسلامية مزيد شرف ورعاية، وعظيم اعتناء واصطفاء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجميع آله وأصحابه، وأوْلى الآل بذلك والِدَا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين؛ لأن شرفَهما شرفٌ نبوي، ولنور النبوة مُستودَعَيْن، ولأن لفظ الآل يدل في اللغة على المآل، سواء في البدء والمنتهى؛ بحيث يشمل مَن يؤول إليهم المرء ويؤولون إليه؛ كما في "مقاييس اللغة" لابن فارس (1/ 160، ط. دار الفكر).

فصار أحقُّ مَن يوصف بهذا المعنى مَن آلُوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن أهل العباء، ومَن آل إليهم من الأمهات والآباء، فتكون السيدة آمنة بنت وهب من آله لغةً؛ لأنه يؤول إليها نسبًا، بل هو بُضعتها، وشرعًا لكونها من بني عبد مناف، وقد ذكر غيرُ واحدٍ من الفقهاء أن آل بيت النبي هم بنو عبد مناف؛ كما في "مسائل ابن رشد" (1/ 332-336، ط. دار الجيل).

والسيدة آمنة بنت وهب أمُّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المحكوم بنجاتهم واصطفائهم، وهذا كله يُثبت إيمانهم، وقد أفرد في الترجمة لها والتعريف بمناقبها وفضائلها علماء الأمة ومحققوها المؤلفات والرسائل الخاصة، منها: "الثغور الباسمة في مناقب السيدة آمنة"، و"الفوائد الكامنة في إيمان السيدة آمنة" للإمام السيوطي، و"البهجة السنية في بعض فضايل السيدة آمنة القرشية" للعلامة يحيى بن محمد العطار (كان حيًّا 1243هـ).. وغير ذلك من المؤلفات قديمًا وحديثًا.

ومن الأدلة على ذلك:

قول الله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: 219]، وقوله تعالى: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: 59].

قال أبو بكر الآجُرِّيُّ في "الشريعة" (1/ 1417، ط. دار الوطن): [باب ذكر قول الله عز وجل: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: 219] قال محمد بن الحسين رحمه الله: اعلموا رحمنا الله وإياكم أن النكاح كان في الجاهلية على أنواع غير محمودة إلا نكاحًا واحدًا نكاح صحيح، وهو: هذا النكاح الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمته، يخطب الرجل إلى الرجل وليته فيزوجه على الصداق وبالشهود، فرفع الله عز وجل قدر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وصانه عن نكاح الجاهلية، ونقله في الأصلاب الطاهرات بالنكاح الصحيح، من لدن آدم،  بنقله في أصلاب الأنبياء، وأولاد الأنبياء، حتى أخرجه بالنكاح الصحيح صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

وقال الإمام الماوردي في "أعلام النبوة" (ص: 201، ط. دار الهلال): [وأما طهارة مولده؛ فإن الله تعالى استخلص رسوله من أطيب المناكح، وحماه من دنس الفواحش، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة، وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تأويل قول الله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ أي: تَقَلُّبَكَ من أصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلتك نبيًّا، وقد كان نور النبوة في آبائه ظاهرًا] اهـ.

وقال الإمام إبراهيم البيجوري في "تحفة المريد" (ص: 68، ط. دار السلام): [جميع آبائه وأمهاته صلى الله عليه وآله وسلم ناجون، ومحكوم بإيمانهم، لم يدخلهم كفر ولا رجس ولا عيب ولا شيء مما كان عليه الجاهلية؛ بأدلة نقلية؛ كقوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمْ أَزَلْ أَنْتَقِلُ مِن الْأَصْلَابِ الطَّاهِرَاتِ إِلَى الْأَرْحَامِ الزَّاكِيَاتِ»، وغير ذلك من الأحاديث البالغة مبلغ التواتر] اهـ.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطب رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارٍ، وَمَا افْتَرَقَ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ إِلَّا جَعَلَنِي اللهُ فِي الْخَيْرِ مِنْهُمَا، حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ نِكَاحٍ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنْ سِفَاحٍ، مِنْ لَدُنْ آدَمَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي وَأُمِّي، فَأَنَا خَيْرُكُمْ نَسَبًا وَخَيْرُكُمْ أَبًا»، أخرجه الحاكم في "المعرفة" وجزم به واحتج.

