ما حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة تجاعيد؛ فزوجتي تعاني من ترهل شديد بجلد وجهها لتقدمها في السِّن ومن آثار الحمل والولادة، وهذا كثيرًا ما يضايقها نفسيًّا ويجعلها تلح في عمل عملية لشد هذه الترهلات، وقد سمعت أن هذه العملية ممنوعة؛ لأنها من تغيير خلق الله تعالى، فأرجو الإفادة عن الرأي الشرعي في ذلك.
حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد
لا مانع شرعًا من إجراء عملية شد الوجه لمعالجة ما يصيبه من تجاعيد وترهلات إذا قرَّر الطبيب المختص أنها لا ينفعها غيرُ هذه الوسيلة وحدَها.
ولا يتوهم بأن هذا الفعل يدخل في عموم النهي عن تغيير خلق الله؛ فإنه لا يدل على المنع في مسألتنا، ووجه ذلك: أنه على فرض أن المراد هو تغيير الأحوال الظاهرة فإن المنهي عنه هو العدول عن صفة الخِلْقة أو صورتها التي تعرف بها بالإزالة أو التبديل.
وشد الوجه لا تغيير فيه للصورة أو الصفة بل هو نفس الوجه والصورة؛ فغاية الأمر هو إعادة الوجه للأمر الذي كان عليه مِن صورته التي هو عليها دون تغيير أو تبديل لصورته الأولى، فتغيير صورة الشيء إنما يكون بإزالته وتبديله لا بترميمه وتجميله!
التفاصيل ....المحتويات
- مراعاة الشريعة الإسلامية للأمور الفطرية للنفس الإنسانية
- تصور عملية شد الوجه
- حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد
- مشروعية إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد الناتجة عن أسباب مرضية
- الرد على من يتوهم أن شد الوجه لإزالة التجاعيد فيه تغيير لخلق الله
- ضابط التغيير لخلق الله المنهي عنه
- الخلاصة
مراعاة الشريعة الإسلامية للأمور الفطرية للنفس الإنسانية
راعت الشريعة الإسلامية ما فُطِرت عليه النفس الإنسانية من ميول ورغبات، فجعلت سدَّ حاجات الإنسان فيما جُبِلتْ عليه نفسه من المقاصد الشرعية التي تحثه على السعي في تحصيلها دون إفراطٍ أو تفريط؛ قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
ومن الأمور التي فُطِرَت عليها النساء حبُّ الزينة، فشَرع لهنَّ لأجل ذلك من وسائلها ما لم يُشرع للرجال كالحرير والذهب، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 18].
قال العلامة الواحدي في "التفسير الوسيط" (4/ 67، ط. دار الكتب العلمية): [قال المبرد: تقدير الآية: أوتجعلون له ﴿مَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾؟ يعني: البنت تنبت في الزينة] اهـ.
تصور عملية شد الوجه
من المعلوم أن زينة الوجه من أوليات ما تتعلق به نفس المرأة ويشتد حرصها عليها، إلَّا أنه قد يطرأ عليها من مصادفات الحياة وأحداثها ما يؤثر على جمال وجهها ونضارة بشرته، ممَّا يجعلها في حاجة إلى استخدام الوسائل الطبية التي من شأنها إعادة المظهر الجمالي له إلى سابق طبعيته وعهده من خلال معالجة ما قد طرأ عليه من طيات أو انثناءات أو ترهلات أو تجاعيد أو نقصان مواد تؤثر على حيويته، وتتنوع تلك الوسائل إما باستخدام الطرق العلاجية المستخدمة على سطح البشرة كالكريمات والزيوت المخصصة لذلك، وإما باللجوء إلى إجراء عملية شد الوجه إن كانت حالة الوجه شديدة الترهل ولا تجدي معها العلاجات السطحية.
والأكثر شيوعًا في عمليات شد الوجه (Face lifting): قيام الأطباء المتخصصين بشد الأنسجة الرخوة في الوجه، بغرض تجديد نضارة بشرة الوجه وحيويته، مع تحفيز إنتاج مادة "الكولاجين"، وذلك من خلال طرقٍ وأساليبَ متعددةٍ؛ كالليزر، والحقن، والخيوط التجميلية؛ كما أفادت "الموسوعة الطبية الحديثة" (3/ 55، ط. مؤسسة سجل العرب).
حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد
المقاصد الباعثة لإجراء مثل هذه العمليات تدور حول إعادة المظهر الجمالي لوجه المرأة إلى أصل الِخلْقة الإنسانية الحسنة التي خلقها الله تعالى عليها، حيث قال عزَّ وجلَّ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4].
قال الإمام الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (10/ 32، ط. دار الكتب العلمية): [ومعنى ذلك: أن اللَّه تعالى خلق بني آدم على صورة لا يودّون أن يكون صورتهم مثل صورة غيرهم من الخلائق، فثبت أن صورتهم في المنظر أحسن صورة، فذلك معنى قوله تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾، واللَّه أعلم] اهـ.
