صبيٌّ جاوز العاشرة مِن عُمره، يُحسِن الصلاة ويرتاد المسجد، ويأتي قبل الإقامة للصلاة بوقتٍ كافٍ ليُدرِك الصف الأول ويَقِف فيه، فهل يُؤَخَّرُ هذا الصبي عن مكانه الذي سَبَقَ إليه ووَقَف فيه مِن الصَّفِّ الأول لِكي يَقِفَ غيرُه مِن الرجال مكانه؟
الصبي المذكور أَوْلَى بالصف الأول مِن غيره مِن الرجال ما دام قد سَبَقهم إليه بتبكيره الحضورَ إلى المسجد وكان يُحسِن الصلاةَ، ولا يُؤَخَّرُ الصبيّ عن الصفِّ الأول لِيَقِفَ غيرُه مِن الرجال مكانه؛ فإنَّ مَن سبق إلى موضعٍ في المسجد للصلاة فهو أحقُّ به.
المحتويات
الصلاة عماد الدِّين، ورُكن الإسلام الرَّكِين، وصلاةُ الجماعةِ فضلها عميمٌ، وأجرُها عظيمٌ؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» متفقٌ عليه.
والصلاة مع الجماعة في المسجد والصَّفِّ الأول هي الأكمل ثوابًا والأعظم أجرًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» والحديثان متفقٌ عليهما مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
التعامل مع الصبيان في المسجد ينبغي أن يكون على نحوٍ يُرَغِّبُهُم في استمرار الحضور إليه، ويعلِّق قلوبَهم بالصلاة مع الجماعة فيه، وفي تنحيتِهم وتأخيرِهم بعد سَبْقِهِم للصفوف الأُولَى إبعادٌ عن تلك المعاني وتنفيرٌ لهم، وتثبيطٌ لعزائمهم في التنافس على الصالحات والتبكيرِ إلى الصلوات.
المسجد له آدابٌ شرعيةٌ عامَّة، منها: عدم إقامة أو تنحيةِ مَن سبق إلى موضعٍ في المسجد ليَقعُدَ غيرُه أو يَقِفَ مكانَهُ ولو كان السَّابقُ صَبِيًّا، فإذا حَضَرَ الصَّبيُّ المُمَيِّزُ صلاةَ الجماعةِ في المسجد، وسَبَق الرجالَ في الحضور إلى الصف الأول وأَخَذَ مكانه فيه، لَم يكن للرجال الحاضرين بَعدَه أو للقائمين على المسجد أن يؤخِّروا هذا الصَّبيَّ المُمَيِّزَ عمَّا سَبَقهم إليه مِن المكان في الصف الأول؛ لأنَّ المسجدَ بيتُ الله، والناس فيه سواء، فمَن سَبَق إلى مكانٍ فهو أَحَقُّ به؛ لقول الله تعالى: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ [الحج: 25].
وقولِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» أخرجه الإمام أبو داود في "سننه"، وفي روايةٍ: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَاءٍ».
ويؤيد هذا المعنى حديثُ ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ» متفقٌ عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وقد تَقَرَّر مِن مجموع هذه النصوص عند جماهير الفقهاء أنَّ "المُبَاحَ لِمَن سَبَق"، كما في "مسند الإمام الشافعي" بترتيب العلامة نور الدين السِّنْدِي (1/ 142، ط. دار الكتب العلمية)، و"بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكاساني (7/ 13، ط. دار الكتب العلمية)، و"منحة السلوك" للعلامة بدر الدين العَيْنِي (ص: 403، ط. أوقاف قطر).
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (14/ 160، ط. دار إحياء التراث العربي): [مَن سَبَق إلى موضعٍ مباحٍ في المسجد وغيره يوم الجمعة أو غيره لصلاةٍ أو غيرها، فهو أحقُّ به، ويَحرُم على غيره إقامَتُه] اهـ.
بل قد نَصَّ فقهاء الشافعية على عدمِ تأخير الصبيِّ عن موضعه الذي سبق إليه، وهو قولٌ عند الحنابلة، ومقتضى مذهب المالكية، وذلك باعتبارهم أنَّ الصبيَّ المميِّزَ الذي يَعقِلُ معنى القُرُبَاتِ وثوابَها، بحيث لا يَترك الصلاة في أثنائها، كالرَّجل البالغ في اصطِفَافِهِ في الصَّلاةِ مع الرِّجال في صفوفهم، وكذا في صلاة الإمام به جاعِلًا إيَّاه عن يمينه إذا لَم يكن معهما ثالث.
قال العلامة الخَرَشِي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 45، ط. دار الفكر): [والصبي إذا كان يعقل القُرْبَةَ كالبالغ، فيَقِفُ وَحْدَه عن يمين الإمام، ومع رَجُلٍ خَلْفَه.. "عَقَلَ القُرْبَةَ" أي: ثوابَها، بألَّا يَذهب ويَترك مَن معه] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 223، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ولا يُحَوَّلُ صبيانٌ حَضَروا أوَّلًا لرجالٍ حَضَروا ثانيًا؛ لأنهم مِن جِنسهم] اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن حَجَر الهَيْتَمِي الشافعي في "الفتاوى" (1/ 229، ط. المكتبة الإسلامية): [المعتمد أن الصبيان متى سبقوا البالغين إلى الصَّفِّ الأول لم يَجُز لهم إخراجُهم] اهـ.
وقال شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 492، ط. دار الكتب العلمية): [لو سَبَق الصبيانُ بالحضور لم يؤخَّرُوا للرجال اللاحِقِين، كما لو سَبَقوا إلى الصَّفِّ الأول؛ فإنهم أَحَقُّ به على الصحيح، نَقَله في "الكفاية" عن القاضي حسينٍ وغيرِه، وأَقَرَّه؛ لأنهم مِن جِنسهم] اهـ.
