بعض الناس يطلقون لفظ العيد على بعض المناسبات والذكريات التي تعود عليهم بالسعادة والسرور. فهل إطلاق لفظ العيد على أيام المناسبات الطيبات والأفراح والمسرات جائز شرعًا؟
إطلاق لفظ العيد على أيام المناسبات الطيبات والأفراح والمسرات
العيد في اللغة: مشتق من العَوْد، ويطلق عند العرب ويراد به الوقت الذي يعود فيه الفرح أو الحزن، والجمع: أعياد.
قال العلَّامة ابن الأنباري [ت: 328هـ] في "الزاهر في معاني كلمات الناس" (1/ 292، ط. مؤسسة الرسالة): [العيد: ما يعتاد من الشوق والحزن] اهـ.
وقد اعتاد الناس منذ القرون السالفة أن يطلقوا على أيام المناسبات الطيبات والأفراح والمسرات أعيادًا؛ إذ يقصدون مِن ذلك ما يعود عليهم فيه مِن الذكرى الحسنة والبشر والسعادة والسرور، وقد أقرَّ الشرع ذلك منهم؛ كما في قصة سيدنا عيسى عليه السلام؛ حيث ضمَّن في دعائه لله تعالى أن يكون نزول المائدة عليهم عيدًا لهم يحتفلون به؛ قال تعالى: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ [المائدة: 114]، إذ لَمَّا كان في نزولها تأييدٌ مِن الله تعالى له ومعجزةٌ ودلالةٌ على نبوته؛ استحق يومُ نزولها أن يتجدد السرور به في كل عام؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (11/ 225، ط. مؤسسة الرسالة): [عن السدي: قوله: ﴿تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدًا نُعظِّمه نحن ومَن بَعدنا] اهـ.
وإطلاق لفظ "العيد" على كل ما يعود على الناس مِن أيامٍ تحمل في طياتها ذكرى حسنةً أو سعادةً وسرورًا؛ هو من أصل الوضع اللغوي والعرفي لهذا اللفظ.
قال العلامة الحدَّاد في "الجوهرة النيرة" (1/ 93، ط. المطبعة الخيرية): [وسمي العيد عيدًا: لأنَّ لله تعالى فيه عوائد الإحسان إلى العباد. وقيل: لأنَّ السرور يعود بعوده] اهـ.
وقال العلَّامة شيخي زاده في "مجمع الأنهر" (1/ 172، ط. دار إحياء التراث العربي): [وسُمِّيَ يوم العيد بالعيد: لأن لله فيه عوائد الإحسان إلى عباده، أو لأنه يعود ويتكرر، أو لأنه يعود بالفرح والسرور] اهـ.
وقال القاضي عياض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (3/ 289، ط. دار الوفاء): [وسُمِّيَ العيدُ عيدًا: لأنه يعود ويتكرر لأوقاته. وقيل: بل بعوده بالفرح والسرور على الناس. وقيل: تفاؤلًا لأنْ يعود على مَن أدركه] اهـ.
وقال العلَّامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (7/ 108، ط. الدار التونسية): [العيد: اسمٌ ليومٍ يعودُ كل سنة، ذِكرى لنعمةٍ أو حادثةٍ وقعت فيه؛ للشكر أو للاعتبار] اهـ.
ولما كانت أيام المسرات وأحداث الخير التي تعود ذكراها على الناس وطِيب شذاها لَمَّا أشبهت العيد في إدخال السرور والسعادة على النفوس: صح إطلاقه عليها مِن باب التشبيه؛ كما أطلق الشرع الشريف على الجمعة عيدًا لَمَّا أشبهت العيد في الاجتماع والعود والسرور.
قال العلَّامة الخرشي في "شرح مختصر خليل" (2/ 98، ط. دار الفكر): [وإن كان قد جاء أن يوم الجمعة عيد المؤمنين: فمن باب التشبيه؛ بدليل أنه عند الإطلاق لم يتبادر الذهن إلى الجمعة ألبتة؛ إذ لا يلزم اطراد وجه التسمية. وقيل: لعوده بالفرح والسرور على الناس. والعيد أيضًا: ما عاد مِن هَمٍّ أو غيره] اهـ.
وقال العلَّامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (1/ 523، ط. دار المعارف): [وما ورد مِن تسمية الجمعة عيدًا: فمن باب التشبيه؛ بدليل أنه عند الإطلاق لم يتبادر للذهن الجمعة ألبتة] اهـ.
وقال العلَّامة الماوردي الشافعي في "الحاوي" (2/ 487، ط. دار الكتب العلمية): [المختار للناس في هذا اليوم مِن الزينة، وحسن الهيئة، ولبس العمائم، واستعمال الطيب، وتنظيف الجسد، وأخذ الشعر، واستحسان الثياب، ولبس البياض: ما يختاره في يوم الجمعة وأفضل؛ لأنه يوم زينة؛ ولأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في جمعة مِن الْـجُمَع: «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ عِيدًا لَكُمْ؛ فَاغْتَسِلُوا»، فلما أمر بذلك في الجمعة تشبيهًا بالعيد كان فعله في العيد أولى] اهـ.
وقال العلَّامة البرماوي في "اللامع الصبيح" (14/ 172، ط. دار النوادر): [(عيدان) أي: يوم الجمعة ويوم العيد، وإنما سُمِّي يومُ الجمعة عيدًا؛ لأنه زمانُ اجتماعِ المسلمين في مَعبَدٍ عظيمٍ لإظهارِ شعارِ الشريعة كيوم العيد، فأُطلق عليه "عيدٌ" تشبيهًا] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.