وقال العلامة الخازن في "لباب التأويل" (4/ 302، ط. دار الكتب العلمية): ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ أي: إنه أتقن وأحكم صوركم على وجهٍ لا يوجد مثله في الحُسْن والمنظر من حُسْن القامة والمناسبة في الأعضاء، وقد عُلِم بهذا أن صورة الإنسان أحسن صورة وأكملها] اهـ.
فإجراء عملية شد الوجه للمرأة بعد إصابته بالتجعد أو الترهل أو تغيير لونه هو في حقيقته إعادة له إلى أصل صورته الحسنة التي خلقه الله تعالى، وداخلٌ في معاني ومقاصد ما كانت تفعله نساء الصحابة رضي الله عنهنَّ من اتخاذهنَّ الورس على وجوههنَّ لإزالة ما يطرأ عليها من تغيير للون البشرة بظهور البقع والكَلَف جراء الحمل والولادة.
فقد جاء عن أم المؤمنين السيدة أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: «كُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنَ الْكَلَفِ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
قال الشيخ زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (2/ 59، ط. دار الكتاب الإسلامي) في عيوب البيع: [(والكَلَف) بفتح الكاف واللام (المغير للبشرة)، قال في "الصحاح": الكَلَف شيء يعلو الوجه كالسمسم، والكلف لون بين السواد والحمرة وهي حمرة كدرة تعلو الوجه] اهـ.
وقال العلامة الزركشي الحنبلي في "شرحه على مختصر الخرقي" (1/ 442، ط. دار العبيكان): [(تنبيه): الورس نبت أصفر يصبغ به، ويتخذ منه غُمْرَةٌ للوجه، يُحَسِّن اللون، «والكلف» لون يعلو الوجه، يخالف لونه، يضرب إلى السواد والحمرة، والله أعلم] اهـ.
ويزداد الحث على فعل ذلك إن كان بقصد التجمل للزوج وطلب الحُسْن في نظره؛ لما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/ 2132، ط. دار الفكر): [(قال: التي تسره)؛ أي: زوجها، والمعنى تجعله مسرورًا (إذا نظر)؛ أي: إليها ورأى منها البشاشة وحسن الخلق ولطف المعاشرة، وإن اجتمعت الصورة والسيرة فهي سرور على سرور، ونور على نور] اهـ.
وقال الإمام المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير" (1/ 528، ط. مكتبة الإمام الشافعي): [(إذا نظر) إليها؛ لأن ذَات الجمال عون لَهُ على عِفَّته ودِينه] اهـ.
وعن بَكْرَة بنت عقبة: أنَّها دخلت على أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها وهي جالسةٌ في مُعَصْفَرَةٍ، فسألتها عن الْحِنَّاءِ؟ فقالت: "شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ". وسألتها عن الـحِفَافِ؟ فقالت لَها: "إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنَّ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي" أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".
وقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "أَنْ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا" نصٌّ في مشروعية استعانة المرأة بما من شأنه تجميل وجهها وتحسين هيئتها وإزالة ما قد لَحِقَ بها من أمور تؤثر في زينتها.
قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (20/ 193، ط. دار إحياء التراث العربي): [ولا يمنع من الأدوية التي تزيل الكلف وتُحَسِّن الوجه للزوج، وكذا أخذ الشعر منه، وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن قشر الوجه فقالت:.. إن كان شيء حدث فلا بأس بقشره] اهـ، وبمثله قال العلامة ابن الملقن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (25/ 45، ط. دار النوادر).
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (1/ 161، ط. مؤسسة الرسالة): [ويتوجه وجه إباحة تحمير ونقش وتطريفٍ بإذن زوج فقط] اهـ.
مشروعية إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد الناتجة عن أسباب مرضية
تتأكد هذه المشروعية إذا كان الباعث من وراء ذلك رفع آثار المرض عن المرأة، لأنه يكون من قبيل التداوي حينئذٍ الذي تواردت النصوص على مشروعيته والندب إليه؛ فعن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطيرُ، فسَلَّمتُ ثم قعدتُ، فجاء الأعرابُ من هاهنا وهاهنا، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: «تَداوَوا؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يَضَع داءً إلَّا وَضَعَ له دَواءً غيرَ داءٍ واحِدٍ الهَرَمُ» أخرجه أبو داود والترمذي في "السنن".
وهذا الحديث جاء فيه الحث على التداوي مطلقًا غير مُقَيَّدٍ بقَيد، والقاعدة أن المطلق يجري على إطلاقه حتى يَرِد ما يقيده. ينظر: "اللمع في أصول الفقه" للشيرازي (ص: 43، ط. دار الكتب العلمية).
قال الإمام الخَطَّابي في "معالم السنن" (4/ 217، ط. المطبعة العلمية): [في هذا الحديث: إثبات الطبِّ والعلاجِ، وأنَّ التداويَ مباحٌ غير مكروهٍ] اهـ.