وقال شمس الدين ابن مُفْلِح الحنبلي في "الفروع" (2/ 159، ط. مؤسسة الرسالة) في معرِض الرد على مَن قال بجواز تنحية الصبي عن المكان الذي سَبَق غيرَه إليه استنادًا إلى فِعل أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه بقَيْسِ بن عَبَّاد: [وهذا لا يدل على أنَّه يُنَحِّيه مِن مكانه؛ فهو رأي صحابي، مع أنه في الصحابة مع التابعين، فظاهر كلامهم في الإيثار بمكانه، وفيمَن سبق إلى مكانٍ: ليس له ذلك، وصرَّح به غير واحد] اهـ.
قال علاء الدين المَرْدَاوِي في "تصحيح الفروع" معلِّقًا عليه: [ظاهر كلامه: تقوية الثاني وهو عدم الجواز، واختاره المجد في "شرحه" وقَطَع به] اهـ.
فإن قيل: يلزم تأخيرُ الصِّبيَان عن صفوف الرجال؛ عملًا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثَلَاثًا» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قلنا: المراد مِنهُ عند بداية الاصطفاف وقد حَضَرَ القوم جميعًا ولَم يَسبق أحدُهم إلى موضِعٍ مِن الصَّفِّ، أمَّا في حال حضورهم تِبَاعًا فلا يُؤخَّر منهم مَن حَضَرَ أوَّلًا لِيَقِفَ مَن حَضَرَ ثانيًا ولو كان الحاضرُ أوَّلًا صَبِيًّا والحاضرُ ثانيًا رجلًا.
قال الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 159): [ولو اجتمع الرجالُ والنساءُ والصِّبْيَانُ.. فأرادوا أن يَصْطَفُّوا للجماعة، يَقوم الرجالُ صَفًّا مما يَلِي الإمام، ثُمَّ الصِّبْيَانُ بَعدَهم] اهـ.
وقال العلامة الشُّرُنبُلَالِي في "مراقي الفلاح" (ص: 116، ط. المكتبة العصرية): [وإن لَم يَكُن جَمْعٌ مِن الصِّبيَان، يَقُوم الصبيُّ بَيْن الرجال] اهـ.
وقال شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي في "مغني المحتاج" (1/ 492): [ومحلُّ ما ذكر: ما إذا حَضَر الجميعُ دفعةً واحدةً.. وإنما تُؤَخَّر الصِّبْيَان عن الرجال -كما قال الأَذْرَعِيُّ- إذا لَم يَسَعْهُم صَفُّ الرجال، وإلا كُمِّلَ بهم] اهـ. أي: في ابتداء الاصطفاف للصلاة.
وقد وَرَدَ في السُّنَّة ما يؤيد مشروعية وقوف الصبي في الصَّفِّ الذي انتهى إليه -ولو كان الصف الأول- دون أن يُؤخَّر عنه؛ فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: "أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ" متفقٌ عليه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه وقف في الصَّفِّ مع صغيرٍ يتيم خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "وَصَفَفْتُ وَاليَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ" متفقٌ عليه.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ الصبي المذكور أَوْلَى بالصف الأول مِن غيره مِن الرجال ما دام قد سَبَقهم إليه بتبكيره الحضورَ إلى المسجد وكان يُحسِن الصلاةَ، ولا يُؤَخَّرُ عنه لِيَقِفَ غيرُه مِن الرجال مكانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائل يقول: هل يجوز للرَّجُل أن يلبس سلسلة من الفضة أو الذهب في رقبته؟
ما الحكم الشرعي فيمن يقوم بقراءة الفاتحة وسورة من القرآن الكريم في الصلاة دون البدء بالبسملة؟
مريض يعاني من سقوط شَرَجي نازف مزمن يُحدِث له إجهادًا مع كل عملية تبرز؛ نتيجة لتضخم وانتفاخ الشَّرَج بسبب الارتشاح المائي، كما يعاني أيضًا من انتفاخ بطني بصفة دائمة يخرج معه ريح فجائي لا يستطيع التحكم فيه؛ مما يمنعه من صلاة الجماعة وحضور الجمعة خوفًا من تعرضه للحرج، وقد يقوم أحيانًا بالجمع بين الصلاة جمعَ تأخير.
فما الطريقة الشرعية الصحيحة لطهارة هذا المريض ووضوئه وصلاته؟
سائل يقول: نرجو منكم بيان مذاهب الفقهاء في أكثر عدد ركعات صلاة الضحى.
هل يجوز لولي الأمر أن يقوم بتقييد الأمر المباح بهدف جمع كلمة الناس على رأي واحد ومن أجل ضبط النظام العام؟
هل يجوز للإنسان أن يتبرع ببعض خُصَل من شعر رأسه لمستشفى سرطان الأطفال؛ بغرض صنع باروكة يلبسها أولئك الأطفال، بعد أن تسبب العلاج الكيماوي في تساقط شعر رؤوسهم؛ من باب المساهمة في تخفيف الألم النفسي عليهم؟ مع العلم أن بعض الناس يقول: إن ذلك غير جائز؛ لأنه مِن وَصْل الشعر المُحَرَّم شرعًا الملعون فاعله، ولأن المشروع في الشعر المنفصل عن الإنسان أن يُدفن، واستعماله بعد انفصاله ينافي التكريم المطلوب لأجزاء الإنسان، وكذلك لا يجوز هبة ذلك الشعر؛ لأنه ليس مملوكًا لصاحبه، ويعترضون كذلك بأنه لو كان ذلك الشعر من امرأة فإنه سيحرم النظر إليه؛ لأنه من العورة.