ما ورد في السنة بخصوص زيارة قبر السيدة آمنة وأقوال الفقهاء في ذلك

زيارة قبر السيدة آمنة بنت وهب قد وردت بخصوصه السُّنَّة العملية التي يظهر منها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خصَّ قبرها بالزيارة والصِّلَة لمكانها منه، وتعليمًا منه للأمة حقوقَ الوالدين والأقارب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار قبرَ أمه، فبَكَى وأبكى مَن حولَه، وأخبر أن الله تعالى أَذِنَ له في زيارتها، ثم قال: «فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ»" أخرجه الإمام مسلم.

وروى الإمام أحمد في "مسنده" عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَهُ قَرِيبٌ مِن أَلْفِ رَاكِبٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَفَدَاهُ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ؟ قَالَ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي فِي اسْتِغْفَارٍ لِأُمِّي، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنَ النَّارِ، وَإِنِّي كُنتُ نَهَيْتُكُمْ عَن ثَلَاثٍ: عَن زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا لِتُذَكِّرَكُمْ زِيَارَتُهَا خَيْرًا..»"، وأخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين"، وقال: [هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]، وأصله في "صحيح مسلم".

فدلَّ ذلك على أن زيارته داخلة في عموم زيارة القبور التي هي من السنن المستحبة؛ حيث أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا».

قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (2/ 242، ط. دار الفكر): [(قوله: وبزيارة القبور) أي: لا بأس بها، بل تندب كما في "البحر" عن "المجتبى"، فكان ينبغي التصريح به للأمر بها في الحديث المذكور كما في "الإمداد"، وتزار في كل أسبوع كما في "مختارات النوازل". قال: في "شرح لباب المناسك": "إلا أن الأفضل يوم الجمعة والسبت والإثنين والخميس، فقد قال محمد بن واسع: الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويومًا قبله ويومًا بعده، فتحصَّل أن يوم الجمعة أفضل"] اهـ.

وقال العلَّامة الدردير المالكي في "الشرح الكبير " (1/ 422، ط. دار الفكر): [وجاز (زيارة القبور) بل هي مندوبة (بلا حد) بيوم، أو وقت، أو في مقدار ما يمكث عندها، أو فيما يدعى به، أو الجميع، وينبغي مزيد الاعتبار حال الزيارة والاشتغال بالدعاء والتضرع، وعدم الأكل والشرب على القبور خصوصًا لأهل العلم والعبادة] اهـ.

وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 258، ط. دار الكتب العلمية): [ويستحب زيارة القبور؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه فبكى وأبكى مَن حوله ثم قال: «إِنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، واسْتَأْذَنْتُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ المَوْتَ»"] اهـ.

وقال شمس الدين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير" (2/ 426، ط. دار الكتاب العربي): [(ويستحب للرجال زيارة القبور، وهل يكره للنساء؟ على روايتين) لا نعلم خلافًا بين أهل العلم في استحباب زيارة الرجالِ القبورَ] اهـ.

وقال برهان الدين ابن مفلح في "المبدع" (2/ 283-284، ط. دار الكتب العلمية): [فصل (يستحب للرجال زيارة القبور) نصَّ عليه، وحكاه النووي إجماعًا؛ لقوله عليه السلام: «كُنتُ نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا» رواه مسلم والترمذي، وزاد: «فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ» وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبر أمه فبكى، وأبكى مَن حوله، وقال: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ».. وعنه: لا بأس به، وقاله الخرقي وغيرُه، وأخذ منه جماعة الإباحة؛ لأنه الغالب في الأمر بعد الحظر، لا سيما وقد قرنه بما هو مباح، وفي "الرعاية": يكره الإكثار منه، وفيه نظر] اهـ.

توجيه عدم الإذن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاستغفار لأمِّه

لا يفوتنا أن نؤكد في هذا المقام على أن القول بنجاة الأبوين الكريمين هو المستقر؛ سواءٌ قلنا بحصول الإحياء لهما أو أنهما من أهل الفترة، وعليه لا يُعكر على ذلك حديث النهي عن الاستغفار لهما؛ لأنه كان متقدِّمًا على الإحياء، وهو مُتَأَخِّرٌ عن النَّهي، فكان حُكمُه ناسِخًا لحُكم النَّهي.