والحاصل في هذه العمليات بمجملها أنها وإن كانت تجميلية في ظاهرها إلَّا أنها تتضمن أغراضًا علاجية من إزالة العيوب التي قد تسبب للشخص أذًى نفسيًّا كان أو عضويًّا؛ وقد تقرر في القواعد: "الضرر يزال"؛ المأخوذ أصله من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه أحمد في "مسنده" وابن ماجه في "سننه".
الرد على من يتوهم أن شد الوجه لإزالة التجاعيد فيه تغيير لخلق الله
لا يتوهم بأن هذا الفعل يدخل في عموم النهي عن تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 119].
وذلك لاختلاف المفسرين في تفسير هذه الآية، هل المراد تغيير دين الله بتحليل الحرام وتحريم الحلال، أو المراد تغيير الأحوال التي تتعلق بالظاهر؛ كالوصل والوشم ونحو ذلك؛ كما في "مفاتيح الغيب" للإمام الرازي (11/ 223، ط. إحياء التراث).
إلا أن ذلك كله لا يدل على المنع في مسألتنا، ووجه ذلك: أنه على فرض أن المراد هو تغيير الأحوال الظاهرة فإن المنهي عنه هو العدول عن صفة الخِلْقة أو صورتها التي تعرف بها بالإزالة أو التبديل.
قال الإمام البيضاوي في "أسرار التنزيل" (2/ 98، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ عن وجهه وصورته أو صفته] اهـ.
وشد الوجه لا تغيير فيه للصورة أو الصفة بل هو نفس الوجه والصورة؛ فغاية الأمر هو إعادة الوجه للأمر الذي كان عليه مِن صورته التي هو عليها دون تغيير أو تبديل لصورته الأولى، فتغيير صورة الشيء إنما يكون بإزالته وتبديله لا بترميمه وتجميله!
ولا يصح أن تقاس هذه العملية في هذه الحالة على الوشم أو النمص والتفليج؛ إذ علة النهي عن تلك الأمور أنَّها من باب التدليس أو لأنه يتوصل بها إلى الفاحشة؛ كما في "مفاتيح الغيب" للإمام الرازي (11/ 223).
ضابط التغيير لخلق الله المنهي عنه
الضابط في تغيير خلق الله المنهي عنه، والذي نص عليه العلماء: أن يسبب ضررًا لفاعله، وأن يعمل في الجسد عملًا يُغير من خلقته تغييرًا دائمًا باقيًا، كالوشم وتفليج الأسنان ووشرها، أما إذا خلا من ذلك فلا يُعدّ تغييرًا لخلق الله.
قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (5/ 393، ط. دار الكتب المصرية): [فقيل: لأنها من باب التدليس، وقيل: من باب تغيير خلق الله تعالى، كما قال ابن مسعود، وهو أصح، وهو يتضمن المعنى الأول، ثم قيل: هذا المنهي عنه إنما هو فيما يكون باقيًا؛ لأنه من باب تغيير خلق الله تعالى، فأما ما لا يكون باقيًا كالكحل والتزين به للنساء، فقد أجاز العلماء ذلك] اهـ.
وقال الشيخ الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (5/ 205-206، ط. الدار التونسية): [وليس من تغيير خلق الله التصرف في المخلوقات بما أذن الله فيه ولا ما يدخل في معنى الحسن، فإن الختان من تغيير خلق الله، ولكنه لفوائد صحية، وكذلك حلق الشعر؛ لفائدة دفع بعض الأضرار، وتقليم الأظفار؛ لفائدة تيسير العمل بالأيدي، وكذلك ثقب الآذان للنساء لوضع الأقراط والتزين، وأما ما ورد في السُّنَّة من لعن الواصلات والمتنمصات والمتفلجات للحسن؛ فمما أشكل تأويله، وأحسب تأويله أن الغرض منه النهي عن سمات كانت تعد من سمات العواهر في ذلك العهد، أو من سمات المشركات، وإلا فلو فرضنا هذه منهيًّا عنها لما بلغ النهي إلى حدّ لعن فاعلات ذلك، وملاك الأمر أن تغيير خلق الله إنما يكون إثمًا إذا كان فيه حظٌّ من طاعة الشيطان، بأن يجعل علامة لنحلة شيطانية، كما هو سياق الآية واتصال الحديث بها] اهـ.
وينضاف إلى ذلك أن المحققين من العلماء قد أجازوا للمرأة أن تغير من خِلْقتها -استثناءً من الأصل- ما يحصل لها به الضرر وتتأذى منه؛ قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 377-378، ط. دار المعرفة): [قال الطبري: (لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادةٍ أو نقصٍ.. ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذيَّة.. فيجوز ذلك، والرجل في هذا الأخير كالمرأة)] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ذلك: فلا مانع شرعًا من إجراء عملية شد الوجه لمعالجة ما يصيبه من تجاعيد وترهلات إذا قرَّر الطبيب المختص أنها لا ينفعها غيرُ هذه الوسيلة وحدَها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.