قال الإمام القُرطُبِي فيما نَقَلَه عنه الحافظ السيوطي في "الحاوي" (2 /278، ط. دار الفكر): [لا تَعارُضَ بين حديثِ الإحياء وحديثِ النَّهيِ عن الاستِغفار؛ فإنَّ إحياءَهُما مُتَأَخِّرٌ عن النَّهيِ عن الاستِغفار لهما؛ بدَليل حديث عائشة أنَّ ذلك كان في حجة الوَداع؛ ولذلك جَعلَه ابنُ شاهين ناسِخًا لِمَا ذُكِرَ مِن الأخبار] اهـ.

وهناك توجيهٌ وجيهٌ آخر لمعنى عدم الإذن له صلى الله عليه وآله وسلم في الاستغفار لأمِّه عليها الصلاة والسلام ذكره العلماء، ومفاده: أنَّ الاستغفارَ فرعُ المؤاخذة على الذنب، ومَن كان مِن أهل الفترة ولم تبلغه الدعوة لا يُؤاخَذ على ذنبه، فلا حاجة إلى الاستغفار لها، فقولُ مَن قال إن عدم الإذن في الاستغفار لعدم إيمانها: غير سديد. اهـ. يُنظر: "المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود" للشيخ محمود خطَّاب السبكي (9/ 93، ط. مؤسسة التاريخ العربي).

لذا فقد اخْتُصَّ قبر السيدة آمنة بمزيد فضل وعظيم شأن؛ لكونها من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتكون زيارتها من البر والصلة والمودة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ الصلة لا تنقطع بالموت، مما يجعل زيارة قبر السيدة آمنة من أقرب القربات وآكد المستحبات؛ بل ويكفينا في فعل ذلك اتباع المصطفى الكريم في زيارته لقبر أمه عليهما السلام، ووصيته لأمته بآل بيته.

قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23].

عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ الله، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ! أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ الله، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ الله وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ الله وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي؛ أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي»" أخرجهما الإمام مسلم في "صحيحه".

ويزيد على ذلك: أنه لما ثبت وصف أمهات المؤمنين لزوجات رسولنا الأمين؛ لأنه مِنَّا بمنزلة الوالد لولده، صارت زوجاته مِنَّا بمنزلة الأمهات؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6]، كان ثبوت هذا الوصف للسيدة آمنة آكد وأوْلى؛ لأن أمومتها حقيقية، لا بواسطة عُرى الزوجية، والنسب أقوى من الصهرية، فصارت زيارة قبرها آكدة من جهة كونها أمًّا للمؤمنين، ومن جهة مزيد فضلها لكونها أم الرسول الأمين.

قال الله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: 6].

فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي" أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

حكم حمل الناس في سيارة لزيارة قبر السيدة آمنة وأخذ الأجرة على ذلك

أما الأمر الثاني؛ حمل زوار القبور -ومنها مسألتنا- في سيارة الأجرة، وأخذ المال كأجرة على ذلك، جائز شرعًا؛ إذ الإجارة جائزة عند عامة العلماء ما دامت المنفعة مقصودة والأجرة معلومة.

قال الله تعالى على لسان سيدنا موسى عليه السلام: ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: 77]، وقال تعالى على لسان ابنة سيدنا شعيب عليه السلام: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26].

عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: "اسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ" أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَن يَجِفَّ عَرَقُهُ» أخرجه ابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والطبراني في "الصغير".

قال الإمام أبو الحسن ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 161، ط. الفاروق): [أجمع كلُّ مَن يحفظ عنه مِن أهل العلم أن إجارة المنازل والدواب إذا بيَّنَا الوقت والأجر، وكانا عالمين بالذي عقدا عليه الإجارة، وبيَّنَا مَن يسكن الدار ويركب الدابة وما يحمل عليها جائز] اهـ.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فزيارة قبر السيدة آمنة بنت وهب أُمِّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم القربات، وآكد المستحبات، وما يقوم به زوجُكِ من حمل الزوَّار لزيارة قبرها المنيف في سيارة الأجرة خاصته، وأخذه أجرًا على ذلك جائز شرعًا، بل إن له مزيد ثواب لمساعدة الزوار على ذلك.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

اقرأ أيضا